موضوعات للمناقشة الحرب الأهلية في العالم القديم العراق نموذجا


زهدي الداوودي
2015 / 8 / 16 - 20:38     

موضوعات للمناقشة


الحرب الأهلية في العالم القديم

العراق نموذجاً
زهدي الداوودي
(نحن ما زلنا جزءًا من العالم القديم، نتواجد في مرحلة ما قبل العلاقات الرأسمالية، نعاني صعوبةً في ترك مهدنا الذي قضينا فيه ثلاثة آلاف سنة، ولكن ها أن الأوان قد حان كي نتململ في مكاننا وننتقل إلى مرحلة أعلى، خالية من القتل العشوائي وسلخ الجلود البشرية وقطع الرؤوس وممارسة أنواع التعذيب. ولكن، ما أن أخرجنا رؤوسنا من مهدنا، إلا واصطدمنا بما هو أسوأ بكثير، مما نعيش فيه. لقد تبين لنا اننا نحلم ونسكن في قصور من الرمال. وقررنا أن نهدم العالم القديم ونبني عالماً جديدا يفتح ذراعيه لتطويق الكل، بيد أن المهمة التي قررنا أن نأخذها على علتقنا ليست بسهلة. فيما مضى كان عدد الضحايا في كل معركة لا يتجاوز عدد أصابه اليد الواحدة وكنت في خضم المعركة ترى العدو بعينيك، وأما الآن فان عدد الضحايا من الموتى يتجاوز المئات. والعدو غير معروف.انها مسالة لا يمكننا فهمها)
• ما المقصود بالعالم القديم وماذا يعني إنهياره؟
انهيار العالم القديم يعني ركود العلاقات الاقتصادية والوقوف على عتبة العلاقات البدائية التي تهيمن عليها العقلية المتخلفة التي تحن إلى الماضي، بكل ما فيه من طاقة وإمكانية. ومن أجل ايقاف عملية التطور، تلجأ القوى المتخلفة لمختلف الوسائل التي تؤدي إلى الحيلوله دون إتيان بديل أحسن من المجتمع البدائي الذي يعتبر النضال ضده، كفرا والحادا وإهانة للأله القائم.
1
• انطلاقا من هذا التفكير الجديد انشق المجتمع البدائي إلى معسكرين، حاول كل منهما الهيمنة على إحدى الجهتين. وبدأ الصراع بين الجانبين يتخذ أشكالا مختلفة وتستغرق فترات متباينة. كان التباين يختلف بين الجانبين، ففي الوقت الذي تسبغ فيه التطورات طابعا سريعا على العملية، كانت الحركة تتميز بالبطء، الأمر الذي أدى إلى نشوء تطور لا متساو في مجمل العملية. لقد استغرقت عملية الانتقال في الشرق وآسيا وبعض مناطق أفريقية حوالي ثلاثة آلاف سنة في حين استغرقت في أوروبا ثلاثة قرون، أدت إلى انبثاق وازدهار نظام المانفاكتورات فالثورة الصناعية التي غيرت وجه العالم.



• هذه العملية التي أثمرت عن نشوء النظام الاقطاعي في أوروبا فالانتقال إلى العلاقات الرأسمالية، أدت إلى نشوء نظام إقطاعي آسيوي غير نموذجي، تتحكم فيه طبقة من الارستقراطية المنبثقة من العلاقات الباترياركية المعتمدة على الزراعة البدائية التي لم تلعب دورا حاسما في زيادة الانتاج. وكان أن لعبت التجارة الخارجية دورا كبيرا في تراكم المال الذي أدى بدوره إلى نشوء المدن و ودويلاتها المزدهره. ولم يقتصر الأمر على الوقوف على عتبة دويلات المدن، بل تجاوزها إلى الهيمنة على معظم الطرق التجارية التي أدت إلى السيطرة على أهم المدن في الشرق مثل بخارى وسمرقند وغيرهما. ومن تم له ذلك، أصبح سيد العالم القديم بلا منازع أو منافس.

• بقيت العلاقات المعرقلة للتطور داخل المجتمعات البدائية، تمد جذورها في الأرض الخصبة للتأخر، تفعل فعلها كحاضنة تتناسل الأفكار الغيبية الخاضعة للقدر الذي تتحكم فيه على مدى القرون المظلمة التي جعلت من الانسان العوبة يحركها مصيره الذي يكمن في كف القدر. وهكذا خلق فيه الوعي الديني الذي أصبح جزءً من تكوينه الذي لا يمكن نزعه منه. وأستمر هذا التكوين إلى عصرنا هذا وأصبح قوة داخلية تزداد في الأزمات وتشتد عند تقرير المصير. ولعل أخطر ما في هذا الوعي الديني حين يتحول إلى وعي جماعي، لا تأبه بالموت في سبيل قضيته، ولا سيما حين يشجعه مرجعه بأنه في كل الأحوال يبقى فوق الموبقات، يحل له كل شيء.
إن عقلية تترسخ في كيان الإنسان على مدى ثلاثة آلاف عاماً، لا يمكن نزعها بسهولة. ورغم ذلك ينبغي العمل من أجل إزالة الجانب العدائي من هذا التفكير الجماعي الخطر.
ثمة تربة خصبة تفعل فعلها في التأثير على المواطنين الجهلاء وتقوم بلعب الدور الحاسم في التأثير على سير الانتخابات التي تحصل على الأكثرية الساحقة. وهي إذ تعتقد بأن هذا النصر نهائي وأبدي، يقوم باطلاق تصريحات عشوائية، تعكس عن حقيقتها مثل:"أخذناها، لن نعطيها". انها نفس الطريقة الهتلرية في فهم الواقع السياسي ومفهوم الديمقراطية.
إن القوى الديمقراطية والتقدمية، رغم ضعفها النسبي، لا يمكن لها أن تقف مكتوفة اليدين أمام هذا الهراء.
ما العمل لمواجهة مثل هذا الهراء؟
بدءًا ينبغي البحث عن السبب الرئيس الذي أدى إلى أن تستغرق عملية الانتقال من المجتمع البدائي اللاطبقي ثلاثة آلاف سنة في الشرق وثلاثمئة سنة في الغرب. إذا علمنا بأن العمل، سواء كان ذهنيا أم جسدياً يؤدي إلى تطور الانسان من جميع المناحي، نرى بأنها نشأت مع القوى المنتجة ووسائل الانتاج. هذه القوى نفسها كانت حبيسة الركود الاقتصادي الذي كان سببه عدم وجود عمل ينشغل به الرعايا. وعدم وجود العمل يؤدي عمليا إلى الكسل والخمول.
كانت القبائل الرحل والبدو تعيش من وراء السطو على القوافل معتمدة في حروبها على طريقة الكر والفر. كان الانتاج الفلاحي هو الآخر محدوداً لا تراكم فيه. وكان أن انتعشت التجارة الخارجية التي احتكرت حركة القوافل التي تربط اليمن والشام وبصرة والبحرين وبلاد فارس وسمرقند وبخارى وأرمينيا وبعض مناطق الصين بعضها بعضاً.
ومما أثر أيضا على ركود التطور في مجال الانتاج، القيود المفروضة على المزارعين من قبل الدولة.
وبالمقابل من الركود الاقتصادي المهيمن على عالم الشرق الواسع، نرى أن الغرب كان في سباق مع الزمن فالتطور. ففي الوقت الذي ظل فيه الفلاح الشرقي يستعمل المحراث الخشبي الواحد، تجاوز المزارع الاوروبي خمسة محاريث وراح يستعمل المحاريث التي يشغلها البخار دون أن يترك أية قطعة من الارض للراحة. وراح يستعمل السماد لتقوية الأرض بدلا من تركها. ورافقت تربية الحيوان الزراعة ويدخلان في سباق لتطوير بعضهما بعضاً. لو لا العمل الذي أدى إلى تراكم الانتاج، لما تمكنوا من صرف المبالغ الطائلة على التطوير الشامل الذي أدى إلى ظهور المانفاكتورات.

المركز والأطراف
كان العراق بولاياته الثلاث: بغداد والبصرة والموصل، جزءً من الامبراطورية العثمانية التي كانت تعتبر من أسوأ الأقسام التي تعاني من الفقر والجهل والتأخر. ومما زاد في بؤسه، وقوعه على الأطراف التي كانت غارقة في البؤس المقيت. كان هذا الموقع الجغرافي الذي يتميز بالفقروالتخلف، يتعرض إلى حملات عسكرية بأمر من الوالي الذي يأخذ راتبه من الجبايات والضرائب. وكان المواطن يقطع من لقمته كي يسدد الضريبة المفروضة عليه. وكان المواطن العثماني، يحمد ربه أنه يعيش، ذلك أنه تخلص من ركلات موظف الجباية الذي يستحيل أن يتخلص منها أحد. أما أهالي المقاطعات الواقعه على الأطراف مباشرة، فكان عليهم دفع الضريبة من جهة والقيام بأعمال الحراسة على الحدود من جهة أخرى. كانت حياتهم معرضة للموت ولكنهم كانوا يتمتعون بالحصول على حصصهم من التبغ المهرب. كان الحراس من أكراد ايران والمهربون من رعايا أفغانستان وبعد لقاءات مباشرة بين الطرفين، اتفقا على الحذر عند فتح النار على الجبهة المواجهة. مع هذا الاجراء توطدت العلاقة بين الطرفين اللذين اكتفيا بمجرد فتح النار على الفراغ، خلق الوعي القومي عند بعض الفئات.
وبعكس الظروف التي فتحت أبواب الصراع أمام الكورد، بقيت الحركة البلوجية متأخرة لم تتمكن من فتح أبواب الوعي البلوجي في بلوجستان. نفس المصير عانته الحركة البلوجية التي لم تتمكن من السيطرة على الانقسامات الدينية وعدم التضحية بالمصالح الشخصية.

دور العمل في التطور

رأينا مما سبق أن العمل يعتبر العامل الحاسم في التطور. وأن التطور لا يملك حركة ذاتية من شأنها دفع عجلة التطور إلى أمام. بيد أن هناك فروق ذاتية تلعب دورا كبيرا لتحريك عملية التطور، إذ هناك تطور سريع وتطور بطئ. كما وهناك تطور يؤدي إلى التقدم وثمة تطور آخر (ليس له علاقة بالتطور، بل ردة) تؤدي إلى الردة فخراب المجتمع، كما يحصل عادة في الشرق وآسيا. وينبغي عدم الخلط بين التطور اللامتساوي وحركة الردة.
ولعل أسوأ عامل لعرقلة التطور الطبيعي للبناء الفوقي هو تدخل الدولة في تحديد انطلاق القوى المنتجة بفرض شروط معينة. كانت الدولة العثمانية تفرض صناعة المنتجات العسكرية على أصحاب المانفاكتورات. وكانت الدولة الصفوية تفرض عليهم صناعة الكماليات. وإذا علمنا أن أن تطور العلاقات الرأسمالية تحتاج إلى الحرية المطلقة وتخفيف الضرائب وتسهيل أمور التجارة الخارجية، لعلمنا أسباب نشوء الركود والتخلف. ورغم الدروس الكافية التي يعطيها التاريخ، نرى نفس الحماقات تتكرر عند الدول المعاصرة، الأمر الذي يؤدي إلى انهيار النظام الاقتصادي – الاجتماعي – السياسي الشامل كما حصل في الاتحاد السوفييتي العملاق. كانت سياسة سباق التسلح التي أدت إلى عسكرة الاقتصاد، هي المهيمنة على الساحة الاقتصادية.

التطور اللامتساوي بين الشرق والغرب.

لا يوجد تطور موحد سواء في محيطنا الأرضي أم الكوني. ولذلك فان كون أحدهم يبقى في مؤخرة السباق، مسالة طبيعية جداً وليس معيبا، الشيء المعيب هو الرضوخ للكسل وعدم محاولة التخلص منه. ولعل أسوأ شيء يصاب به المرء هو الغرور وعدم محاولة التعلم من تجارب الآخرين. ولكن، هل يفيدنا هذه الكلام ونحن نعاني أسوأ مراحل التخلف؟ كيف نتعامل مع فرق حضاري أمده 3000 سنة شرقا و300 سنة غربا. خلال فترة العامين 1980 و 1981 اشتغلت في كلية التربية بالبيضاء مدرسا للتاريخ. منذ الايام الاولى لاحظت ظاهرة غريبة لم أعهد بها من قبل، ألا وهو عدم وجود ما يسمى بالريف أو القرى الاعتيادية التي تعتمد على الزراعة والرعي. ودفعني فضولي إلى أن أتوجه إلى رئيس القسم لمعرفة السبب وراء هذه الظاهرة الغريبة التي يجب أن تؤخذ كمادة للدراسة. قال بلهجة فيها ألم ومرارة:
"نحن نزلنا من البعير وركبنا المرسيدس"
عرفت أنه يريد الاكتفاء بهذا القدر من الجواب القاطع. وأنا بدوري تركت الموضوع لكي لا أثير الحساسيات.

دور التجارة الخارجية في تراكم المال وكبت التطور

عندما نشأت الامبراطوريات وأمتدت حدودها عبر القارات، تشكلت عبر هذا التطور السريع أنظمة وحاجات ماسة أصبحت جزءاً عضويا مكملا لوجود الامبراطورية التي كانت لا تستطيع العيش بدون هذه الملحقات. كانت القوات المسلحة والادارات المسؤولة يجب أن توفر الخبز والالبان واللحوم وأنواع المخضرات إلى جانب انتاج الملابس العسكرية والاحذية والاحزمة التي كانت تعتمد على الجلود في صناعتها. ولما كانت الحاجة كبيرة لسد المطالب المذكورة، لذا كانت الدولة تمد قبضتها وتحتكر العمل في تلك الفروع الصناعية. وأدت الحاجة الكبيرة إلى العمال أن تجلب الدولة الاسرى لاشغالهم في ورشاتها. وكان أن أدت العملية إلى نشوء نظام العبيد.
كانت حركة التجارة الخارجية تعتبر أكبر و أهم مصدر للربح بكلفة قليلة حيث كان البعير يلعب الدور الاساسي في تحمل عوامل البيئة القاسية وجلب الارباح الطائلة عبر الصحارى والهضبات. كان الخليفة عثمان بن عفان يملك 5000 بعيراً يستعملها لقوافله التجارية التي كان يحرسها شرطة الدولة. وكان القيصر الصيني من أجل توطيد علاقته مع الخليفة العباسي وللاطلاع المباشر على حاجات النساء في القصر، يرسل جنرالاً خصياًعلى رأس قافلته..
إن الازدهار الذي نشأ في الشرق كان سببه التجارة التي كانت ترافق الدولة وتساهم في الصرف على حاجاتها ومطالبها على شكل ضرائب مستحقة. وظلت الدولة عبئاً على الزراعة التي كانت تعاني الضعف والهزال وتحتاج إلى من ينتشلها من الركود.

كيف انبثق التطور من حضن الزراعة في أوروبا

لاحظنا قبل قليل أن التجارة الخارجية التي كانت مشغولة في الشرق بجني الارباح الخيالية وببناء القصور، تجري تطورات سريعة ومنتظمة في مجال الزراعة في الغرب، حيث تمكن الفلاح الاوروبي من ترك المحراث الحديدي الخامس إلى أسلوب المانفاكتورات التي قامت بصناعة المكائن الزراعية التي بدأت بانتاج عشرلت أضعاف الفترة السابقة.
كانت حصيلة التطور، نشوء النظام الاقطاعي الذي كان نقلة نوعية في حياة الاوربيين الذين قدموا للعالم خيرة الفلاسف والادباء والعلماء والمهندسين والموسيقيين.

الصراع المستديم بين المدينة والريف

يمكننا حصر مسألة التطور الحتمي في المجتمع الكردي في إطار المعادلة الآتية:
1. زحف المدينة إلى الريف يساوي الحضارة والبناء والانتاج المنتظم للخيرات المادية.
2. زحف الريف إلى المدينة يساوي الخراب والنهب والسلب. تعطيل دور القانون والمؤسسات الدستورية. وغالباً ما يكون السبب هو الفرق الشاسع في مستوى المعيشة، تلك النقطة المهمة التي يجهلها أبن الريف وهو العمل.

خصوصية تطور المجتمع الكردي

تطور المجتمع الكردي ضمن شروط قاسية فرضتها عليه جغرافيته الطبيعية التي شاء له القدر أن يعيش تحت خيمته التي حالت دون تشتتها وفقدان هويتها القومية، مثل ما حصل في شمال أفريقية. لقد ظلت الخيمة قائمة إلى أن تمكن الشعب الكردي أن يصل إلى وعيه القومي مع سقوط الامبراطورية العثمانية وتلاشي الاقطاع أمام ظهور العلاقات الرأسمالية. وفي فترة نشوء الامارات الكردية، انتفض الشيخ سعيد في كوردستان تركية وكان أن أنتفض الشيخ محمود قبله في كوردستان العراق وفي ايرن تم الاعلان عن تأسيس جمهورية مهاباد الكوردستانية التي سقطت بسبب انسحاب القوات السوفييتية من أراضي ايران. وتوقيع مهاهدة النفط بين شاه ايران وستالين.
إننا هنا لسنا بصدد التطرق إلى تاريخ الشعب الكردي وكيفية تطوره وبقائه مجزءاً إلى يومنا هذا والعوامل التي لعبت دورا حاسما. أكدنا فيما سبق بأن الجغرافية الطبيعية قد لعبت دورا حاسما في تجزأة كردستان وعدم وحدته. كانت الجبال الشاهقة والانهار الكبيرة تقسم العشيرة الواحدة إلى قسمين. وكانت الأقسام الاربعة الي قسمتها معاهدة سايكس بيكو، تعتبر ضربة قاسية، قصمت ظهر الحركة الكردية، إذ أنها الصقت الاقسام الاربعة بدول لا تعرف شيئاً طفيفا عن أصلها وحقوقها.

1. عن واقع العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المرحلة الراهنة.
2. المشكلات التي تواجه التحولات الاجتماعية الضرورية.
3. شروط وأسس التحولات المنشودة في المجتمع العراقي بالارتباط مع حركة وفعل القوانين الاقتصادية وقوانين التطور الاجتماعي الموضوعية