الهجوم المضاد على المخلوع فى اليمن


خليل كلفت
2015 / 8 / 4 - 09:05     


خلال الفترة القصيرة السابقة تلاحقت تطورات مهمة للغاية خارجيا وداخليا فلا مناص إذن من تأجيل قضايا الأحزاب وإشكالياتها وتخصيص عدة مقالات لمتابعةٍ وإنْ سريعة لبعض هذه التطورات.
والاتفاق النووى الغربى مع إيران تطوُّر كبير، رغم أن "الپرلمانيْن" الأمريكى والإيرانى يبحثان إقرار أو رفض الاتفاق تحت رحمة أمر المرشد الإيرانى وڤ-;-يتو الرئيس الأمريكى.
ودخول تركيا، مع دعم حلف الأطلنطى، إلى تحالف الحرب على داعش تطور كبير. فرغم أن تركيا تركِّز على الحرب ضد حزب العمال الكردستانى، وضد قضية استقلال الأكراد عن تركيا والعراق وسوريا وإيران ومناطق أخرى (باسم وحدة تراب البلدان المعنية)، الأمر الذى يضعف المقاومة الكردية ضد داعش، ويفيد داعش، لأن لدخول تركيا أهمية كبرى من جوانبها فتح القواعد الجوية أمام طائرات أمريكا وبلدان غربية أخرى، وإيجاد منطقة خالية من داعش على الحدود التركية السورية.
وفى العراق محاولات جديدة لمواجهة داعش.
ولدينا فى مصر تطور كبير يتمثل فى افتتاح وتشغيل قناة السويس الجديدة، وبدء العمل فى المشروعات الصناعية والخدمية المرتبطة بها.
وهناك تطور كبير فى اليمن يتمثل فى تحرير عدن وما حولها وتطور الهجوم المضاد من جانب المقاومة الشعبية اليمنية بدعمٍ من طائرات التحالف.
فما هو جوهر الحرب الأهلية فى اليمن الذى لا ينتبه إليه كثيرون عندنا؟
وأعتقد أن الأمر يبدأ وينتهى عند الرئيس السابق على عبد الله صالح الذى خلعته الثورة اليمنية. ورغم وجود أطراف داخلية وخارجية إلا أن الرئيس المخلوع هو نقطة تجمُّع كل أطراف هذه الحرب.
وكان الرئيس المخلوع، مثل باقى الرؤساء الذين خلعتهم ثورات الربيع العربى، يعمل على الاحتفاظ بالسلطة طويلا (بعد أن ظل رئيسا على مدى 34 سنة) ثم على توريث رئاسته. وعندما خلعته الثورة اليمنية قام ككل هؤلاء الرؤساء بإشعال حروب أهلية فى بلادهم، أو بمحاولة إشعالها، ولجأ بعناد واستماتة إلى الحرب ليعود بنفسه أو بنجله إلى الحكم.
وساعدته على هذا عوامل كثيرة مترابطة. وأهم هذه العوامل سيطرته الكاملة على الجيش الذى فرض عليه قيادات من أسرته أو أقاربه أو أشخاص من قريته أو ارتباطاته القبلية. فصار الجيش اليمنى بمختلف أسلحته مواليا تماما للمخلوع الذى ظل أيضا رئيسا لحزبه.
وكان العامل المهم الثانى هو استعداد حركة أنصار الله، الحوثيين، الذين يعانون التهميش والتمييز، إلى المشاركة فى الحرب، للحصول على جائزتها، ثقة منهم فى عودة الرئيس المخلوع إلى الحكم، وثقة منهم فى دعمٍ من إيران، التى لا شك فى أنها بدأت هجوما مضادا كبيرا وتاريخيا ضد تنظيمات وميليشات الإسلام السياسى السنى الحاكم التى تُحارب الآن فى كل مكان، ولا شك فى نشاطها الحالى المحموم ضد الأنظمة السنية الحاكمة التى تنتهج التمييز الطائفى ضد الشيعة والتنظيمات السنية الإرهابية ومنها القاعدة وداعش.
أما الرئيس المخلوع فقد سيطرت عليه حماقة القوة، ولم يحسب جيدا حساب مختلف تداعيات حربه على الشعب اليمنى ليفرض عليه من جديد حكمه الاستبدادى الفاسد، مع أن نظامه كان قد وصل بتدهور البلاد إلى حد الإثارة العميقة لمخاوف صوملة اليمن.
وكانت احتمالات التصدى العربى لهذا التطور جاهزة. ذلك أن الوضع المستهدف كان سيأتى بالنفوذ الإيرانى إلى المنطقة، ليُضاف إلى سيطرة إيران على ثلاثة بلدان عربية: العراق، وسوريا، ولبنان.
وبالإضافة إلى السعودية التى لا بد وأنها ترى أن النفوذ الإيرانى فى اليمن سيكون فى الوقت نفسه نفوذا إيرانيًّا على السعودية على رأس دول الخليج، وسيطرةً مرجَّحة على مصائرها، كانت هناك مصر التى تعتبر أىّ نفوذ إيرانى على باب المندب خطرا على قناة السويس وعلى كل اقتصادها.
وكانت السعودية تحتاج إلى حليف قوىّ وجدتْه فى مصر، وكانت مصر تحتاج إلى حليف قوىّ وجدتْه فى السعودية.
ولهذا كان هذا التحالف الضرورى بين مصر والخليج.
وهنا تبرز مشكلات متعددة. فما حق هذا التحالف فى التدخل فى حرب استباقية؟ وكيف تتحالف مصر مع السعودية الوهابية؟ غير أن مصر متحالفة مع السعودية بشكل أو بآخر منذ زمن طويل، وظلت رغم عدائها لمصر الناصرية تقدم المساعدة لمصر فى مناسبات عديدة: 67، و 73، وفى أعقاب ثورة يناير؛ فهى تُدرك أن أمنها مع مصر، بعد تجاوز عداء مرير مع عبد الناصر.
وبالطبع فإننا هنا إزاء علاقة بالغة التعقيد، تتشابك فيها عناصر العداء مع عناصر التعاون، ومنها تشابك تغذية الإسلام السياسى السلفى والإخوانى مع دعم مصر ضد الحكم الإخوانى.
وتبقى مسألة الحق فى التدخل حتى قبل الحوثى والرئيس المخلوع. كانت اليمن تندفع نحو الصوملة وفى هذا خطر كبير. والغريب أن من يعارضون هذا التدخل يصمتون تماما عن تدخل الحلف الأمريكى ضد داعش لأن الدول العربية المعنية عاجزة عن إلحاق الهزيمة بداعش وكوارثها المحدقة.
وفى هذه الأزمات الكبرى يكون التحالف اضطراريا حتى مع الرُّعاة السابقين للقاعدة وداعش وتوابعهما وكل هذه المنظمات الإرهابية الأخرى التى خرجت من معطف الإخوان المسلمين.
أول أغسطس 2015