مكاوى : لورانس العرب !!


نصارعبدالله
2015 / 7 / 31 - 15:21     

مكاوى : لورانس العرب !!
لورانس الذى أقصده هنا ليس هو ضابط المخابرات البريطانى الشهير الذى ساند الثورة العربية الكبرى عام 1916 بقيادة الشريف حسين بن على ونجله الأمير فيصل ضد الحكم العثمانى والذى أنتج عنه فيلم شهير قام فيه عمر الشريف بأداء دور الأمير على، ...لورانس الذى أقصده هو الأديب البريطانى د.هـ .لورانس، الذى لا يقل شهرة فى عالم الأدب عن لورانس الثورة العربية. ..إنه لورانس الأديب الذى اشتهر بروايته : " أبناء وعشاق " ثم اشتهر أكثر بروايته "عشيق اللادى تشاترلى" التى يقال إنه استوحى الكثير من أحداثها من السيرة الحقيقية للادى أوتولاين موريل زوجة اللورد موريل وهى التى روى عنها الفيلسوف الإنجليزى الشهير برتراند راسل فى سيرته الذاتية كيف أنها استجابت بسهولة لمغازلته إياها ، وكيف أنها اتفقت معه على أن يصبحا خليلين!!..إلى حد أن هذه الموافقة السريعة غير المتوقعة من جانبه قد أصابت ذهنه بالتشويش وجعلته كما روى غير قادر عن التركيز فى المحاضرة التى كان مقررا له أن يلقيها فى ذلك اليوم ..ولقد صادرت السلطات البريطانية رواية لورانس رغم أنها بديعة على المستوى الفنى، لكنها تتطرق إلى الوصف الدقيق للعلاقة الجنسية بين اللآدى تشاترلى وعشيقها..وهو ما كان كافيا من وجهة النظر الرسمية لمصادرتها وجمع كل النسخ الموجودة منها فى المكتبات..وقد يبدو غريبا ومدهشا أن يصادر عمل فنى لسبب كهذا فى دولة قد بلغت الحرية فيه أقصى مدى لها فى كل المجالات تقريبا ..لكن الدهشة ربما تقل إذا عرفنا أن المجتمع البريطانى خاصة فى الفترة التى نشر فيها لورانس روايته كان ـ وربما لا يزال ـ مشدودا فى جانب منه إلى التقاليد البريطانية المحافظة التى يرى فيها ملمحا أساسيا من ملامح تراثه المميز الذى يخلع هالة من المهابة على طبقة اللوردات ، ومن ثم فهو لا يتقبل بسهولة مثل هذه العلاقة ( الآثمة ) بين زوجة لورد وواحد من الكادحين المعدمين، غير أن المجتمع البريطانى ذاته كان فى جانب آخر منه يمور بالتيارات المتمرد التى تحاول الإنعتاق من ربقة هذا التراث الذى فقد مهابته فى عيونهم، وربما كان هذا من بين الأسباب التى جعلت قرار المصادرة ينتج مفعولا عكسيا ، إذ راجت الرواية رواجا كبيرا وأقبل الكثيرون ـ من النساء بالذات ـ على شرائها من محلات بائعى الخضار والفاكهة والقصابين الذين أصبحت الرواية تباع عندهم بدلا من المكتبات تحايلا على قرار المصادرة !! ..أما مكاوى الذى أقصده فهو الروائى الموهوب مكاوى سعيد الذى صدرت له مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية رواية: " أن تحبك جيهان" التى أورد فى تصديرها دعاء يبدو صادما للوهلة الأولى ، لكنه عميق الدلالة ، عندما نتأمل مليا مغزاه ، وهو دعاء مأثورعن حجة الإسلام أبى حامد الغزالى يقول فيه: اللهم افضحنا ولا تسترنا !! حتى نتميز الخبيث من الطيب، ويبدو أن الله قد استجاب لدعائه وحقق له مراده، فأصبح قادرا، ومعه قارئه أن يميز الخبيث من الطيب، ليس بين كل شخصية وأخرى فحسب، بل على مستوى الشخصية الواحدة بين جوانبها المختلفة ، ورغم أن هذه الرواية تقع فى 700صفحة، إلا أنها شأنها فى ذلك شأن كل أعمال مكاوى سعيد تتسم بالجاذبية الشديدة التى لا تسمح للقارىء أن يترك العمل إلا بعد أن ينتهى منه، ورغم المشاهد الخارجة التى تحفل بها الرواية إلا أنها أبعد ما تكون عن الكتابة الرخيصة ، ذلك أن المشاهد ليست مقصودة لذاتها ولا لما قد تشتمل عليه من عناصر قد يراها البعض عناصر إثارة ولكنها أبعد غورا وأعمق من ذلك بكثير...وربما كان للحديث بقية. [email protected]