رمضان وسؤال العلمانية!


محمد فرج
2015 / 7 / 6 - 01:50     


لكل سلطة قرارات مركزية تعمل على تعميمها، وليس هنالك ، في المدى المنظور على الأقل، معالم حياد عن هذا الخط في إدارة المجتمعات، ليس هنالك أفق لاضمحلال فكرة القانون، وإلغاء قوانين السير، وشطب فكرة المخالفات القانونية عنها، وإلغاء الأحكام القضائية في حق مرتكبي جرائم القتل والاغتصاب والابتزاز، ولكن هل يشبه ذلك الأحكام في حق مفطر رمضان؟ وهل يشبه ذلك في مكان آخر الأحكام في حق الصائم؟

الحكم بحق القاتل دفاعاً عن النفس (الدفاع الطبيعي عن النفس حسب جون لوك) لا يشبهه على القاتل الشبق المتمرس، والحكم على المفطر المتهكم على الصائم لا يشبه الحكم على شبيهه الذي يمارس فعلاً إدراكاً له في ذاته، بل يشبه الحكم على الصائم الواعظ والمرشد للمفطر.

القاتل المتمرس والمفطر المتهكم والصائم الواعظ في كفة، والمفطر لذاته، والصائم لذاته، والقاتل دفاعاً عن النفس في كفة أخرى.

ويبقى هنالك حاجة لقانون بصيغة إيجابية يكسر من غلواء الكفة الأولى! قانون يكمن مؤداه في منع فرض الحجاب، ومنع منعه، منع فرض الصيام، ومنع منعه، ينقل الدين من الفضاء العام إلى الفضاء الخاص، ينزع فكر الدعوة والوعظ عن فعل الصيام، تماماً كما يمنع فعل التهكم عليه. يحول فعل الصيام إلى تجليات للعلاقة بين الخالق والمخلوق، وفعل الإفطار كفعل طبيعي أكثر خفة ورشاقة. قانون يلغي مساحة الاشتباك بين الفعلين (الطبيعيين)، الصيام والإفطار، يلغي الاشتباك الحاد بين التهكم والوعظ. قانون يملك صيغة إيجابية تردع التعدي الإيجابي لأي من الفعلين، وتلزمهما البقاء في الوضعية السلبية اتجاه موضوعاتهما، وتكفيهما الرغبة الفائضة في الامتلاء الإيجابي، ولكن ذاتياً.

الحديث عن المجرد، أسهل من الحديث عن السياسي الواقعي، ومواقفنا فيه، أسهل من خطط الوصول إليه.

الصيغة المثالية للوضعيات السلبية هذه، لا يمكن ولادتها من موقع الخطاب المحايد تماماً في أجواء الغلبة الساحقة للصائم الواعظ على المفطر المتهكم، ، ولكنها قد تولد من لقاء موضوعي بين تيارات متعددة ، لا يمكن الاستغناء عن أي منها لبلوغ الصيغ المثالية، مستويات تبدأ من متدين تنويري يبتكر تفكيكه للتفسير القائم للنص، إلى سياسي علماني واقعي، إلى مفكر مجنون استثنائي و “متطرف”.

وجود هذه العناصر كاملة سيكون مفيداً للحلول السياسية المعقولة. من تيارات صوفية مناهضة للإمبريالية وإمام المسجد الأقصى، إلى فرج فودة وعبدالخالق محجوب، إلى أبكار السقاف، إلى هادي العلوي والمجنون العفيف الأخضر…. حلقات ليس من السهل رمي أي منها على الرصيف بغطرسة عصابية أو بأفق سياسي ضيق لا يفسح مجالاً لمن بعدنا… لخطوة أخرى.

سيكتب أحد المفكرين كراسات بعنوان “أخي المسلم، أنظر كيف يحاربون الإسلام”، ويجبر القارئ على التعثر بفراس السواح وهادي العلوي وأبكار السقاف، فلا تمنعوه.

يفكر أحدهم في اختراقات جديدة للنص من الداخل، لتصدير حالات جديدة من التعايش بين الطوائف وتأكيد الوضعيات السلبية، كل هذا من موقعه كشخص مؤمن، فلا تمنعوه.

يحاول أحدهم، تصدير خطاب سياسي للعلمانية في وضعيتها السلبية، فلا يطرح نزع حجاب إمرأة أمام الجمهور كما فعل بورقيبة، ولا يحارب المظاهر الدينية البسيطة كما فعل الشاه الأب والإبن في إيران، كل ذلك في سبيل تمرير طرف آخر، يرغب هو الآخر في العيش آمناً، وبصيغة سلبية، لا يفرض عليه فيها حجاباً أو ممارسة دينية، فلا تمنعوه.

وقد يقدم أحدهم نفسه فداءً لما يراه حقيقة كاملة ولم يعد يحتمل المراوغة فيها،ويقبل بجنازة تشبه جنازة العفيف الأخضر، لا يكترث بعدد من سيمشي فيها، ولا بعدد المتأهبين للبصق على نعشه، فلا تمنعوه.

لا تمنعوا أياً منهم، “فالمصادفة” التاريخية للقائهم ستشكل جبهة مقنعة!