معاهدة لإبقاء الأسلحة النووية في يد الإمبريالية الغربية

داليا البنهاوي
2015 / 8 / 3 - 09:42     

ترجمة داليا البنهاوي الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية


يحاول كل من داني كاتش وستيف لاي، في هذا المقال، إلقاء النظر فيما وراء شطحات الجناح اليمينى واحتفال الليبراليين لدراسة الطابع الحقيقي للاتفاق النووي الأمريكي مع إيران.

كان واحدا من أكثر الجوانب المحبطة وسريالية في السياسة العالمية في السنوات الأخيرة هو الدعوة من جانب الولايات المتحدة و/أو إسرائيل لخوض الحرب ضد إيران – كما لو كان العقد الماضي من الحروب والاحتلالات الكارثية في العراق وأفغانستان لم يحدث أبدا. وتأتي هذه الدعوات ليس من جهات عشوائية، ولكن من أصحاب سلطة، مثل السناتور الجمهوري جون ماكين ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لذلك فمن الطبيعي أن الكثير من الناس قد أبدوا ارتياحهم للأنباء التي تفيد بأن إدارة أوباما وإيران قد توصلوا إلى اتفاق من شأنه – وفقا لمؤيديها- منع نشوب الحرب بين البلدين عن طريق الحد من البرنامج النووي الإيراني.

ولكن يجب أن نكون واضحين في حين أن هذا الاتفاق قد يقلل من خطر نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران في المدى القصير، فإنه ليس خطوة إلى الأمام من أجل السلام. وإنما هو مناورة جديدة من قبل البلد الأكثر عنفا في العالم – وهى الولايات المتحدة – للحفاظ على هيمنتها على الشرق الأوسط. إن الهيمنة الإمبريالية كانت وستظل دائما سببا لحروب لا نهاية لها في المنطقة.

إن جوهر الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي أن إيران ستسمح بالرقابة الدولية على برنامجها للطاقة النووية للتأكد من أنه ليس من أجل انتاج أسلحة. وفي المقابل، سيتم رفع العقوبات الاقتصادية الفادحة التي صممتها الولايات المتحدة، سواء من جانب واحد أو من خلال الأمم المتحدة وعن طريق الضغط على الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن الجدول الزمني لتخفيف العقوبات غير مؤكد.

ويمثل الاتفاق تغييرا كبيرا في استراتيجية الحكومة الأمريكية التاريخية بعد العزلة العدائية تجاه إيران منذ ثورة في 1978-1979 التي أطاحت بالديكتاتور السابق شاه إيران والمدعوم من الولايات المتحدة. استمر العداء الأمريكي بعد إنشاء الجمهورية الإسلامية بعد سقوط الشاه، ولكن تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة وإيران كانتا على استعداد للعمل معا بشكل سري.

خلال قضية إيران الشهيرة في 1980، على سبيل المثال، باعت الولايات المتحدة سرا أسلحة لإيران – عن طريق إسرائيل بالمناسبة – واستخدام العائدات لتمويل حرب غير مشروعة في نيكاراجوا. وفي الآونة الأخيرة، تعاونت الولايات المتحدة وإيران وبدون ضجة في الحرب المشتركة في العراق – لأول مرة ضد الميليشيات السنية، والآن ضد مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش).

ادعى باراك أوباما في مقابلة مع توماس فريدمان من صحيفة نيويورك تايمز أن قراره بتغيير سياسة إيران الممتدة منذ فترة طويلة بالتحول من العزلة إلى “الانخراط” هو استعراض للقوة والثقة بأن الولايات المتحدة، مع قوتها العسكرية الضاربة، لا تخاف من قوة إقليمية مثل إيران.

ولكن بغض النظر عن مراوغات أوباما، فإن الاتفاق هو التأكيد النهائي أن حكومة الولايات المتحدة، بعد حربين كارثيتين في الشرق الأوسط، قد تحولت من هدف تغيير النظام في إيران – أي شخص يمكن أن يتذكر الشعار الذي رفعه بوش لعدة سنوات “الجميع يريد أن يذهب إلى بغداد، بينما يريد الرجال الحقيقيون أن يذهبوا إلى طهران “- إلى الاعتماد على استراتيجية ميزان القوى بين القوى الإقليمية المتصارعة، إسرائيل والمملكة العربية السعودية وإيران وتركيا.

ولكن إذا كان الاتفاق النووي يمثل تغيرا في تكتيكات الولايات المتحدة، فهو تراجع أقوى بكثير بالنسبة لإيران، التي استثمرت موارد مالية وسياسية هائلة في برنامجها النووي، والآن عليها ان تضحى ببعض من السيادة الوطنية بالخضوع لفرق المفتشين الأجنبية – التي، كما نعرف من التاريخ، سوف تشمل بالتأكيد جواسيس أمريكيين وإسرائيليين.

ومن الجدير بالذكر أن إيران تدعي أن برنامجها النووي يهدف لإنتاج الكهرباء، وهو من ضمن حقوقها بصفتها دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي (لاحظ ان إسرائيل لم توقع قط على هذه الوثيقة). وتصر الحكومة الإيرانية أنها لم تسعى من قبل لانتاج أسلحة، رغم كل الهستيريا بين الحكومات الغربية ووسائل الإعلام. في عام 2013، اعترف وزير الخارجية السابق جاك سترو بذلك.

وفقا لنادر هاشمي من جامعة دنفر، في مقال للرأي فى CNN، فإن “الصفقة تمثل التنصل من الاستراتيجية النووية لللمرشد الأعلى الإيراني، والتي تتجسد في نهجه “المقاومة” في العلاقات الدولية. وفي الواقع، وبصرف النظر عن البيانات الرسمية اللامعة من الرئيس حسن روحاني في محاولة لوصف هذه الصفقة، فقد استسلمت إيران بشكل فعال لمطالب الغرب”.

وكان السبب الرئيسي لهذا الاستسلام أن الاقتصاد الإيراني قد أصيب بالاختناق تحت الحظر التجاري الدولي الذي قادته الولايات المتحدة. كما كتبت أشلي سميث لـ”العامل الاشتراكي” في نهاية عام 2013: “فرضت الولايات المتحدة بنجاح بعض العقوبات الدولية الأكثر تطرفا في التاريخ ضد إيران مما خفض صادرات النفط الإيرانية في هذه الفترة من 2 مليون برميل يوميا في 2012 إلى 1.1 مليون هذا العام.”

كان من أكثر الآثار الضارة الناجمة عن العقوبات حدوث نقص حاد فى الدواء. “وكانت حالة الوفاة الاولى لأحد المدنيين المرتبطة مباشرة بتأثير العقوبات الغربية قد أعلن عنها في منتصف نوفمبر تشرين الثاني عام 2012،” كتب ماني فرداد في “المونيتور”: “منوشهر إسماعيلي-ليوزى، 15 سنة، مريض بالهيموفيليا من قبيلة من البدو الرحل في الجبال القريبة من مدينة دزفول، قد توفي في المستشفى بعد أن فشلت عائلته في العثور على الدواء الذي كان بحاجة ماسة إليه”.

كما ذكرت صحيفة الجارديان في عام 2013، “لقد عانى مئات الآلاف من الإيرانيين من أصحاب الأمراض الخطيرة من الخطر الوشيك كعاقبة غير مقصودة للعقوبات الدولية، التي أدت إلى نقص حاد فى الأدوية المنقذة للحياة مثل أدوية العلاج الكيميائي لمرضى السرطان ومجلطات الدم لعلاج المصابين بالهيموفيليا”.

وفي حين أنه ليس من الواضح لماذا تستحق الولايات المتحدة الحق في تصديق أن تخليها عن عشرات الآلاف من المرضى الإيرانيين كان”غير مقصود”، فمن الواضح تماما أن الصفقة النووية التي توصف على نطاق واسع بأنها انتصار للسلام والدبلوماسية إنما هى نتيجة الحرب الاقتصادية التي شنتها الولايات المتحدة على أكثر من 70 مليون شخص.

بطبيعة الحال، لا أحد يعلم شيئا عن العدوان الإمبريالي الأمريكي الكامن وراء الصفقة النووية مع إيران على أساس المناقشة في صلب السياسة الأميركية، التي يهيمن عليها المنتقدين اليمينيين – سواء كانوا من الجمهوريين أو الديمقراطيين – الذين يقولون بأن إيران قد استسلمت بسهولة.

كتب ستيف كول في مجلة نيويوركر:”[إن] بروتوكولات عمليات التفتيش المفاجئة للمنشآت العسكرية يمكن أن تسمح لإيران بتأخير وصول المحققين لأكثر من ثلاثة أسابيع، وهو وقت كافي لإخفاء المعدات المهربة”، هكذا يلخّص الكاتب الاعتراضات على صفقة ستهيمن – بلا شك – على النقاش السائد في الأسابيع القادمة. “وعلى الرغم من أنه على إيران أن تزود الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجابات عن تاريخها النووي السري فإن الاتفاقية لا تحدد مدى الصراحة التي يجب أن تكون عليها”.

ما هو يقوله حقا هنا هو أن الاتفاق الذي وُقع من قبل إدارة أوباما لا يكفي للقضاء تماما السيادة الوطنية الإيرانية. إن أهداف اليمين لن تتحقق فعلا إلا بتغيير النظام.

للأسف، لا يعلم أحد شيئا عن واقع الاتفاق النووي استنادا إلى استجابة الجماعات الليبرالية المناهضة للحرب في الولايات المتحدة – وقد ردت في معظمها بسيل من الرسائل الإلكترونية التي تدافع عن الاتفاق وتحث أنصاره على الحشد لدعم الجهود التي تبذلها الإدارة للحصول على موافقة الجمهوريين في الكونجرس.

أعلن تحالف “متحدون من أجل السلام والعدالة” أنه “يرحب بالانتهاء من الاتفاق الدولي التاريخي مع إيران… ونحن نضم صوتنا مع الشعوب المحبة للسلام في جميع أنحاء العالم في احتضان هذا الإنجاز الدبلوماسي.”

“تضمن اتفاق سلام هذا الصباح مع إيران إعاقة إنتاج سلاح نووي هو واحد من الإنجازات الدبلوماسية الأكثر أهمية في القرن حتى الآن،” هكذا وافقت مجموعة “العمل من أجل السلام”، وهذا ما كتبه أحدهم في تدوينة تحت عنوان “لقد ساعدتم فى وقف الحرب والآن عليكم المساعدة في إبرام اتفاقية سلام مع إيران”.

تعكس هذه الاحتفالات التاريخ الممتد لضعف جماعات السلام الليبرالية التي هي موجهة ضد الحرب بدلا من الإمبريالية، وبالتالي لديهم تاريخ من التقليل وسوء التقدير للآثار المدمرة للعقوبات والأشكال الأخرى للحروب غير العسكرية، من بين قضايا أخرى.

من المهم أن يرفض من على اليسار الافتراضات الأساسية للاتفاق، بدءا من فكرة أن الحكومة الأمريكية – إلى جانب الصين وروسيا وقوى كبرى أخرى معروفة للصحافة مجتمعة باسم “المجتمع الدولي” – لديها الحق في إملاء ما تراه على إيران.

وهناك فرضية وراء ذلك هو أن الحكومات العقلانية (وهي في الغالب الغربية) لديها الحق في السيطرة على إيران، تلك الدولة المارقة التي لا تريد ان تتماشى مع النظام العالمي السائد.

يجب علينا أيضا أن نتنبه الى الكذبة القائلة بأن أكبر تهديد للمنطقة هو حصول إيران على أسلحة نووية. فانها ليست إيران التي لديها مئات القواعد العسكرية الأجنبية. إنها ليست إيران التي لديها سبعة أساطيل من السفن الحربية التي تعبر المحيطات في العالم. انها ليست إيران التي تقتل بشكل منتظم المئات في غارات بطائرات بدون طيار في باكستان واليمن وأماكن أخرى.

لم تكن إيران هي التي قتلت نصف مليون طفل عراقي في التسعينات باستخدام العقوبات الاقتصادية، والتي في النهاية لم تمنع حرب كارثية أخرى، بل بدلا من ذلك تسببت فى إضعاف العراق إلى الحد الذي جعل من السهولة بما كان غزوها عام 2003، مما أدى إلى وفاة مليون آخرين.

(يجب أن نلاحظ أيضا أنه حتى في خضم القتل الجماعي الذي تم تنفيذه في إطار برنامج العقوبات على العراق، سيطر على النقاش السياسي السائد في الولايات المتحدة اتهامات من الجمهوريين مثل (نيوت جينجريتش) تشكو أن العقوبات لم تكن بالقدر الكافي، وأن الرئيس حينها، الديمقراطي بيل كلينتون، عمل على”استرضاء” صدام حسين).

وأخيرا، فليست إيران هى التي ألقت القنابل النووية على البشر في المرة الوحيدة التي لم يحدث مثلها من قبل في تاريخ الانسانية. بالطبع، كل هذه الفظائع قد ارتكبتها الولايات المتحدة، والتى أطلق عليها مارتن لوثر كينج – والذي كان ناشط سلام حقيقيا – عبارته الشهيرة “أكبر مورد للعنف في العالم”.

يتضح من هذا المنظور، إن عقد صفقة الولايات المتحدة مع إيران تشبه ما ذكره الرورائي جورج أورويل في روايته “1984”: إن أكبر دعاة الحرب في العالم يفترض بهم الدفاع عن العالم من الطاقة الإقليمية التي قد تستحدث يوما ما أسلحة مثل تلك التي تمتلكها بالفعل الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى.

إن العقبة الرئيسية أمام السلام في الشرق الأوسط ليست إيران، ولكنها الولايات المتحدة وحلفاءها الرجعيين في المملكة العربية السعودية وإسرائيل – التي يقدر ما تمتلكه من رؤوس نووية الى 100 رأس نووي، وهو ما لم تعترف به اسرائيل أبدا، التي تستحق بوضوح لقب “الدولة الأكثر تعطشاً للحرب في المنطقة”.

يجب على أولئك الذين يحتفلون بالولايات المتحدة لصنعها “السلام” مع إيران إدارك أن جميع التهديدات بحرب مستقبلية إنما هى قادمة من الولايات المتحدة وحلفائها. كما كتب إريك رودر لـ”العامل الاشتراكي”، لقد ساعدت هذه التهديدات على إجبار إيران على إبرام الصفقة:

“وهناك نتيجة أخرى محتملة تمخضت عنها المشاحنات بين أوباما والجمهوريين – ناهيك عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: جون كيري يمكنه أن يبلغ المفاوضين الإيرانيين بثقة بأنه من الأفضل لهم أن يقبلوا الصفقة التي يقدمها، وإلا سوف ينتهي بهم الأمر الى الاضطرار للتعامل مع المتشددين الذين ينتظرون تنفيذ ضربات جوية على طهران”.

عندما يتعلق الأمر بإيران، فإن عناوين الصحف في الأشهر المقبلة – وربما على طول الطريق إلى الانتخابات الرئاسية العام المقبل – سوف تهيمن عليها شكاوى المتشددين حول كيفية سقوط أوباما فى الفخ الإيراني البارع.

ولأن الاتفاق يسمح للولايات المتحدة بالضغط من أجل تجديد العقوبات إذا لم تمتثل إيران بشكل كامل لعمليات التفتيش، فإن الاتفاق قد يؤول إلى سنوات من البلطجة والمواجهات وفرض مزيد من العقوبات – وهي الطريقة التي احتوت بها الولايات المتحدة للعراق في ال 12 عاما ما بين الغزو الأمريكي في عام 1991 و2003.

أولئك الذين يريدون الوقوف مع الشعوب في جميع أنحاء العالم، من أجل السلام والعدالة، لا ينبغي لهم أن يهتفوا للاتفاق النووي الذي هو فرض إمبريالى أمريكي آخر ضد دولة ذات سيادة. بدلا من ذلك، يجب أن نطالب بانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط حتى يُتاح للشعوب في إيران وفى جميع أنحاء المنطقة قدرة أكبر على القتال من أجل السلام ومن أجل حريتهم الخاصة بهم.

*نُشر هذا المقال لأول مرة بتاريخ 23 يوليو 2015 في موقع جريدة العامل الاشتراكي الأمريكية