مصطفى الصوفي في رحلتة الى ايران .. قراءة أولى


جعفر المظفر
2015 / 7 / 1 - 10:36     


حظيت مقالة السيد مصطفى الصوفي "الرحلة الى ايران" بإهتمام ملحوظ من ناشطي البريد الألكتروني. بعض هذا الإهتمام يتأسس على حقيقة اننا بتنا نعيش اليوم في مرحلة شيطنة الخصم التي من نتائجها رسم صورته سيئا من ألفها إلى يائها. وفي الحالة الإيرانية إذا ما تم تعميق تلك الصورة بألوان الكم من الصراعات التاريخية أو التناقضات السياسية والطائفية فلا بد بالتالي أن يتحول هذا الخصم إلى شيطان أمرد بشع ومقززوكريه الشكل والرائحة.

إن البعض إعتبر الصوفي متحيزا لإيران, في حين أن نقاطا عدة في مقالته تشير إلى موقف مغاير, ثم ان هذا البعض لم يسأل هل ان الرجل كان منحازا لإيران الحكومة أم لإيران الناس.
من ناحية هناك إشادة صوفية واضحة بالتحضر الإيراني :( الإيرانيون وطنيون جداً ، أنفة ، متحضرون ، برستيج ، عنيدون ، فخورون بأنفسهم ، قوميون ، يمتلكون هوية ثقافية وإجتماعية واضحه متحضرة جداً). وفي تفصيلة أخرى يذكر الصوفي (ساعات جميلة عشتها في حدائق طهران العامة وسط هدوء العوائل الإيرانية والعشاق بدون أي إزعاج ولا مضايقات ، ومن النادر أن تصادف رجل شرطة في الشارع في حين تصادف عشرات رجال شرطة المرور). ثم ينتهي الصوفي بعد مروره على العديد من المشاهد النيرة إلى مسك الختام ( سأكرر الزيارة عشرات المرات لأنها دولة جميلة جداً وتستمتع بالتجوال فيه).
على الجهة الأخرى, وفي نفس المقالة نقرأ للكاتب (المناطق الدينية " قم ، مشهد " مناطق غير جيدة بالنسبة لإيران ، تحتوي على نسبة دعاره عاليه والغش والبضائع التجارية الرديئة ، والمخادعين والنشالين ، بالإضافة الى تعاطي المخدرات " الترياك ، الخشخاش " والسرقه والنفايات والروائح العفنه على عكس المناطق الحضاريه مثل إصفهان ، تبريز) ثم يضيف على ذلك مشهدا آخر (المدن الإيرانيه علمانية النظام والعرف ، شرقية الطقوس والعادات ، غربية التقاليد ، لا تحترم رجل الدين المتزمت ولا التقليدي ، والعمائم تختفي فيها ولا تشعر بأنك في دولة إسلامية بل في مدن حضارية يحكمها القانون .

من يجرأ على أن يرسم للشيطان صورة أخرى هي غير تلك التي تجسده على هيئة مخلوق بشع بفكين مفترسين وقرنين في جبهته, وبحراشف واشواك تغطي كل جسده.
إيران في عيون كارهيها صارت على هيئة شيطان لا يمكن تخيل صورته بغير تلكما القرنين على جبهته وتلك الأسنان البشعة البارزة من فمه, وتلك الحراشف المقززة التي تغطي جسده.
لكن ها هو السيد مصطفى الصوفي يأتينا بعد رحلته إلى إيران لكي يضع في اذهاننا صورة أخرى عن إيران والإيرانيين. صورة تقول ان ايران الذي تخيلناها ليست كتلك التي نحب ان نتخيلها, ففيها ما لها, وفيها ما عليها.

ذات مرة رسم أحدهم كاريكتيرا تحت عنوان (الشيطان في داخلك) وهو يصور رجل ينظر إلى إمرة تعبر من أمامه. المرأة كانت بكامل ثيابها, أما تلك التي رآها الرجل في مخيلته فهي لها تماما ولكن عارية. كثير من الأشياء لا نراها كما هي وإنما نراها كما تشاء المخيلة.
إن أنت تكره إيران حد الفزع, ستراها شيطانا بقرون وبجلد تغزوه القشور الكريهة, وسيصعقك منذ البداية ما ذكره الصوفي حول التحضر الإيراني (يمتلكون هوية ثقافية وإجتماعية واضحه متحضرة جداً). وسوف لن تنتظر لكي تصل إلى المشهد السلبي الذي رسمه الصوفي لإيران, بل لعلك ستختتم قراءتك لمقالة الصوفي وأنت تلعنه لأنه تجرأ وقال ان إيران ليست كلها قبيحة وليست كلها ضالة وليست كلها مارقة .
هي نفس الريشة التي رسمت لليهودي بهئية المرابي التي صورها شكسبير في تاجر البندقية والتي دفعت الشعوب الأوربية إلى أن تزيد من عزلة اليهودي في كميونته, حتى إذا ما أقدم هتلر على حرقهم بالألوف لم يجد ألمانيا يعترض طريقه. وهي أيضا نفس الصورة التي ترسمها ريشة الإعلام المتصيهن في الغرب للعربي والمسلم التي لا ترى فيه غير همجي ذباح من الطراز الأول وإنه لا يستحق الحرية ولا النفط.
وهي نفس الصورة التي رسمها الإعلام الأمريكي للهندي الأحمر كونه متوحشا لا يستحق الحياة.

في مخيلتك سوف تدافع الصورة الشيطانية لإيران عن موقعها المقدس ضد ذلك الدخيل الذي يحاول ان يسلبه منها. وستذهب تلك الصورة مباشرة إلى خط الدفاع الإصلب: هذا الصوفي لا بد وإنه عميل إيراني وإلا كيف يتجرأ على تلطيف صورة الشيطان كأن يقول أن جلده ناعما. ثم إذا بدفاع المخيلة المشيطنة لا ينتظر إعتراف الصوفي بأنه رغم تأكيده على جلد إيران الخالي من القشور قد شاهد لها قرونا شيطانية ايضا (المناطق الدينية " قم ، مشهد " مناطق غير جيدة بالنسبة لإيران ، تحتوي على نسبة دعاره عاليه والغش والبضائع التجارية الرديئة ...).
ما دام الصوفي قد إمتدح إيران في طهران فما قيمة أن يذمها في قم ومشهد. وعلى طريقة الباب التي تأتيك منها الريح إغلقها وإستريح, يدعونا الشيطان الذي رسمناه لإيران في المخيلة إلى ان نتخلى عن فكرة أن يكون هناك شيئا ما جميلا في إيران, لأن ريشة الشيطنة لا تقبل مطلقا أن ترسم صورة للخصم بجلد ناعم حتى ولو أعطيت الحق لأن ترسمه بقرون.

الواقع ان الصوفي يقدم لنا ثلاثة صور متداخلة, علينا أن نتبع معها منهج التفكيك لكي نعثر على الحدود الفاصلة بينها, وحتى نتعرف على إلإستقلالية النسبية لأي منها. إنه يحاول أن يقول, أن إيران هي في الحقيقة ثلاثة إيرانات في لوحة واحدة.
أول الإيرانات هي إيران رجال الدين, أي إيران النظام والدولة (رجل الدين الذي لا يرغبه الإيرانيون بسبب صبغته السياسه + قم ومشهد الحافلة بمشاهد الترياك ، الخشخاش " والسرقه والنفايات والروائح العفنه). وثاني الإيرانات هي إيران الناس والحضارة الممتدة إلى عهد الساسانيين الأول (المدن الإيرانيه علمانية النظام والعرف ، شرقية الطقوس والعادات ، غربية التقاليد ، لا تحترم رجل الدين المتزمت ولا التقليدي، والعمائم تختفي فيها ولا تشعر بأنك في دولة إسلامية بل في مدن حضارية يحكمها القانون), أما إيران الثالثة فتلك التي تتداخل فيها المساحات, ما بين إيران الدولة والنظام وما بين إيران الأمة والناس والوطن.
في اية لحظة علينا ان نرى الإيرانات الثلاث لا أن نكتفي بواحدة منها, وسنكتشف أن الكراهية المقدسة أوالمحبة المقدسة لا مكان لها في عالم السياسة المتحرك, وإن عين الود قد تخطأ بمقدار ما تفعله عين الكراهية.
إن الإيراني الذي يرى العراق من خلال كراهيته لصدام حسين هو مثل العراقي الذي يرى إيران من خلال كراهيته لقاسم سليماني, وفي السياسة, ومع دولة ملتصقة بك, تاريخيا وجغرافيا عليك دائما أن تحسن الرؤيا.
ودائما دائما ليست العين من يبصر وإنما هو القلب والمخيلة