الغاء الإتفاقية الستراتيجية طويلة الأمد


صادق البلادي
2015 / 7 / 1 - 12:42     

في الذكرى ال 95 لثورة العشرين
الغاء الإتفاقية الستراتيجية طويلة الأمد

في يوم الثلاثين من حزيران يسترجع الوطنيون العراقيون ذكرى ثورة العشرين وأيضا ذكرى توقيع معاهدة 1930 مع ألمستعمرين البريطانيين ، ألتي وقعت يوم الذكرى العاشرة لثورة العشرين ، وما أظن أختيار يوم الثلاثين من حزيران موعدا للتوقيع إلا شكلا من أنواع الإهانة و التشفي من القوى الوطنية العراقية، ولا أخشى أن يتهمني البعض من "الموضوعيين العقلاء " والذين "تحرروا من النظرة الطبقية "، بالتحجر الإيديولوجي وعدم رؤية الواقع كما هو ، ولا بالدور الرئيسي والذي يكاد يكون الآوحد ، الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية ، ولم أتجرد بعد من العاطفية ، أو بعدم التخلص من روحية الشعارات السياسية، الزاعقة والطفولية والمتطرفة ، لأني أصف البريطانيين بالمستعمرين، كأنما علينا أن ننسى لينين ، الذي وصفه نهرو بأنه شعلة نار داخل كرة ثلج.
لا حاجة للتذكير كيف جاء المستعمرون البريطانيون الى العراق في الحرب العالمية الأولى ، أو التذكير باعلان الجنرال مود في بيانه أنهم جاءوا الى العراق محررين لا فاتحين. وخاطب أهل بغداد قائلا : " تذكروا أنكم تألمتم مدة ستة وعشرين جيلا ، آذاكم الظلمة الغرباء الذين سعوا دائما وأبدا الى الايقاع بين البيت والبيت كي يستفيدوا من إنشقاقكم ، فهذه السياسة مكروهة عند بريطانيا وحلفائها ، إذ أنه حيث العداوة وسوء الحكم لا يستقيم سلام و لافلاح ." كلمات حق قيلت ، لكن نقيضها هو الذي طُيق. و معروف أن العراقيين في بداية الحرب ، وبفتوى من المرجعية الشيعية قاموا بالجهاد ضد الانكليز، وبالدفاع عن الدولة العثمانية ، دون اعارة أي اهتمام لكون الخليفة سنيا ، ولا حساب امكانية حصول الشيعة على مكاسب تخلصهم من مظلوميتهم على يد السلاطين العثمانيين السنة. غير أن ليس قليلا من قادنهم صاروا بعد الاحتلال واقعيين فتعاونوا مع المحتلين من أجل بناء الدولة العراقية الحديثة . وفي البداية لم يكن هذا فقط موقف من صاروا أعوان المحتل بعدئذ ، بل موقف من قادوا الحركة الوطنية ضد الاحتلال. فمثلا بعد مضي عدة أشهرعلى وفاة الجنرال مود تشرين الثاني عام 1917 بالكوليرا جرى اقتراح إقامة أثر لتخليد ذكراه، وجمعت التبرعات لذلك، وكان الوطني الكبير جعفر أبو التمن من بين المتبرعين، واقترح تشييد بناء كبير في الباب الشرقي يتكون من غرفتين، واحدة مكتبة والأخرى غرفة مطالعة، يُخط على بابها " تذكار البغداديين للقائد مود ". ولكن مع تطور الأحداث صار أبو التمن في مقدمة الصفوف ضد المستعمرين في ثورة العشرين وما تلاها من السنين ، حتى لدرجة عدم قبوله بموقف الحزب الشيوعي المهادن تجاه بريطانيا في سنوات الحرب العالمية الثانية لمناصرة الجبهة الديمقراطية ضد الفاشية بعد أن دخلها الإتحاد السوفييتي، وبلغ من موقفه في عدم تفهم المهادنة أنه رفض حتى إقراض مبلغ زهيد من المال الى مسعود القريني ، من الشيوعيين المعروفين الى جانب الرفيق فهد. ولكن التاريخ بَيٌن صواب موقف الحزب الشيوعي في تركيز النار سنوات الحرب العالمية الثانية ضد الفاشية.
وبعد النصر على الفاشية قبل سبعين عاما عاد الحزب لرفع شعار تحقيق الإستقلال و السيادة الوطنية ، المتمثل بشعار إلغاء معاهدة 1930 ، والتي كانت شرطا لحصول العراق على اٍلإستقلال الشكلي بإلغاء الإنتداب بعد سنتين وقبول العراق عضوا في عصبة الأمم 1932، العصبة التي انهارت بنشوب الحرب العالمية الثانية ، وتشكلت هيئة الأمم المتحدة بديلا عنها بعد القضاء على الفاشية.
وظل العراق مستقلا شكليا ، ولكن الشعب استمر يناضل من اجل الإستقلال التام وإلغاءمعاهدة 1930 ، فأفشل عام 1948 عقد معادة بورتسموث ، التي أريد لها أن تحل محل معاهدة 1930 ، ثم استمر في النضال بعد 1954 للخروج من حلف
بغداد الذي دخلته حكومة نوري السعيد ، والذي انتقلت فيه الزعامة الى أمريكا ، وحققت ثورة الرابع عشر من تموز1958 الإستقلال والسيادة الوطنية بالخروج من حلف بغداد ، ومن المنطقة الإستيرلينية ، وإعادة العلاقات مع الإتحاد السوفييتي، وتنشيط الجامعة العربية.
ويدور الفلك دورته ويتم القضاء على ثورة تموز في أنقلاب شباط 63 الفاشي، بقيادة حزب البعث ومباركة الإسلاميين والحركة الكردية ، ويطول ليل البعثـــفاشية حتى تم سقوطه بإحتلال العراق من قبل الأمريكان والبريطانيين وتحالف الراغبين معهما ، وعاد العراق مجددا الى نقطة النضال من أجل الإستقلال و السيادة الوطنية. وصار ذلك يتجسد في رأيي بمعارضة عقد الإتفاقية طويلة الأمد مع الأمريكان. وفي تلك الأيام أشرت الى " أن المهمة الرئيسية الآن هي إفشال عقد الاتفاقية طويلة الأمد مع الأمريكان ، وهي مساهمة الشيوعيين و الديمقراطيين في النضال العالمي ضد العولمة الرأسمالية المتوحشة. وكانت الظروف التي تحيط بالمفاوضات حول الإتفاقية تعطينا امكانية جيدة للوقوف ضدها. قد يكون وقوف القوى الكردستانية الماسكة بالحكم بقوة الى جانب الاتفاقية ومع الحليف الأمريكي عاملا يحد من وقوفنا بوضوح ضدها ، الا أن مصلحة الشعب العراقي ، ومستقبل المنطقة كانت تتطلب إفشال المعاهدة.
ويومها جرى تلمس وجود موجة تعارض الاتفاقية ، فتزعمت إيران وقوى أخرى، خاصة بعض القوى الإسلامية ، حملة كبيرة لمعارضة عقد الإتفاقية، وأن هناك من يحاول ركوب هذه الموجة. ولكن ما موقفنا نحن؟ هل نحن الذين ألقينا الحجر الذي أنتج هذه الموجة ؟ أنحن المبادرون اليها ؟ أم أننا فقدنا كل مبادرة؟ أنحن مع من يقوى هذه الموجة، أم أننا نقف ضد تيار هذه الموجة؟ ، هل الإشارة الى وقوف القوى الدينية ضدها فقط ، يعني أنه لا توجد قوى وطنية أخرى تقف ضدها؟ أم هل أن اعلان القوى الدينية معارضتها للإتفاقية كان يتطلب من الديمقراطيين ، الوقوف الى جانبها ، كي نضعف موقف الإسلاميين؟ ألا إن هذا موقف ضيزى.
وكان معروفا أن حكومة المالكي كانت تواجه مشكلة كبيرة في المفاوضات مع الجانب الأمريكي. وكان هناك استعصاء كما يبدو. والحكومة اعتمدت التعتيم علىالمفاوضات. وكان من الواضح إن الحكومة الأمريكية تسعى الى فرض شروط لا يمكن قبولها، ولا تريد الالتزام بتقديم تعهدات كبيرة للعراق، إذا كان ذلك يتطلب منها استحصال موافقة الكونغرس الذي تقف أغلبيته ضدها . ولكن يبدو أنه ساد وهم بأن أمريكا الآمبريالية ، وخاصة وهي القطب الآوحد ، تريد عقد اتفاقية تؤمن مصالح العراق ، وهم بأن المصالح الإمبريالية الأمريكية يمكن أن تتطابق ، أو تتقارب مع المصالح الوطنية العراقية . وكان هناك من يشيع مثل هذا الوهم ، بحجج الواقعية والعقلانية ، وضرورة التخلص من العقائدية ، والجمود العقائدي . وكان من الواجب اللجوء إلى الرأي العام الشعبي عبر تفعيل الشفافية والعلنية. و الاستفادة من الموقف الدولي الذي لا يمكن أن يوافق على فرض اتفاقات تتناقض مع مستوى التفكير السياسي الدولي اليوم. وكان من الواجب رفض عقد الإتفاقية أساسا في مثل تلك الظروف التي فيها الحكومة ضعيفة ، ضعف المعارضة قبل السقوط ، ففرض الامريكان عليها ما شاؤوا ، والنتيجةا يراها اليوم حتى الأعمى.
فها هي داعش تعيث في البلاد خرابا ودمارا ، والتصريح ألذي أطلقه المالكي بعد إحتلال الموصل انه سيستعيد الموصل خلال 24 ساعة قد مرت عليه اكثر من 365 مرة – 24 ساعة ، وبدل استرجاع الموصل تحقق العكس بتوسع داعش ، والإعلان من قبل " الحليف الستراتيجي " أن القضاء على داعش يحتاج الى عدد من السنوات ، وهذا الوضع جعلنا نرجع القهقرى ونحن نجد أنفسنا في الذكرى التسعين لثورة الثلاثين من حزيران عام 1920 نواجه مهمة تحقيق الوحدة الوطنية من أجل استرجاع الإستقلال و السيادة الوطنية تحت شعار التخلص من الإتفاقية الستراتيجية طويلة الأمد. هل ستحل الذكرى المائة لثورة العشرين والعراق قد استعاد الإستقلال و السيادة الوطنية؟ .