لا وجود لدولة اسلامية أبدا !


سهر العامري
2015 / 8 / 9 - 11:32     


لطالما شغلت الأحزاب الدينية ، وعلى مدى سنوات طويلة ، عقول الناس بطروحات تدعي أنها مستمدة من القرآن وسنة النبي والصحابة عند أهل السنة ، ومما ذكر ، وكذلك مما نطق به الأئمة عند الشيعة ، فعند أهل السنة كان حزب اخوان المسلمين وحزب التحرير وغيرهما ، وعند الشيعة كان حزب الله وحزب الدعوة ، وكل واحد من هذه الأحزاب كان يدعو الى قيام دولة اسلامية لم تر النور لا في الماضي ، ولا في الحاضر ، فعلى عهد النبي والخلفاء الراشدين ظهرت سلطة دينية اتخذت مركزا لها من مدينة يثرب " المدينة " حاليا ، وهي سلطة تفتقر الى مقومات الدولة القديمة كالدول في العراق القديم على أيام السومريين والبابليين والآشوريين ، أو الدولة القديمة في مصر على عهد ملوك الفراعنة بناة الاهرامات.
فسلطة المدينة لم تعرف الدواوين ، أو الوزارات ، مثلما لم تشهد تنظيما إداريا واضحا ، ولم تضع القوانين التي تنظم الحياة المدنية ـ الاجتماعية ، ولا القوانين التي تعتني بالجوانب الاقتصادية ، وكانت خلوا من الأجهزة الأمنية كالشرطة مثلا ، وعلى هذا الاساس لم ير التاريخ دولة اسلامية بمفهوم الدولة القديمة أو الحديثة .
ورب سائل يسأل أن العرب والمسلمين شهدوا قيام دولا مثل الدولة الأموية ، والدولة العباسية ، والدولة العثمانية وغيرها ، والحقيقة هي أن هذه الدول ، ومن اسمائها لا يمكن أن تسمى دولا اسلامية ، فهي دول قامت على انقاض دول قديمة ، فالدولة الأموية مثلا قامت على انقاض الدولة البيزنطينية في الشام ، ومثلها الدولتان العباسية والعثمانية ، فالأولى تأثرت بنظم وقوانين الدولة الفارسية ، والأخيرة تأثرت بما ورثته عن العباسية وعن بيزنطة .
وعلى هذا يمكن القول أن العرب والمسلمين لم يشهدوا قيام دولة اسلامية مثل تلك الدولة التي تبتدعها الأحزاب الدينية الحالية ، وتحاول أن تبنيها بصور متخيلة على أوهام في عقول مؤيديها ، وهي تعلم علم اليقين أن لا أسس واضحة لمعالم تلك الدولة في عقول قادة تلك الأحزاب ، والدليل على عدم هذا الوضوح ، وعدم الدراية في تلك الأسس هو السقوط المريع لتجربة حكم اخوان المسلمين في مصر ، تلك التجربة التي ماتت بعد أشهر من قيامها رغم حصولها على دعم قوي من دول غربية خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية التي أرادت عن غباء أن تبتدع لنا دولة الاسلام المعتدل الذي تمثله حركة أخوان المسلمين ، مثلما تعتقد الإدارة الامريكية مقابل الاسلام العنيف الذي تمثله القاعدة واخواتها ، ولكن الواقع المصري المتقدم في وعيه على طروحات الطامعين في الحكم من الاخوان رفض تلك التجربة رفضا قويا اتاح المجال لهزيمة الاحزاب الدينية في المعترك السياسي الدائر في ساحات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وإذا كانت الجماهير المصرية هي التي رفضت تجربة أخوان المسلمين في مصر رأينا بعد ذلك كيف اسقطت الجماهير التونسية ، وعبر صناديق الانتخابات ، حكومة اخوان تونس ، واستبدلتها بحكومة مدنية ، وذات الامر ينطبق على الوضع في ليبيا المجاورة التي تحولت فيها حركة اخوان المسلمين واخواتها الى عصابات ارهابية تقاتل الشعب الليبي الذي صار يترحم على أيام القذافي علنا ، وبعد أن رأى ما رأى من ظلم الحركات الدينية ، ومن سوء ادارتها للحكم .
ثم ها هي تجربة الاحزاب الدينية من الشق الشيعي في العراق تترنح تحت صيحات الرفض الشعبي العارم الذي يجتاح مدن جنوب ووسط العراق بعد أن فشلت تجربة حكم الاحزاب والحركات الدينية الشيعية فشلا ذريعا ، تلك التجربة التي قامات على أوهام قيام دولة اسلامية في العراق غير واضحة حتى في عقول الداعين لها من حكام تلك التجربة التي امتدت على مدى سنوات طويلة ، والتي قادت العراق الى كارثة حقيقية رغم ما قدمته الولايات المتحدة من دعم مادي ومعنوي ، وهي تعلم علم اليقين أنها تدعم تجربة حكم غريبة عن هذا الزمان ، وليست من بناته ، مثلما تدعم رجال حكم ليس لهم معرفة بنجاح العمل السياسي ، لا حين كانوا في المعارضة ، ولا بعد أن حملتهم بدباباتها الى المنطقة الخضراء من بغداد ، فهم والحال هذه حكام معوقون وغير قادرين على ادارة دولة مثل العراق ، وإنما هم جماعة جمعتهم المخابرات الأمريكية من شوارع مدن بعض الدول ، على حد تعبير بول بريمر حاكم العراق أيام الاحتلال ، وذلك من اجل أن يستقبلوا جند المنصور بالمال والسلاح ، السيد جورج بوش الابن ، في بغداد !
والدليل الملموس على جهل هؤلاء في الحكم والحكومة هو هذا الفشل المريع الذي نزل بالعراق والعراقيين على أيديهم بعد أن تركوا العمل المجد في خدمة الناس ، وبناء الوطن المدمر ، وانشغلوا بسرقة أكبر قدر من أموال فقراء العراق ، وقد عاونتهم جهات أجنبية على هذه السرقة خاصة المصارف في بعض الدول الأوربية ، وفي بعض مصارف الولايات المتحدة ، تلك المصارف التي رحبت بهذه الأموال المنهوبة مع علمها الأكيد انها أموال قد سرقت بهذه الطريقة أو تلك ، أو هي عبارة عن رشى قدمت للمسؤولين الجهلة في العراق من خلال بعض الشركات الأجنبية والمحلية .
إن الحال المتردي في العراق اليوم يبرهن بما لا يدع مجال للشك على أن الشعارات التي رفعتها الأحزاب الدينية الشيعية هي شعارات كانت ترفع من أجل الضحك على ذقون الناس ، هدفها في الأساس الوصول الى الحكم ، ومن ثمة الاستحواذ على المناصب في الدولة ، وعلى أموال الشعب العراقي ، وقد تجسد هذا في الثراء الفاحش الذي أصاب هؤلاء النفر من الحكام سواء في الحكومة ، أو البرلمان ، أو في مواقع الدولة الأخرى ، إذ لبس هؤلاء أفخر الملابس المستوردة خصيصا لهم من باريس ، مثلما امتلكوا قصورا فارهة على ضفاف دجلة ، واقتنى الواحد منهم عشرات السيارات ، ومئات من رجال الحماية ، وصار كل واحد منهم إذا ما مر بسيارته وسيارات حمايته في شارع ما يقطع ذلك الشارع أمام حركة السابلة .
تلك هي بعض من مظاهر الدولة الاسلامية ! التي نادت بها الأحزاب الدينية الشيعية ، والاحزاب الدينية السنية ، ولا فرق بين الاثنين أبدا إلا بمقدار ما نهبوا من خزينة الدولة العراقية ، وقد ظل هؤلاء على مدى هذه المدة الطويلة سادرين في غيهم ، متمادين في احتقارهم لعموم الناس في العراق خاصة الفقراء منهم ، ونسوا ان شعاراتهم في اقامة دولة العدل ، أو دولة " القائد الجعفري " تهرأت أمام أعين المواطنين العراقيين بتصرفاتهم المقيتة ، وبعدم درايتهم في تصريف أمور الناس ، خاصة أمام جيل الشباب العراقي الجديد الذي شبّ دون أن يعرف الخوف الذي جثم على صدور العراقيين زمن صدام ونظامه ، فقد زاد عمر هؤلاء الشباب على العشرين سنة الآن ، وهم يرون بأم أعينهم الحرمان والجوع ، فلا عمل يساعدهم في إدامة حياتهم ، ولا دراسة تؤدي الى وظيفة يكسبون من ورائها قوتهم .
وخلاصة القول أقول لكل الحالمين بقيام نظام اسلامي ، أو دولة اسلامية ، لا تعلقوا انفسكم بأضغاث أحلام ، فالدولة الاسلامية لم تقم في الماضي ، ولم تقم في الحاضر ، وسوف لن تقوم في المستقبل .