موقفنا من دعوة الاشتراكيين الثوريين للحوار


اليسار الثوري في مصر
2015 / 7 / 27 - 08:38     

أصدر الاشتراكيون الثوريون بياناً في 19 يوليو تضمن تراجعاً عن الموقف المعارض للإخوان المسلمين، وذكر البيان أن هؤلاء الذين يقفون موقف الرفض والمعارضة لكل من الحكم العسكري والإخوان في ذات الوقت، بحثاً عن خلق طريق ثالث مستقل عنهما، ويقف في منتصف الطريق ، أن من “يرفض الثورة المضادة بنفس درجة رفضه للإخوان. أي يعتبر أننا أمام فصيلين من الثورة المضادة” ليس سوي “معارض على المستوى الشكلي ولكنه على المستوى العملي والضمني فهو داعم للنظام العسكري“.

وكان الاشتراكيون قد مهدوا لموقفهم هذا بسلسلة من المقالات حول 30 يونيو قرروا فيها بوضوح أن ما يعتبر ثورة مضادة هو العسكر، باعتبارهم “القلب الصلب للدولة“، وأن الإخوان ليسوا سوى إصلاحيين متخبطين راحوا ضحية مواقفهم الانتهازية وهم في الحكم، وتجاهلهم مطالب الثورة. وقد لعب النظام معهم لعبة فرق تسد، باستغلال موقفهم الإصلاحي وانتهازيتهم، وجرهم بعيداً عن الميدان، لأنهم “التنظيم السياسي الأكبر في صف الثورة“. وتكتلت ضدهم باقي القوي متصورين أن الأمور بيدهم وأنهم متخاذلين، وسكت الإخوان ولم يعلنوا أن مقاليد السلطة الفعلية بعيد عنهم، ومن ثم “شالوا الليلة كلها بسبب غبائهم السياسي” وأنه تم تشويه الإخوان عمداً لعزلهم عن قوى الثورة ووضعهم في مواجهتها، بعد ذلك حشدت الثورة المضادة الجماهير ضدهم في 30 يونيو، وحدث الانقلاب على حكمهم في 3 يوليو. معتبرين 30 يونيو خطة من الثورة المضادة لإضفاء الشرعية على الانقلاب، فلم تكن ثورة أو موجة ثورية ضمن الموجات اللاحقة لـ25 يناير. لم تكن 30 يونيه حتمية، لكن قدم إليها غباء الإخوان – وانتهازيتهم – وخارطة طريق الثورة المضادة. وتلى ذلك قمع الإخوان بقوة “كانت هناك شيطنة من الثورة المضادة للإخوان، شيطنة استغلت أخطاءهم فتم تمرير خطاب مضلل شيطنهم من خلالها، شيطنة أنست الكثيرين عدوهم وجعلت الملايين تنزل تطلب من عدوهم الحقيقي إنقاذهم ونجدتهم“.

“لقد كانت 30 يونيو فعاليات جماهيرية ممهدة للانقلاب العسكري على ثورة يناير، ولم يكن ذلك الانقلاب على الثورة ليتم إلا من خلال الانقلاب على أول رئيس جمهورية جاءت به أول انتخابات رئاسة ديموقراطية في تاريخ مصر الحديث..” مرجعين مشاركة القوي الثورية في 30 يونيو إلى غباء آخر، أو “سوء تقدير”… وأنه “كان يجب أن يكون هناك موقفاً واضحاً وحاسمًا للثوار ضد انقلاب قائد الثورة المضادة على أول رئيس جاء بانتخابات ديموقراطية اكتسبت شرعيتها.. بثورة يناير“.

وأن ذلك “ليس دفاعاً عن محمد مرسي، القيادي الإخواني الذي خانت جماعته الثورة، بل دفاعاً عن أقصى سقف للديموقراطية تمكنت ثورة يناير من الوصول إليه“.

وتنتهي السلسلة بدعوة إلى التضامن – ليس فقط الحقوقي.. ولكن – السياسي، مع الإخوان المسلمين.

كيف ذلك… يجيب “يجب علينا رفض انقلاب الثورة المضادة على مكاسب الثورة الديموقراطية ومن ضمنها انتخابات الرئاسة والرئيس المنتخب من خلالها” مقرراً موقفاً في منتهى العبثية وكأنه يتحكم في تفاصيل وموازين الصراع “أن خطيئة الإخوان الكبرى كانت التحالف مع تلك الثورة المضادة والسكوت على جرائمها، فكيف لنا اليوم أن نسكت للثورة المضادة في انقلابها عليهم وتنكيلها بهم؟“.

مما يترتب عليه عملياً أن تكون قضيتنا الراهنة معركة شرعية مرسي والإخوان – أو مكاسب الثورة الديموقراطية – كما يسميها.

انتقل الاشتراكيون من إعلان تأيدهم لشرعية مرسي – في مواجهة الانقلاب – وتفسير المشاركة في الانتفاض ضده بـ”سوء التقدير” إلى اتهام من لا يزال رافضاً الإخوان حتى الآن بـ”دعم النظام العسكري“.

أثار البيان الأخير للاشتراكيين استياء شديد من قوي محسوبة على الثورة عديدة (نتشرف أننا منهم) ترفض دعم السلطة العسكرية أو الإخوان، باعتبارهما – بغض النظر عن من يمسك السلطة منهما – أجنحة في الثورة المضادة لثورة يناير. تماماً شأن فلول نظام مبارك بعد خلعه، لم يكونوا في الحكم لكن كانوا ضمن معسكر الثورة المضادة.

انقلب الاشتراكيون على مواقفهم السابقة التي كانت تري:

“دق مرسي ساعة الصفر لبدء الهجوم على الثورة وإراقة دماء المتظاهرين.
الطاغية الإخواني يؤكد في خطابه للمرة الألف أنه نسخة طبق الأصل من المخلوع مبارك، فلم يكتف فقط بالاستمرار في سياسات الإفقار والتجويع والاقتراض من صندوق “النكد” الدولي والقمع الوحشي وتحطيم الحريات السياسية، بل أنه يسعى اليوم في مواجهة هذه الموجة الجديدة من الثورة المصرية لإطلاق موقعة جمل جديدة أكثر اتساعاً ودموية من خلال الزج بالبلاد في حرب أهلية”.

وتدعو إلى..

“جمع ملايين التوقيعات لسحب الثقة من عضو الجماعة الذي صار ممثلاً لمصالح الطبقة الحاكمة بكل قبحها وانحطاطها.. أو وكأنها لم تسقط مع أول قطرة دم لشهيد في عهد مرسي مبارك، ومع أول إضراب عمالي أطلق عليه مرسي جحافل الداخلية لفضه بالقوة، ولم تسقط مع استمراره في تطبيق سياسات جمال مبارك الاقتصادية، ومع مهرجان البراءة للجميع والتصالح مع الفلول وقتلة الثوار وتكريمهم بقلادات النيل.. هذه الشرعية الكاذبة أسقطتها شرعية الثورة وطوفان الغضب الجماهيري”.

صار اليوم مجرد غباء سياسي وميول انتهازية، وصارت سلطة الإخوان “أقصى سقف للديموقراطية تمكنت ثورة يناير من الوصول إليه” ومن ثم يدعوننا إلى أن لا “نسكت للثورة المضادة في انقلابها عليهم وتنكيلها بهم“.

لم يكن البيان الأخير مفاجئاً، لكنه كان اتهامياً وفجاً في مواجهة من يرفض دعم أو تأييد الإخوان (سياسياً) دفاعاً عن حكمهم الذي أطاح به مسار 30 يونيو. ومن ثم أثار موجة شديدة من الغضب، قابلها منتسبون إلى الاشتراكيين بسخرية وتهكم وإهانات لخصومهم أو المختلفين مع موقفهم.

عقب ذلك قام المكتب السياسي للاشتراكيين بإصدار بيان يستنكر فيه “الردح والردح المضاد” معتبرين البيان المثير للغضب “موقف قابل للنقاش” وأن.. “الانتقادات السياسية لبعض ما جاء في البيان فبالطبع علينا التفاعل معها بل نرحب بها كجزء من نقاش نحتاج له جميعاً“.

ورغم أن ذلك الأمر غريب علي الاشتراكيين الذين اعتادوا الانفراد بمواقفهم، والرد بعنف على من يجرؤ وينتقدها، حتى لو أدت إلى تعارض تام مع مواقف كل قوى اليسار، إلا أنه كان يمكن التفكير فيها أو التفاعل معها لو طرحت باتساق، والاتساق في الدعوة كان يقتضي على أقصى تقدير أن تتوقف الدعاية للموقف الخلافي عند النقطة التي يبدأ منها النقاش، حتى لا يكون نقاشاً بلا جدوى، أشبه بمجرد سماع دون أن التفت إليه عملياً، أو حتى أتوقف حتى اسمع، فالورقة نفسها التي طرحها المكتب السياسي زادت للطين بلة أكبر بدلاً من أن تساعد في تجفيفه. فهي مثلاً “أنكرت” أن يكون البيان محل الخلاف “يطرح أن محاولة بناء طريق ثالث معادي للديكتاتورية، ومنفصل ومستقل عن الإخوان وأتباعهم، هو بأي شكل من الأشكال تأييد ضمني للديكتاتورية”.. رغم أن العبارة شديدة الوضوح في البيان:

“هذا الطريق الثالث بالطبع معارض على المستوى الشكلي ولكنه على المستوى العملي والضمني فهو داعم للنظام العسكري”

هل تحتمل هذه العبارة أي تفسير أو إنكار؟ والمثير للدهشة أنهم يعودن إلى تكرار ما أنكروه حرفياً في الفقرة رقم 2 من ورقة المكتب السياسي.

“2. البيان يطرح أن من يقف في منتصف الطريق بين العسكر والإخوان، أي من يعتبرهما على نفس الدرجة من الخطورة ويساوي في العداء تجاههما، بمنطق أنهما وجهان لعملة واحدة أو جناحين من نفس الثورة المضادة، من يتبنى هذا الطرح ويدعي على هذا الأساس بناء طريق ثالث فهو ضمنياً يساعد ويساند الديكتاتورية العسكرية.”

ويكرر باقي الاتهامات التي وردت في البيان في مواضع أخرى..

الخطير في ورقة المكتب السياسي – التي يفترض أنها دعوة للحوار حول الموقف – أنها انتقلت خطوة كبري إلى الأمام في نفس الاتجاه محل الخلاف، من التمهيد والإعلان إلى الفعل.

“19. لا يعني كل ما سبق الدعوة للتحالف مع الإخوان المسلمين. ولكنه يعني بالتأكيد الدفاع عن كوادرهم ومؤيديهم من بطش الثورة المضادة. ويعني بالتأكيد الوضوح الدعائي والعملي أن عدو الحركة الثورية في مصر هو النظام العسكري الديكتاتوري الحاكم. (فقط طبعاً) ويعني بالتأكيد أننا بحاجة لبناء جبهة ثورية جديدة متجاوزة لفوبيا الإسلاميين ومستعدة لتجاوز هستيريا المجابهة العلمانية الإسلامية المجردة. هدفنا بناء جبهة ثورية واسعة لا تضم الإخوان المسلمين ولكنها… منفتحة للعمل المشترك والاصطفاف المشترك مع شباب الإسلاميين…”.

هكذا قوبل موقفهم من الإخوان وباقي الإسلاميين بترحيب بالغ، لا يخلو طبعاً من بعض الغطرسة التي تدعوهم إلى التوبة إلى الله أولاً، وهكذا هلل الاشتراكيون لرفاق طريقـ”ـهم” في التأييد السياسي للإخوان. ولم يكن أي أحد آخر في اعتبارهم، فيكفيهم هذا الترحيب البالغ من الإسلاميين، فلم يسعوا سوي لذلك فعلاً.

إن الاشتراكيين لم يكونوا جادين بأي درجة في دعوتهم للحوار، ولم يتوقفوا لإعادة النظر علي ضوء ما قد يسفر عنه، لكنهم ذهبوا أبعد فأبعد في اتجاه التحالف، أو العمل المشترك مع الإسلاميين.. إخوان أو غيرهم.. وكما قررت ورقتهم السابقة سيكون ذلك دفاعاً عن شرعية الرئيس الإخواني السابق، الذي هو “أقصى سقف للديموقراطية تمكنت ثورة يناير من الوصول إليه” وان نصطف حتى لا “نسكت للثورة المضادة في انقلابها عليهم وتنكيلها بهم“.

هذا الدعوة للحوار عبثية تماماً ولا تنطوي علي أي قدر من الجدية، والاشتراكيون أوغلوا بعيداً في سقطتهم السياسية التي تحولهم بوضوح إلى مجرد رافعة سياسية من روافع تنظيم الإخوان. ومن ثم من نافل القول أن نعلن رفضنا لها، وان موقفنا من الاشتراكيين أصبح هو الموقف من أي تيار تحريفي وانتهازي وذيلي. وله طريقة أخرى في التعاطي مع أطروحاته ومواقفه. ولم يتركوا لنا بمواقفهم تلك غير طريق الهجوم السياسي والتشهير وأقصى حالات النقد، سننظر إليهم ليس باعتبارهم يقفون في المنتصف، ولكن علي الشاطئ الآخر.

القطاع السياسي