رفاق الخيمة


نصارعبدالله
2015 / 7 / 2 - 08:21     

رفاق الخيمة نصار عبدالله
التحقيق الصحفى الرائع الذى نشره الأستاذ أحمد فايق على مدى العددين الماضيين من صحيفة الفجر الأسبوعية المصرية ، والذى كشف فيه عن مصير 41عالما مصريا تخرجوا من قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية ، كان المأمول منهم أن يحققوا الحلم النووى لمصر فى عصر عبدالناصر، لكنهم أصبحوا الآن مفرقين فى الشتات بعد أن تخاطفتهم جامعات العالم المتقدم لكى يكونوا جزءا من مشاريعها هى لا من مشروعنا نحن!! ، هذا التحقيق أثار فى نفسى شجونا كثيرة، لأننى شاء لى قدرى يوما أن أكون رفيقا فى السلاح لاثنين منهم ( ...بعد انقطاع طويل بيننا فى أعقاب انتهاء خدمتنا العسكرية جمع البريد الإليكترونى بينى وبين واحد منهما ما زلت متواصلا معه حتى الآن، وقد أخبرته بما نشره الأستاذ أحمد فايق ، فرد على بأنه يتابع باهتمام ما أكتبه شخصيا وأنه يتابع كذلك الكثير مما تنشره الصحافة المصرية، وأنه رغم كل شىء مازال مهموما بمصر) ..وقد سبق لى أن سجلت ذكرى لقائى به فى مقال نشرته بالأهرام بتاريخ 23ديسمبر 2001 ، أرى أنه قد يكون مفيدا أن أعيد نشره وأن أقدمه للقارىء فى هذه المناسبة
***


ياله من عالم صغير حقا‏..‏.. لم اكن اتصور ان رسالة ينشرها بريد الاهرام سوف تنبئني عن مآل رفيقين من رفاق السلاح انقطعت عني أخبارهما منذ مايقرب من أربعة وثلاثين عاما‏,‏ وأما الرسالة التي أقصدها فهي رسالة الدكتور مينا بديع عبد الملك التي نشرت بعنوان "الذكريات الطيبة‏",‏ والتي تحدث فيها عن بعض خريجي الدفعة الأولي لقسم الهندسة النووية بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية‏..‏ أما الرفيقان فهما : "محمد هلال" و"وجيه عزيز واصف" اللذان جمعتني بهما خيمة واحدة من خيام مركز التدريب بسلاح الحرب الكيماوية‏,‏ حين كان أغلب المجندين به إما من خريجي كلية الهندسة أو من خريجي كلية العلوم‏,‏ أما سر تجنيدي به برغم اني لم أتخرج في أيهما فهو أنني كنت من خريجي كلية الإقتصاد والعلوم السياسية‏,‏ وأغلب الظن فإن المنوط بهم توزيع المجندين علي الأسلحة المختلفة قد لاحظوا كلمة: "العلوم" ولم يفطنوا الي أن كلمة "السياسية‏",‏ تبعدهم عن المطلوب‏,‏ ولم يخطر ببالهم علي الأرجح ان هناك فرقا بين علوم وعلوم‏!!‏ ومما يؤكد استنتاجي هذا‏,‏ ما لاحظته فيما بعد من أن عددا كبيرا من المجندين في هذا السلاح كانوا من خريجي دار العلوم‏!!.‏ ..المهم أنني وجدت نفسي في خيمة واحدة مع مجموعة من المجندين من بينهم محمد هلال الذي حزنت حزنا كبيرا عندما عرفت من رسالة الدكتور مينا أنه كان يعمل بجامعة وسكنسن ثم انتقل إلي رحمة الله‏,‏ ومن بينهم كذلك وجيه عزيز واصف الذي كان شابا وديعا خجولا بالغ الأدب والدماثة‏,‏ وكان يبدو أنه من أسرة كريمة طيبة حانية لم تعدم وسيلة لموافاته بما يعينه علي احتمال شظف الحياة وقلة الطعام في معسكر التدريب‏,‏ فقد كنا جميعا باستثناء وجيه عزيز وباستثناء سمير عبد الرحمن النجدي الذي كان نجلا لأحد كبار المقاولين بالمنيا‏,‏ كنا جميعا برغم المجهود العنيف الذي نبذله نكتفي بما يقدم الينا في كل يوم تقريبا من العدس والفول والفاصوليا ومشتملاتها‏(‏ رمال‏+‏ سوس‏+‏ شوائب أخري‏),‏ أما وجيه فقد كان عندما نأوي إلي خيمتنا يخرج بين الحين والحين لفافه من الورق المفضض بداخلها كباب وكفتة‏,‏ ثم يدعونا بصوت مهذب خافت مليء بالخوف والوجل‏ (‏خشية ان نقبل الدعوة‏)‏ أن نتفضل بمشاركته‏,‏ ومع هذا فلم نخيب دعوته أو بالأخري لم نخيب مخاوفه قط‏!!,‏ إذ كنا بفعل الجوع (والجوع كافر كما يقال ) كنا ننقض عليها انقضاضا رهيبا حتي لايكاد يصيبه منها وهو صاحبها شيء يذكر!، في الوقت الذي يمنعه فيه أدبه وحياؤه من أن يقاوم أو أن يحتج أو حتي أن يستأثر في المرة التالية بما هو بين يديه‏!,‏ ...كم أتمني أن تتاح لي الفرصة يوما لأن أرد اليه شيئا مما اعتبرته وقتها ومازلت اعتبره إلي الآن شكلا من أشكال السلب والنهب‏,‏ أكثر من كونه استجابة لدعوة لم يقصد بها صاحبها الا المجاملة‏!‏ ولقد حزنت كذلك عندما علمت من رسالة الدكتور مينا انه قد ترك مصر ليعمل بجامعة تورنتو بكندا شأنه في ذلك شأن اغلب العاملين بهيئة الطاقة الذرية التي أظنها الآن بدونهم‏,‏ وبدون ماكانت تحظي به فيما مضي من الإهتمام‏,‏ قد أصبحت أطلالا تبكي من شيدوها‏!!‏ أما سمير النجدي فقد كان عمليا وواقعيا في سلوكه شأن سائر المقاولين‏,‏ حيث كان يخبيء ثلاثة كيلو جرامات من البسطرمة في دولاب الشاويش المكلف بالتفتيش علي الممنوعات المدنية‏!‏ وكان اذا احتاج الي شيء منها اخرج منها مايكفيه فقط‏,‏ أو اقتطع قطعة أعطاها الي من تربطه به صلة سابقة أو إلي من يرجو من ورائه منفعة ما‏,‏ غير عابيء اطلاقا بتلك النظرات التي تتطلع إليه‏,‏ حتي وان كانت تسكب في البسطرمة سما‏.‏ ثم يبقي بعد ذلك أن أقول إنني مهتم بمعرفة آخر اخبار اثنين بالذات من الرفاق الأعزاء لتلك الحقبة وهما عمر عبد اللطيف الشرقاوي وهو مدرس للرياضيات من ابناء ميت غمر فيما اذكر ومحمود عرفات من أبناء كفر الشيخ‏,‏ ولعل من بين قراء الأهرام من يعرف أخبارهما‏.‏








[email protected]