التنوع الثقافي في العراق وامكانات التغيير


عبد جاسم الساعدي
2015 / 6 / 18 - 08:43     

التنوع الثقافي في العراق وإمكانات التغيير.

درجت المنظمات الدولية والمحلية ومراكز البحث والدراسات الأكاديمية إلى الاهتمامات الاستثنائية في موضوعة التنوع الثقافي بوصفه جزءا مهما من آليات التغيير والاشتغال العلمي والجاد للاندماج المجتمعي وتنوع أسباب التوتر والصراعات المحلية والإقليمية , وتفكيك بنية الدولة المركزية وإعادة قراءتها على ضوء العلاقة بينها وبين الأقليات والجماعات القومية والاجتماعية في الوطن الواحد.واشتغلت تلك المنظمات على التوثيق وإصدار القرارات والتوصيات والاقتراب الثقافي والفكري من الأقليات لخلق بيئة ثقافية جديدة ,منها إعلان اليونسكو العالمي بشان التنوع الثقافي واتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي.
ووجد موضوع التنوع الثقافي ,لدى البلدان العربية, والجامعة العربية أهمية بإثارة الأسئلة الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية بهدف تخفيف حدة الصراعات ودخول العالم مرحلة جديدة.
في ضرورات التآخي بين الشعوب والأمم ونشر ثقافة التعايش السلمي والاجتماعي والابتعاد عن كل أشكال العنف والتهديد ومضايقة الأقليات القومية والدينية والاجتماعية.
ولشعوب العالم تجارب ناجحة في إثراء مفاهيم التعايش والتعددية الثقافية ,كما في عدد من دول أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية.
ويعد البرنامج البرازيلي (برنامج الثقافة الحية) .من أهم التطورات الحديثة التي أخذت بمبدأ التعدد الثقافي ابتداء من العام 2003 _2008 والذي أتى من خلال الموسيقار الشهير "جيلبرتو جيل" الذي شغل منصب وزبر الثقافة في البرازيل , ويجمع البرنامجين
الإبعاد الثلاثة التي تنتهجها السياسة الثقافية البرازيلية الحالية وهي : كتعبير رمزي سواء الجمالي منه والانتربولوجي : الثقافة والمواطنة كحق لجميع البرازيليين كمورد اقتصادي وإنتاجي للتنمية فنشر ثقافة حقوق الإنسان والتعددية الثقافية في الوطن الواحد.
إنما تعني الانفتاح على ثقافات متنوعة تثري السمات الإنسانية وتفجر طاقات الإبداع والمشاركة والتنمية الاقتصادية وتطوي تدريجا الشعور بتفوق وقوة "الأمة " الكبيرة على الأمم الصغيرة.
يقول الفيلسوف الانكليزي "جون ستيوارت " أحد فلاسفة السياسة في القرن التاسع عشر , بان الجماعات الثقافية الصغيرة تتخلى عن ثقافتها الموروثة لكي تنضم إلى ثقافة الأمم الأقوى"
ولابد من القول ,ان ذلك بحاجة إلى استيعاب ثقافة التنوع والمشاركة والحوار على المستوى الشعبي والطبقات الوسطى وان يقترن بمؤسسات وبنى ثقافية وقانونية وبتشريعات دستورية , وإصلاحات اقتصادية اجتماعية وتربوية.
إن مغادرة سلطة الاستبداد والهيمنة على كل المكونات والفئات والجماعات المحلية المختلفة في عاداتها وتقاليدها ولغاتها وطرق التعبير عنها ,يحتاج إلى وعي شعبي والى نهضة فكرية تسهم بالانتقال إلى مرحلة جديدة.
ولعل العراق في مساعيه الحيوية ,والجادة في تشكيل الهيئات المستقلة كما نصت المادة(99) من الدستور بأنه تعد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيأة النزاهة هيئات مستقلة ,تخضع لرقابة مجلس النواب ويمثل النظام الفيدرالي ,في العراق أهم التحولات الثقافية والفكرية بالانفتاح على الآخر المختلف ,وذلك بحاجة إلى تعميق مفاهيم المواطنة والمشاركة والتداول السلمي للسلطة ,بحسب تشريعات قانونية تؤكد نظرية الانتقال من مركزية الدولة وقيودها وشروطها وبخاصة "القومية" فيها إلى الاقتراب من الجماعات والأقليات الاثنية والمذهبية في الوطن الواحد.
ويحتاج الأمر إلى وعي جديد و إلى مراكز بحوث ودراسات تعنى بتاريخ وثقافات ولغات "الأقليات وتركيز الاهتمام بتطوير ركائز وصفحات تلك الأقليات لما لها فائدة كبيرة على التعدد الثقافي في الوطن الواحد..
وكانت تجربة "الامازيغ" في شرقي الجزائر ابتداء من أوائل ثمانينات القرن الماضي ذات فائدة لشعوب العالم في كيفية احتضان ثقافات التنوع فيما أبدت الحكومة الفرنسية والمؤسسات الثقافية استعدادها لإعادة إحياء اللغة "الامازيغية "ومنحها شروط الحضور والمشاركة والتعبير عن نفسها.
ولعل العراق اليوم في ظاهرة العنف اليومي والاضطراب السياسي وتفشي الفساد الإداري المالي له دلالاته في زعزعة النظام الجديد وخلق أزمات في داخل العراق مما يشجع على تقوية عناصر التدخل واللعب على جماعات محلية لتكون حاضنة الإرهاب والموت في العراق .
مدنية الدولة ومؤسساتها...
تشكل التراكمات الثقيلة عبئا على الدولة الجديدة وعلى الوعي الاجتماعي والثقافي لغياب المبادرة المدنية والحراك الشعبي وتراجع مستويات التعليم وأساليب الحوار والمشاركة, والشعور بطغيان الدولة وظاهرة الاستبداد السياسي والجماعات "الإسلامية" والانشغال بمواجهة تحديات الإرهاب على المستوى المحلي والإقليمي.
والحال في العراق لم يأخذ إبعاده في التغيير ومغادرة مركزية الدولة فأساليب قبضة الحديد التي تمارسها.
والسؤال الأكثر حيوية ,هل إن القوى المدنية في العراق قادرة على تولي زمام المبادرة في خلق بيئة ثقافية لتعزيز الثقة والشعور بالمواطنة والانتماء وتقديم برامج عمل ثقافية وفكرية واجتماعية وقانونية تطمئن المجتمع المدني بكل فئاته وقومياته وطوائفه الدينية؟
لا يبدو الأمر ممكنا في الوقت الحالي لهيمنة النزاعات المذهبية والقومية والطائفية والصراعات على "السلطة" والقبض على المال والوظيفة والقرار السياسي.
إن تجربة العراق الحديثة بحاجة إلى دعم المنظمات والمؤسسات في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط والعالم لأهميتها في دولة شهدت حروبا ونزاعات دموية وصراعات محلية طوال مئة عام ابتداء من نشأتها الأولى ,فلحق بالأقليات والجماعات المنتمية للأرض والوطن أفدح الأضرار التي لا تزال تئن من هيمنة الدولة المركزية ونفوذها وقدرتها العسكرية وثقافة الغطرسة والتفوق على الأخر
التنوع والثقافـة النقديـة.
بتجاوز موضوعا التنوع والثقافة النقدية إلى حد التفاعل والاستقلالية بالخروج الطوعي والثقافي من الخانات الطائفية والاثنية والمنافع الذاتية ومغريات الوظيفة والسلطة.
فالثقافة النقدية تعنى بثقافة السؤال النقدي والمعرفي وكسر النماذج التقليدية في المنهج الدراسي وقاعة الدرس ,فتشتغل التربية النقدية على رفع مستوى الوعي لدى الطلاب ومنحهم الفرصة الكافية في الحضور والمناقشة وإبداء الرأي ويرى (هنري جيرو) بان التربية ينبغي إن تركز على قيمة الحرية والعدالة ومقاومة الظلم الاجتماعي والقهر السياسي وإعادة غرس الأمل في إمكان التغيير والتربية النقدية بالنسبة "لفريري" تهتم بتهيئة الوعي النقدي والحرية والشجاعة في إبداء الرأي والمشاركة وإنها ذات هدف ووسيلة للتغيير , وحققت الثقافة النقدية خطوات مهمة في خلق وعي جديد في الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية ومقاومة الظلم بكل إشكاله والدفاع عن الجميع من دون تمييز أو مفاضلة.

واهم ملامح التربية النقدية لدى "هنري جيرو":
• باعتبار التربية نشاطا غير محايد , والتربية نشاط سياسي وأخلاقي وتفرض تصورا عن الحياة والمستقبل , وتحدد مكانة الأفراد في المجتمع.
• والتربية ذات نشاط حسي وإنها ميدان للتناقض والصراع
• يمكن استخدام المدارس ساحة عامة لمناقشة الشأن العام وتنمية وعي الأفراد بحال القهر واللامساواة في المجتمع وتشجيعهم على تحمل المسؤولية المدنية.
تحديات الانتقال والتجاوز إلى مرحلة جديدة
تظهر نظرية التنوع الثقافي لا باعتبارها وصفة جاهزة لحل إشكاليات اجتماعية وثقافية وسياسية معقدة ومتراكمة بل جهد ثقافي نقدي إنساني بحاجة إلى استيعابه وإدراك عناصره المؤثرة في الحياة وهذا لا يأتي إلا من خلال الدخول في فهم الحياة والتناقضات والصراعات لتلك المعادلات القديمة والراسخة إلى حد ما في مفاهيم القبيلة والعشيرة والحزب والطائفة والانتماءات الاثنية والجهوية.
مما يعني استعدادنا لفهم النظرية عند القبول بالآخر لا منة بل المواطنة والانتماء والوعي بالانتقال إلى وطن آخر , وثقافات لا ثقافة واحدة وأصوات لا صوتا واحدا , وان ذلك يعزز الانتماء ويواجه التحديات والتدخلات المتنوعة الأشكال, ولعل التأسيس على الحوار والمناقشات وإقامة مؤسسات حقيقية وتفعيل الدستور والتشريعات القانونية والنظام الفدرالي وقلب مناهج التعليم وطرائق التدريس , ومساعدة الأقليات المتنوعة على الحضور والتعبير عن مكوناتها وأمالها يعد الخطوة الأولى لمواجهة تحديات الخوف والعنف والإرهاب والفساد المالي والإداري والتهجير والنزاعات الطائفية والاثنية والهيمنة واستبداد السلطة ,لذا فمغادرة سلطة الاستبداد والتراكم القبلي ومركزية الدولة وأساليب قبضتها الحديد على كل المكونات والفئات والجماعات المحلية المختلفة في عاداتها وتقاليدها ولغاتها وطرق التعبير عنها.
يحتاج إلى نهضة ثقافية ترج مكونات الماضي وتفكك بنيته الاجتماعية لتدخل إلى عمق دلالات الإنسان وتهز قناعات وأشكال التلف التي علقت به.