صعوبات التمويل كعائق أمام نجاح التعاونيات


سامح سعيد عبود
2015 / 6 / 22 - 13:32     


لعل أحد أخطر العوامل التى تؤدى لهامشية التعاونية وضعفها أمام الرأسمالية الآن، برغم تفوق التعاونية الإنتاجية من زاوية إنتاجية العمل فيها على إنتاجية العمل فى المشروع الرأسمالى أو الحكومى، هو التمويل والتراكم الأولى لرأسمال، فالمشروع الرأسمالى لديه امكانيات هائلة فى ذلك المجال لا تملكها التعاونيات بالطبع، وهذا كعب أخيل للتعاونيات الذى تركز فيه الرأسمالية ضرباتها لأثبات تفوقها على التعاونيات، فالتراكم الأولى لرأسالمال على سبيل المثال يشارك فى تكوينه، أموال قادمة من عالم الجريمة مثل تجارة البشر، والجنس، والمخدرات، والسلاح، والفساد الحكومى الخ، أو انتزاع فوائض هائلة من العمل الحى لتوسيع العمل الميت، أو ريوع هائلة من المواد الخام كالبترول والغاز الطبيعى، ومن المضاربات، أو حصول المشروع الرأسمالى على قروض ميسرة وضخمة من البنوك، وأحيانا بلا ضمانات حقيقية ومن أموال المدخرين الصغار فى البنوك وصناديق التقاعد ودفاتر التوفير، فضلا عن أن المشروع الرأسمالى طبعا أكثر جذبا لاستثمار الأموال حيث يميز حاملى الأسهم حسب أسهمهم سواء فى الربح أو السلطة عن العامل والمستهلك الذى تحمى مصالحهما وتعطيهما الأولوية التعاونيات على مصالح حملة الأسهم، على عكس المشروع الرأسمالى،.. ولما كان حل مشكلة التمويل والتراكم سوف يزيل عقبات هائلة من أمام التعاونيات فعلي المهتمين بتطوير التعاونيات أن يجدوا حلولا لهذه العقبة.... وبالطبع فإن فكرة البنك التعاونى لتمويل التعاونيات لجمع المدخرات واقراضها للتعاونيات ضرورة ثبت إنه لا نجاح للتعاونيات فى أى بلد ما بدونها. وفى مواجهة ضعف التمويل يمكن للتعاونيات أن تبدأ بمشروعات ليست كثيفة رأسمال، وتستخدم تكنولوجيات بديلة أقل تكلفة، وأكثر إنتاجية، كل هذه حلول ممكنة لمشكلة التمويل والتراكم. ولكن برغم كل ما سبقت الإشارة إليه من عقبات أمام سيادة التعاونيات، فقد ثبت أن التعاونيات أكثر كفاءة من الشركات الرأسمالية فى الصمود أمام الأزمات
فلا أمل ولا سبيل لنجاح الحركة التعاونية إلا بوجود ائتمان قوى لضمان التمويل اللازم لأنشطتها، ومعنى ذلك ضرورة خلق أدوات ومؤسسات لهذا الإئتمان من بنوك تعاونية وتعاونيات تأمينية، تجمع المدخرات وتوفر القروض التعاونية، وهذا ما لا تنظمه قوانين التعاون ولا يسمح به النظام التشريعى المصرى
الأموال مهمة جدا لأى نشاط سياسى أو اجتماعى أو اقتصادى أو ثقافى، ولا يمكن للنشاط أن يستمر بدون دعم مالى لشراء مستلزمات وأدوات ووسائل النشاط واحتياجات نشطائه المتفرغين له التى لا يمكن أن تستمر تطوعا، والسؤال هل يجوز للحركة التعاونية وهى حركة تسعى للتحرر من التسلط سواء من الدولة أو ملاك الثروة، أن تعتمد على تمويل أو دعم أو تبرع أو اكتتاب أو حتى قرض من خارجها، وخصوصا النشاط الرأسمالى نفسه يقوم على الاقتراض من البنوك وتداول الأسهم فى البورصة، والتعاونيات وفق مبادئها يجب أن تمتنع عن الاقتراض من البنوك أو المضاربة على الأسهم وتداولها سوقيا، وفى الحقيقة أن التعاونيات وإن كانت تقوم على مشاركة الأعضاء الاقتصادية، إلا أن حجم مشاركتهم قد لا يكفى لممارسة النشاط أو الاستمرار فيه.. ومن ناحية أخرى يستطيع الرأسمالى أن يؤسس مشروع رأسماله المبدأى خمسة مليون جنية، يدفع هو منهم مليون، ويستكمل الباقى بالاقتراض، ويسدد قيمة القرض من الأرباح أو بيع أسهم المشروع فى السوق، فكيف ينشأ التعاونيون مشروع يحتاج نفس الرأسمال (الخمسة مليون)، مع افتراض أنهم استطاعوا تجميع المليون بأسهمهم، هل يلجأون للاقتراض من البنوك التجارية التى غالبا ما سوف تطلب ضمانات لا يملكوها، وفوائد قروض قد لا يستطيعوا تسديدها، هل يلجؤن لبيع الأسهم، للتبرع، للتمويل الحكومى أو الأهلى، هذا السؤال مهم للغاية، ولابد لنا من الإجابة عليه.
بدون شك فان الاعتماد على التمويل الخارجي سواء من البنوك التجارية أو الحكومات، يشكل خطرا على الاستقلالية الذاتية، خاصة عندما تكون هذه الرعاية من حكومة قد لا تكون موجودة دائما لتقف بجانب التعاونيات، لذا على التعاونيات الاتحاد في كيانات اتحادية ليوفروا لأنفسهم رأس المال المطلوب.
مشكلة التمويل جوهرية فى حالة التعاون الإنتاجى، وقد ثبت أن التعاونيات الإنتاجية لا تحقق نجاحا ملموسا فى ظل السوق الرأسمالى، إلا بوجود منظومة ائتمان وتأمين قوية تضمن حل مشاكل التمويل والسيولة النقدية، بقروض حسنة ميسرة للتعاونيات، سواء عند الإنشاء أو فى حالات التوسع الاستثمارى، وتمويل العمليات المختلفة، ومن ثم يمكن أن تبدأ الحركة التعاونية من البنك التعاونى، أو تعاونيات التأمين التعاونى المختلفة، لتستثمر الأموال التى تجمعت لديها فى تمويل النشاط التعاونى، أو تشترك مجموعة من التعاونيات فى تأسيس بنك يجمع احتياطيتها، ومدخرات واشتراكات أعضائها، لتضخها كتمويلات لها.
فالبنوك التعاونية هى جمعيات تعاونية لا تعمل بهدف الربح كالبنوك الرأسمالية وتمارس نشاطها التزاما بالقواعد التعاونية المعروفة، تجمع الودائع والمدخرات من التعاونيات من جانب وتقرض المتمولين من التعاونيات من جانب أخر، وتعطى الطرف الأول ما يعوض التضخم، فى صورة فوائد، وتحصل من الطرف المقترض ما يعوض التضخم والمصاريف الإدارية، وفوائد الإيداع، وغيرها من المصاريف على صورة أقساط ميسرة طويلة الأجل، فلا هى تستغل المودع ولا المقترض بتحقيق أى أرباح منهما.
من زاوية أخرى أرى إنه لا توجد مشكلة تمويل حقيقية للعمل التعاونى فى حدود المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، فى ضوء حقيقة الأرقام المهولة التى ينفقها فقراء ومتوسطى الحال من المصريين على المخدرات والمكيفات وتغيير الموبلايات والرنات والعمرة والحج والتسالى والدروس الخصوصية والسحر والشعوذة والانفاق الاستهلاكى السفيه.. كل تلك الأموال يمكن تجميعها وضخها فى استثمارات تعاونية متنوعة، وهذا يحتاج أن تتحول الكتلة الواعية من المواطنين إلى المجال الاجتماعى والاقتصادى والثقافى التعاونى. حيث يدبر الملايين من المصريين حاجتهم المالية المختلفة عبر ما يعرف بالجمعيات، وهى فكرة طبيعية بدائية تحتاج لتطوير لتحويلها لصناديق تضامن وائتمان ذات طبيعة دائمة بين هؤلاء لتمويل التعاونيات.
إذا كان تمويل تلك التعاونيات هو أكثر المشاكل التى تقابلها عند تشكلها، فأن حل تلك المشكلة يكمن فيما يلى:
أولا طبيعة تكامل أنشطة التعاونية التى تضمن تمويل ذاتى دائم لها عبر صناديق الإدخار والتأمين الخاصة بالتعاونيات كأحد أنشطتها، فضلا عن شرط المساهمة فى رأسالمال للحصول على عضويتها، وتشجيع الناس على الانضمام لتلك التعاونيات بالمساهمة فيها بحصص من رأسالمال كى يمكنهم العمل فيها أو يمكنهم الاستفادة من خدماتها المختلفة.
ثانيا فى ضوء ضعف التمويل الذاتى للتعاونيات فإن البدايات فى الأنشطة الإنتاجية والخدمية يمكن أن تتركز على أنشطة لا تحتاج لرأسمال كبير بقدر ما تحتاج لقوة العمل كبعض الصناعات الحرفية فى مجال البناء والمطرزات والمشغولات الفنية، وبعض الخدمات كصيانة الأجهزة المنزلية التى لا تحتاج إلا لبعض المواد الخام وبعض الأدوات والوسائل الإنتاجية البسيطة، أو البدء فى مشروعات مما يسمى بجمعيات اليد العاملة التى لا تحتاج لأى رأسمال بقدر ما تحتاج لتنظيم العمال، والتعاقد جماعيا باسمهم للعمل مع أرباب الأعمال، خصوصا فى مجالات المقاولات،وما شابهها من أعمال، مع العمل على دفع عجلة التطور والنمو لتحقيق تراكم كاف لرأسالمال من تلك المشاريع لكى تنتقل الحركة التعاونية للمهمشين إلى مجال الصناعات الصغيرة التى لا تحتاج لرأسمال ضخم، وهى تشكل طيف كبير جدا من المشاريع مثل الصناعات الغذائية والملابس الجاهزة وصناعات البلاستيك والجلود والتغليف والتعبئة والتجميع وغيرها.
إنه من الغير واقعى أن يفكر أحد أن تبدأ التعاونيات وحدها بدون الدعم المطلوب حتى تتجاوز التحديات التى تواجهها فى السوق الرأسمالى. مثل اى شركة مدارة ذاتيا هى تتطلب تمويل خارجى لأن تراكم رأس المال ليس قريبا منها، ولان التعاقد على القروض التقليدية، والتى لا تحصل عليها بنفس سهولة حصول نظيرتها الشركات الراسمالية على القروض. فمؤسسات التمويل تفرض عليها المزيد من الصعوبات وترفع من تكاليف الحصول على التمويل (فوائد وضمانات أكثر).
والجدير بالذكر ان استخدام الأيدى العاملة بكثافة وقلة استخدام الميكنة والتخلف التكنولوجى التى تميز التعاونيات ليس بسبب ان العمال يرفضون الاستثمار فى الميكنة، ولكن بسبب التكاليف المادية، وهذا يضعف من الإنتاجية.
أيا كانت قدرة أعضاء التعاونية فى المشاركة بادخاراتهم الخاصة للتعاونيات فانها تكون غير كافية للحصول على تراكم رأس المال الكافى كما يؤكد ذلك بعض الاقتصاديين، ويقولون انه من الأفضل ان يدرس كيان خارجى هذه الاستثمارات ويوجهها. ويضيفون ان تكون المؤسسات التمويلية هى البنوك الحكومية او المنظمات التى ترعاها تحدد أين تصرف هذه الاستثمارات بعد التشاور مع التعاونيات، وبعدها تقوم بالاشراف والتنفيذ مع التعاونية، ولكن من الأفضل أن تقوم التعاونيات بنفسها بإنشاء البنوك التعاونية.