مأزق الإسلام السياسيّ الحاكم في العراق


شاكر الناصري
2015 / 8 / 14 - 13:19     

على رغم من تعرض نظام المحاصصة السياسية والطائفيّة القائم في العراق إلى إختبارات عديدة تمتحن وجوده وقدرته على التعاطي مع الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية في العراق، ولكنّه تمكن من التخلص منها وظل محافظاً على هيكله وتوافقاته وتناغماته الداخلية، و رغم جسامة الخسائر التي حدثت، تَحول الفساد إلى مؤسسة مهيمنة ومخيفة تبتلع الجميع، الإستئثار بالسلطة والإثراء الفاحش على حساب الفقراء ولقمة عيشهم، سقوط الموصل والأنبار وصلاح الدين ومناطق واسعة من العراق في قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، الفشل الأمني المزمن والذي جعل من حياة العراقيّين، سلسلة هائلة ومخيفة من الإنفجارات والعبوات والسيارات المفخخة...الخ. إلاّ أن قوى السلطة نجحت في استخدام الورقة الطائفية أو الإستهداف الطائفيّ والسياسيّ، المتبادل بين قوى السلطة، المتخاصمة والمتصارعة، ولكنّه لم يتعرض إلى اختبار حقيقي وجدي، كما يحدث الآن، يهدد وجوده في السلطة ويكشف عن الفشل الذريع في إدارة الدولة أو إعادة بنائها، ووصول ما يسمى بالعملية السياسية إلى حالة إسنداد الآفاق وعدم القدرة على إيجاد حلول لما يعانيه العراق من أزمات متلاحقة وإرهاب ودمار متواصل!

عمليا، يمكن توصيف الحالة التي يعانيها، الآن، حكم قوى الإسلام السياسيّ الشيعي الحاكم في العراق" أحزاب، منظمات، مليشيات، ومؤسسات دينيّة داعمة"، والقوى التي تتشارك معها في السلطة والاستيلاء على الدولة ومقدراتها " التحالف الكردستاني، تحالف القوى الوطنية، متحدون للاصلاح...الخ"، بأنّها حالة سقوط سياسيّ وانكشاف تام أمام المجتمع الذي تحكمه وتحولها إلى عبء كبير عليه وعلى مصيره ومستقبله وإن بقاء هذه القوى سيكون حالة انتحار سياسيّ واجتماعيّ، بالنسبة للمجتمع ولقواه الرافضة والمعارضة لهذه السلطة وسيبقي الجميع في دوامة من الإنتهاكات والمخاطر التي لايمكن التنبؤ بها.

تعمل هذه القوى الآن على الإمساك بالسلطة ومغانمها، بأي شكل كان، من خلال دفاعها المخزي عن تهم الفساد والإستيلاء على الدولة ومقدراتها، واستعدادها لارتكاب المزيد من الإنتهاكات وخوض الصراعات، فيما بينها، للتمسك بحصصها من السلطة. وفي نفس الوقت تسعى للّعب بورقة الدين والإسلام والمقدسات المستهدفة من المتظاهرين أو القوى الخفيّة التي تحركهم، ومن العلمانيّة والعلمانيّين ومشروعهم الهادف إلى بناء دولة تبتعد عن الدين واصوله!

فما يحدث الان، وتحديدا، منذ اندلاع التظاهرات والإحتجاجات المطلبيّة والسياسية التي اندلعت في معظم المدن العراقيّة، التي تمت المراهنة على صمتها وولاءها السياسي والطائفي، هو إنكشاف الغطاء الذي تتستر به قوى السلطة، بشكل فاضح جعلها في حالة من انعدام القدرة على إقناع العراقيّين بحججها ومخاوفها وسردياتها الواهية عن الظلم والحقوق المستلبة والآخر الذي يتربص بحكم الشيعة وسلطة المذهب!. لقد اثبتت هذه القوى فشلها في إدارة الدولة وفي إيجاد نظام سياسيّ يضمن أبسط الحقوق والحريات للعراقيّين أو يسهل حياتهم عبر شبكة خدمات، وأنظمة وقوانين، لاتجعل من الإنسان في العراق رهينة المخاوف والهواجس المعيشيّة والتربويّة والأمنيّة.

نحن أزاء قضية حساسة وتشير إلى تغيّر المزاج السياسيّ للفرد العراقيّ بشكل لافت وتنامي وعيه وقدرته على التعاطي مع ما يحدث حوله من أحداث وأزمات، تمس حياته ووجوده ورغباته ومستقبله، إلا وهي فشل قوى الإسلام السياسيّ داخل البيئات الاجتماعية والطائفيّة التي انجبتها ودعمتها وإنتخبتها لتكون على رأس السلطة في العراق!، وفي نفس الوقت سقوط القناع والشعار والمخاوف الطائفيّة التي أوصلت هذه القوى وتمكنت من اللّعب به بخفة ومهارة، ولكنّها انتجت الكثير من الكوارث!. وعلى الرغم من استمرار السلطة وقدرتها على الخداع والتسويف وخلق الازمات، إلاّ أن قوى الإسلام السياسيّ الحاكمة، باتت رهينة مأزق الإفلاس السياسيّ الذي يضعها امام استحقاقات كثيرة تتعلق بوعودها أو بقدرتها على البقاء واقناع الناخب العراقيّ، بإعادة إنتخابها مجدداً!

لعل، أبرز ما تحقق ومنذ انطلاق التظاهرات والحركات الإحتجاجيّة والمطلبيّة في بغداد والمدن العراقيّة الاخرى، هو القطيعة والهوة الكبيرة، التي باتت تتسع بشكل متزايد، والتي باتت تفصل ما بين قوى الإسلام السياسيّ وبين من إنتخبها وبات يتملس حجم الخراب والإنهيار الماديّ والمعنويّ الذي يعيش فيه جراء سياسات وممارسات هذه القوى وفسادها الهائل!

حالة التخبط والإرباك التي تعاني منها قوى الإسلام السياسيّ الشيعي الآن، وبقدر ما تكشف عن أفلاسها وفشلها وتحولها إلى قوى فاسدة لايمكن الوثوق بها وبمشروعها أو بالادعاءات التي تتستر بها، فانّها تدفعنا، ومعنا حشود من العراقيّين الذين تحولت حياتهم إلى سلسلة متلاحقة من النكبات والخسائر المفجعة، للتساؤل عن البديل السياسيّ القادر على إنقاذ الوضع في العراق والإرتقاء بحياة العراقيّين وأمنهم وحقوقهم، كيف سيكون، وهل سنبقى رهينة هذا النظام المدمر" المحاصصة الطائفية"، و توافقاته وتوازناته، أم سترتفع درجة المطالب لتمس جوهر هذا النظام والأسس السياسيّة والدستوريّة والطائفيّة التي تشكل على أساسها؟