السيستاني يطيح بالإسلام السياسي ورجالاته في العراق


محمد السيد محسن
2015 / 8 / 10 - 01:51     

للوهلة الأولى قد يبدو العنوان غريبا ولكن بمراجعة بسيطة لما تؤمن به مرجعية السيستاني من مبدأ" ألمفتي لايفتي حتى يستفتى" يتضح ان السيستاني يفضّل حكومة تستشيره وتعود اليه بكل شاردة وواردة حتى لو كانت من الأحزاب السياسية غير الاسلامية
الأحزاب التي تقود العملية السياسية في العراق منذ عام ألفين وثلاثة لم تلتزم بخط مرجعية السيستاني وتتعامل مع الرجل بانتقائية لفك حصاراتها والتخلص من الضاغطين عليها وكلٌ يدفع بأعدائه من منافسيه من خلال الاتكاء على عصا السيستاني والتلميح بأنهم تحت عباءته
فالتيار الصدري مثلا لا يلتزم بفتاوى السيستاني وكان مرجعهم الاول محمد صادق الصدر اول من تحدث جهارا بعدم أهلية السيستاني لزعامة الحوزة العلمية في النجف وعلى هداه سار ابنه مقتدى وكل التيارات التي أنتجها وضع مابعد احتلال العراق مثل حزب الفضيلة الذي يتزعمه الشيخ محمد اليعقوبي والذي أعلن انه قادر على استنباط الحكم الشرعي ودعا العامة لتقليده ليحتاز على مقاليد السياسة والدين ويكون رقما بين أرقامها ، وكذلك المنفصمون عن مقتدى الصدر من عصائب أهل الحق ايضا يلتزمون مرجعية علي الخامنئي وينتهجون نهج محمد صادق الصدر

اما حزب الدعوة فانه لم يلتزم بخطى مرجعية النجف منذ تاسيسه ولحد الان فقد تأسس الحزب في ستينيات القرن الماضي وكان هدفه الاسمى ان يأخذ دور قيادة الشيعة في العراق والعالم من زعامات الحوزة العلمية على مر تاريخها من محسن الحكيم الى السيستاني مرورا بزعامات الخوئي والسبزواري والبروجردي والغروي ، وكان حزب الدعوة ينتهج مبدأ "مرجع من الدعوة وليس مرجعا للدعوة" وهو المبدأ الذي تحججوا فيه على روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران حينما دعاهم للالتزام بالدعوة الى الجهاد ضد نظام صدام حسين وانخراطهم مع حشد المتطوعين الإيرانيين إبان الحرب العراقية الإيرانية ففضلوا ان يعطوا المرجعية الى رجل من حزبهم وهو "كاظم الحائري" ومن ثم خلعوه بقرار شهير في تاريخ الحزب أسموه حينذاك "قرار الحذف" وبموجبه قرروا فصل الحائري من منصبه كمرجع لحزب الدعوة واكتفوا بالمكتب السياسي للحزب حتى استقرت امورهم بعد ذاك بالاتفاق على "محمد حسين فضل الله" كمرجع للدعوة على اعتبار ان فضل الله كان من المساهمين في تأسيس الحزب إبان فترة إقامته في مدينة النجف طلبا لإكمال دراسته الدينية ، وان له علاقة حسنة مع ما يعتبرونه مؤسس الحزب محمد باقر الصدر وحين توفي فضل الله التزموا مرجعية محمود الهاشمي الشهرودي وهو الان رئيس السلطة القضائية الايرانية
اما المجلس الأعلى فقد ادرك العلاقة ما بين الصدريين والدعوة من جهة وزعيم الحوزة العلمية من جهة اخرى فقرروا ان تكون مرجعيتهم تابعة للسيستاني ، الامر الذي كلفهم الكثير بعد اتهامهم من قبل الإيرانيين بعدم الالتزام باوامر إيرانية قضت بتولي المالكي لدورة ثانية لرئسة الوزراء وتفتت شملهم حيث خرجت منظمة بدر من عبائتهم ولحقها حزب الله العراق الذَين التزما بعلي الخامنئي كمرجع لهما ، وما زال المجلس الاسلامي يدفع ضريبة خروجه عما سمي وقتها بشق عصا الشيعة والتمرد على مصالح المذهب
اما الاسلام السياسي السني المتمثل بالحزب الاسلامي وبقية التيارات الاسلامية معه فقد أخذ التعامل مع مرجعية السيستاني صورة الحذر وبالنتيجة فإنها - اي القوى السنية - تتعامل مع السيستاني كشباك شكاوى مما صابهم من حيف واقصاء وتهميش من قبل القوى السياسية الشيعية
وما زالت هذه القوى الاسلامية - الشيعية بالأخص - تتحدى السيستاني الذي دعا في الانتخابات الاخيرة مقلديه وكافة طوائف العراق لعدم " ترشيح المجرب" من الذين فشلوا في إدارة البلاد منذ احتلالها ولحد الان الا ان الشعب خذل مرجعيته بفضل تمكن رجالات العملية السياسية وسيطرتهم على المال العام واستحواذهم على مفاصل الدولة بقوتها وقدرتهم على استدراج المواطنين اليهم لإعادة ترشحهم خارج إطار الدين حيث تعاملت الأحزاب مع قضية الانتخابات الاخيرة بذهنية الانتهازي غير المتدين الامر الذي جعل السيستاني يأخذ زمام المبادرة مثلا لإحراج سلطة نوري المالكي وهي اكبر سلطة متمردة على مرجعية السيستاني بعد سلطة مقتدى الصدر ، أخذ السيستاني زمام المبادرة للتصدي للفتوى الشهيرة بوجوب " الجهاد الكفائي" وهنا ايضا جاء دور الأحزاب لتسيير مقتضيات الفتوى كما هو طريق مصالحهم حيث سخروا كل إمكانات المؤمنين بالفتوى لخدمة مصالح احزابهم وشكلوا مليشيات جديدة ومتعددة واستدرجوا المتطوعين لمليشيات احزابهم ، وكانت الفتوى صريحة في ضرورة ان يتطوع من يجد بنفسه الكفاءة للجهاد ضد داعش للالتحاق في الأجهزة الأمنية العراقية ، ليدخل العراق نفقا جديدا للفساد من خلال تحويل مضمون فتوى السيستاني الى قدرة تعبوية حزبية هائلة قضت على خزائن الدولة ورصيدها الاقتصادي ، بل وجعل هذا التحويل من قبل الأحزاب السياسية الاسلامية - الشيعية حصرا- الى إقواء أذرعها في تشكيلات السلطة والمال ومفاصل الدولة وتأسيس مرحلة جديدة من الفساد - الشرعي- من خلال إيهام الشعب بالعمل بأولويات الصراع مع داعش
نستنتج من كل ذلك ان السيستاني ضاق ذرعا بهذه التشكيلات التي جعلته امام مسؤولية مضاعفة تتأرجح ما بين السياسة والدين ، لكنها في الحقيقة جعلت من مرجعيته مفتاحا سحريا لفك الازمات في وقت فقد فيه العراقيون قدسية قادتهم وباتوا ينتظرون الحلول من المرجعية فقط وهذا ما حصل في بيان المرجعية الأخير للقضاء على الأحزاب السياسية الاسلامية حيث ان السيستاني يدرك تماما بان المتظاهرين في كل العراق هم ليسوا من حزب الدعوة ولا من المجلس الأعلى ولا من التيار الصدري ولا من عصائب أهل الحق ولا من منظمة بدر ولا من حزب الله العراق ، وهؤلاء وفق وجهة نظر السيستاني جميعا قد فشلوا في إدارة دفة البلاد الى المحجة البيضاء التي كانوا يعدون الشعب بها
ورب سائل يقول : لماذا لا يصرح السيستاني بكل ما ورد في مقالنا اذا كان يؤمن ان إسلاميي السلطة يشوهون سلطته ويطيحون بالبلاد؟ . الجراب هو ان السيستاني باعتباره مرجعا دينيا يتعامل مع مقتضيات السياسة من خلال الدين وعدم الاحتكاك الشخصي بذلك فهو يرسل الرسائل ولو الاخرى بضرورة تقليم الاظافر ومن ثم الانقضاض على المتمردين على سلطة الدين ومنهجه وهم المنافقون الذين يدعون انهم نتاج الدين الا انهم ينفذون اجندة لاتتسق مع مقتضيات الفقه بشيء ولا مع منهج الدين بصلة