طلال الربيعي يترجم بتصرف


يعقوب ابراهامي
2015 / 8 / 7 - 19:20     

نشر الدكتور طلال الربيعي سلسلة من المقالات على صفحات "الحوار المتمدن" (الحلقة السادسة والأخيرة نُشِرت بتاريخ 2015 / 8 / 6) حول "خرافة وجود شعب يهودي".
لا أريد أن أناقش الآن إذا كان طرح هذه السؤال (شعب يهودي: نعم أم لا؟) هو المهمة العاجلة والملحة التي تواجه اليسار العربي اليوم. لا فائدة من نقاشٍ كهذا. ولا جدوى من ورائه. أنا أعتقد أن الحياة نفسها قد أجابت على هذا السؤال (أو أنها قد أزاحته من جدول الأعمال على الأقل). هذا لا يعني طبعاً أنني أدعو إلى كبت حرية البحث الأكاديمي في هذا الموضوع أو في أي موضوعٍ آخر. هذا يعني فقط أن هناك فرقاً كبيراً بين أن يثير هذا الموضوع مثقف يساري يهودي (استاذ تاريخ في جامعة اسرائيلية، تُدرِّس باللغة العبرية، في دولة أقامتها الحركة الصهيونية) وبين أن يثير هذا الموضوع، في هذا الوقت بالذات، مثقف عربي يريد أن يُرجعنا قرناً كاملاً إلى الوراء وكأن شيئاً لم يحدث منذ أن سُئل هذا السؤال للمرة الألى. من خلال رده على بعض ملاحظات المعلقين على سلسلة مقالاته يبدو أن الدكتور طلال الربيعي لا يميز بين الحالتين. أنا من جانبي توصلتُ منذ زمنٍ طويل إلى نتيجة أننا إزاء ظاهرة مرضية- نفسية لا علاج لها (والدكتور أعلم). بعد مرور أكثر من نصف قرن لا زلتُ أذكر، وكأنما حدث ذلك بالأمس القريب، الصدمة الهائلة التي شعرتُ بها عندما قذف في وجهي شابٌ يمني، في مؤتمرٍ للشباب والطلاب في موسكو، الحجة المقنعة التالية: إقرأ ما يقوله عنكم كارل ماركس! واليوم كلما أرى في "الجزيرة" أنه إلى جانب "الموت لأميريكا" و"الموت لإسرائيل" أضاف الحوثيون بنداً ثالثاً هو : "اللعنة على اليهود" أتذكر صديقي اليمني. تُرى هل قرأ الحوثيون كارل ماركس؟
نعود إلى طلال الربيعي. سلسلة مقالاته هي ترجمة ("بتصرف قليل") لمقالٍ نُشر باللغة الإنكليزية يستعرض فيه كاتبه كتاب بروفسور التاريخ في جامعة تل ابيب شلومو ساند: The Invention of the Jewish People
وكأنما لكي يؤكد الحالة المرضية التي أشرنا إليها سالفاً يقدم الدكتور طلال الربيعي المقال المترجم بالكلمات التالية: "على كل شعوب منطقتنا وافرادها, بمختلف دياناتهم ومضاربهم ومشاربهم, الاطلاع على هذا الكتاب. لقد سأمنا الاكاذيب واستدعاء الاساطير الجوفاء للادعاء بحق تاريخي لا وجود له بالمرة. يجب العمل بكل فعالية من اجل (المساهمة في) دحض هذه الاسطورة وايقاف حمامات الدم التي اُرتكبت وترتكب باسمها. انها مسؤوليتنا كلنا. وعدم فعل هذا هو مشاركة ضمنية في احدى اكبر الجرائم التي شهدها تاريخ البشرية منذ بدايته."
هذه إذن هي المهمة التاريخية التي يضعها طلال الربيعي اليوم أمام الشعوب العربية.
وليس هذا فحسب. يقول الدكتور: "ينبغي على كل حكوماتنا ومؤسساتنا الثقافية الرسمية والشعبية نشر هذا الكتاب وتوزيعه بالمجان على كل الناس. فللناس الحق الكامل في معرفة الحقيقة".
ولكن لماذا بالمجان؟ وإلى أي حكومات ("حكوماتنا"!!!) يتوجه الدكتور؟ في الأمس القريب فقط قلتَ أنهم "مافيا" – كيف انقلبوا فجأةً إلى "حكوماتنا"؟ أليس حل مشكلة الكهرباء في العراق، مثلاً، ألح وأهم من نشر كتاب شلومو ساند "مجاناً"؟ هل البت في قضية "خرافة وجود شعبٍ يهودي" هو الذي يجب أن يُشغل اليوم بال "مؤسساتنا الثقافية الرسمية والشعبية"؟ هل مُحِيت الأمية؟ هل انعدم الفقر؟ هل زالت الأمراض؟ هل قُضِي على الفساد؟ ولم يبق أمام "مؤسساتنا الثقافية الرسمية والشعبية" سوى أن تقرر في المسألة المصيرية: هل اليهود شعبٌ أم لا؟

لكن ليس عن هذا أريد أن اتحدث الآن. الآن أريد أن اتحدث عن الترجمة من النص الإنكليزي إلى اللغة العربية.
في تعليقٍ أرسلتُه بتاريخ 2015 / 8 / 1، تحت عنوان "بئس (وبؤس) الترجمة"، أشرتُ إلى أخطاءٍ وقع فيها طلال الربيعي في الترجمة من النص الإنكليزي إلى اللغة العربية. الرقيب، بوحيٍ ربما من الأخ الكبير أو لأسبابٍ أخرى أجهلها، حذف تعليقي ("لمخالفته قواعد النشر"!!!) - وطلال الربيعي، الذي اطلع دون شك على محتوى التعليق، لم يقم بواجبه في المطالبة بنشره أو بالرد على محتواه (بل على العكس من ذلك - اتهمني في مكانٍ آخر بعدم قراءة النص الإنكليزي أو عدم فهمه أو "كليهما معاً") – وأنا من جانبي لم أصر على نشر التعليق ولم أطالب (كعادتي) بإعادة النظر في حذفه لأنني لم أعلق في حينه أهمية كبيرة على تلك الأخطاء في الترجمة وظننتُ أنها ناتجة فقط عن عدم ضلوع الدكتور طلال الربيعي باللغة الإنكليزية.
إلى أن جاءت الحلقة السادسة.
إليكم أولاً النص الإنكليزي:
Jabotinski, the father of the Israeli right, wrote, “It is physically impossible for a Jew descended from several generations of pure, unmixed Jewish blood to adopt the mental state of a German´-or-a Frenchman, just as it is impossible for a Negro to cease to be a Negro"
يمكن النقاش حول صحة هذه الفكرة (أنا شخصياً أنفر من كل مقولةٍ أو فكرة تحوي على كلمة "دم"). ولكن من الواضح أنها لا تميز اليهودي عن الآخرين. لا تضعه في مرتبة أعلى من الآخرين. أنها قريبة جداً مما قاله أنجلز عن كارل ماركس: Marx was of pure Jewish blood
إليكم الآن ترجمة طلال الربيعي:
شيخ اليمين الإسرائيلي، Jabotinski, كتب: "إنه من المستحيل جسديا لليهودي الذي ينحدر من عدة أجيال من الذهب الخالص ومن الدم اليهودي النقي اعتماد الحالة العقلية للألماني أو الفرنسي، تماما كما أنه من المستحيل للزنجي ان يتوقف عن أن يكون زنجيا".
وأنا اسألكم: من أين أتى طلال الربيعي بالذهب الخالص؟