المؤتمر الحادي عشر للرابطة الأممية للعمال - الأممية الرابعة: من مراكز الصراع الطبقي


الاممية الرابعة
2015 / 6 / 15 - 23:21     

عقد المؤتمر الحادي عشر للرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة في مدينة ساو باولو، البرازيل، ما بين 6 و12 نيسان /أبريل. هذا المؤتمر الذي يعتبر أعلى مستوى لقيادة الأممية لدينا قد تم في سياق واقعي غني و حيويّ.
فمن جهة ، يتميز هذا الواقع باستمرارية تأثير الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2007 وإن لم تكن في أدنى مستوياتها، خاصة في الولايات المتحدة، فماتزال تقريباً مستويات الركود ذاتها في أوروبا و تضرب بأقسى قوة الآن في ما يدعى "الدول الناشئة"، من ضمنها دول أمريكا اللاتينية، و في الوقت نفسه أصبح من الواضح أكثر التباطؤ في الاقتصاد الصيني.

و من جهةٍ أخرى، بالإضافة إلى مواجهات الصراع الطبقي التي كانت قد بدأت منذ بضع سنوات، كتلك التي (بالرغم من كل تناقضاتها) يعيشها اليوم العالم في أوروبا أو العالم العربي، بشكلٍ خاص في مصر وسوريا، يضاف لها بداية لمرحلة من عدم الاستقرار في أمريكا اللاتينية. و تُلمس نهاية تلك الحقبة من الهدوء النسبي السائد في السنوات السابقة، والتي بدورها كانت قد وضعت حداً لمرحلة من الاضطرابات و السيرورات الثورية في بدايات النصف الأول من القرن الحادي والعشرين. بهذا تبدأ أزمة حادة، أو على الأقل تآكل ملحوظ يصيب عدة حكومات من الجبهات الشعبية أو الشعبوية التي بدون شك كانت قد سيطرت على المشهد السياسي في القارة خلال السنوات السابقة. بهذا تبدأ نهاية صعود تلك الحكومات و يبداً ضمن تلك السيرورة مرحلة تراجع للتيارات الكاسترو-شافيزية. بالاضافة إلى هذا، و على عكس ما حدث في بداية القرن الحادي والعشرين، تنضم البرازيل، من خلال "أيام يونيو" من عام 2013، والذي أتى معرباً عن استياء شديد من قطاعات كبيرة من المجتمع البرازيلي.

الخصائص المحددة لهذه السيرورات، تكمن في "العفوية" ووصف طليعتها ب "المعادية للأحزاب " في نطاق واسع من طليعتها. ما لا يمكن فهمه إلا من خلال فهم أزمة القيادة الثورية والارتباك لا يزال يكمن لدى شرائح واسعة إثر سقوط "الاشتراكية الحقيقية ". في الواقع، هذه السمة الأخيرة (أزمة القيادة) هي السائدة في كل السيرورات حالياً و هي أيضاً ما تفسّر الكثير من التناقضات و شدة التفاوت فيها كما هو الحال في ثورات العالم العربي.

زمن جديد للرابطة الأممية للعمال - الأممية الرابعة

ميزة أخرى لوحظت في المؤتمر هي استمرار تطور و نمو الرابطة الاممية للعمال- الأممية الرابعة.

كما أشرنا، فإن في أزمة القيادة الثورية و انكسارها في كل بلد يكمن التفسير النهائي لكيفية تطور السيرورات الثورية بكل ما فيها من تناقضات هائلة و تفاوت و عدم مساواة.

في نفس الوقت، و كما أورد تروتسكي في البرنامج الانتقالي، فإن الإجابة على ( أزمة القيادة الثورية) تلك، هو المهمة الأكثر استراتيجية و بذات الوقت الأكثر إلحاحاً للثوار. تأتي هذه المهمة معبّرة لدى الرابطة الأممية للعمال في طرحها ل "إعادة بناء الأممية الرابعة".

في هذا المعنى، فإن الوضع العالمي يفتح أبواب الاحتمالات المتزايدة لتدخل الرابطة الأممية للعمال وبالتالي النمو والتطور كجزء من هذا التدخل. المؤتمر نفسه ناقش ضرورة التمييز بين مساحات "التدخل" في الحراك الثوري و بين "البناء"، والتي لديها قوانينها الخاصة ومهامها المحددة.

في إطار هذا النقاش تبين أن الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة استمرت في النمو منذ مؤتمرها السابق من جهة، و من جهة أخرى، توسعت مناطق مشاركتها إلى بلدان ومناطق جديدة. وأعرب عن ذلك في هذا المؤتمر في إدماج وفد السنغال، الذي لم يتمكن من الوصول إلا متأخراً بعد أن كانت قد بدأت جلسات المؤتمر و قد تم استقباله بتصفيق و احتفاء كبيرين. و هناك أيضاً التقدم الصغير و لكن "الكبير" (حيث كان قد بدأ من الصفر) في المشاركة في السيرورات في العالم العربي، بخاصة في الحرب الأهلية في سوريا؛ أو بحضور ممثل من تركيا، مع الواقع الجديد للبلاد وأهميته الكبرى بوصفه "المفصل" بين أوروبا والعالم الاسلامي.

من ناحية أخرى، نمت و ازدادت مشاركة و إدراج العديد من فصائلها في عمليات الصراع الطبقي (الإضرابات والمظاهرات والمواجهات) وغيرها من الحقائق من واقع الحياة، وإضفاء الصفة القانونية: مثل المشاركة في الانتخابات من عدة أقسام ما يدل على نضج هذه المنظمات.

يمكننا هنا الاشارة إلى ال PSTU البرازيلي كمثال المشاركة الفعالة في احتجاجات حزيران 2013. و نذكر CSP-Conlutas كمثال للدفع بتنظيم نقابي مركزي رغم صغره الا أنه واقعي و ديناميكي و عن المشاركة في العمليات الانتخابية نذكر المشاركة المتزامنة لثلاثة فصائل في أمريكا الوسطى (PT كوستا ريكا ؛ و PSTمن هندوراس؛ و UST السلفادور).

في حالة أوروبا، التي كانت قد صوتت كأولوية في المؤتمر الأخير، شهدنا تعزيزاً قوياً لفصائلها، والعديد منها تشارك في الانتخابات الأوروبية (مثل Mas البرتغالية والتيار الأحمر في اسبانيا) وتشارك بنشاط في عمليات إعادة التنظيم كما هو الحال في اسبانيا (من خلال المشاركة في Cobas و Hay Que Pararles Los Pies) وإيطاليا (حيث يتم الدفع بتنسيق النضال في No Austerity من قبل PDAC)

جدالات مكثّفة

خضع هذا الواقع الغني و الحيوي للتحليل في نقاط مختلفة من المؤتمر، و حيث لا يمكن أن يكون خلاف ذلك فقد جرت مناقشات مكثفة للغاية نتيجة لنهج و تصورات مختلفة للواقع أدت بدورها لانبثاق تكتيكات أو مقترحات عمل مختلفة.

كان هذا الحال، على سبيل المثال، أثناء نقاش النقاط حول سوريا ومصر. فالنقاش حول سورية، كان بخصوص طابع الحرب الأهلية السورية، وتعريف مختلف أقسامها والموقف الواجب اعتماده بخصوصها. في مصر، تم نقاش الدينامكية العامة للثورة، و مغزى تولي الحكم مباشرة من قبل الجيش وكيفية التعامل مع قمع الإخوان المسلمين. الموضوع الآخر الذي نال قسطاً هاماً من النقاش كان حول ايجاد أفضل التكتيكات و الأشكال التنظيمية لمحاربة الاضطهاد ضد المرأة.

النقاشات المكثفة وجدت أيضاً بخصوص أوروبا، بشكل خاص حول ما هي أفضل السبل للمشاركة في النضالات القائمة و كيفية تطوير منظماتنا. كذلك حول البرازيل وكيفية الرد في الوضع القائم الذي بدأ في حزيران 2013.

هذه المناقشات، بما فيها من فروق دقيقة و خلافات تحدث في إطار وحدة استراتيجية عميقة. إنها تشبه تلك المناقشات المكثفة للبلشفية الروسية عبر تاريخها و التي كانت قد صبت في الحزب الذي قاد ثورة 1917. فهي تعبير عن منظمة دولية حية و في نفس الوقت أكثر تعقيداً بسبب ادراجها في وقائع مختلفة و ذات تصوّرات متباينة تجاه تلك الوقائع المختلفة.

بناء الأحزاب الثورية

موضوع آخر تم نقاشه في المؤتمر و هو ذو أهمية حاسمة في بناء منظمات العمال الثورية في هذه المرحلة.

الأزمة الرأسمالية الحالية وتطوير واستقطاب الصراع الطبقي يفتح الأبواب لإمكانيات النمو للمنظمات الثورية. قطاعات واسعة من طليعة الطبقة العاملة والشباب تحرز تقدماً نحو مواقف أكثر مقاتلة و راديكالية. يدخلون العمليات الثورية بقوة و نضارة كاملتين و تلازمهم بنفس الوقت أوهاماً كاذبة في "تعميق الديمقراطية". لا يعترفون بمرجعية اشتراكية ولا بتدمير الرأسمالية.

على هذه القيود للوعي تمارس البرجوازية و مؤسساتها كل الضغوط الوحشية على كافة أشكال التنظيمات (ثورية أو وسطية أو إصلاحية)، بنفس قدر ازيداد مساحة نموها. هذا أمر لا مفر منه، بل إنه قانون واقعي: كلما ازداد تقدم أي تنظيم كلما ازدادت الضغوط التي تمارس عليه من قبل الديمقراطية البرجوازية، مؤسساتها، العمليات الانتخابية، وسائل الإعلام، الأجهزة النقابية إلخ....

كان هذا ما يجري دائماً، لكنه يأخد منحى أعمق عندما يكون الصراع الطبقى أكثر حدةً. فالغالبية العظمى من المنظمات اليسارية المعادية للرأسمالية، حتى تلك التي تأتي من التروتسكية ( Secretariado Unificado) ، تستسلم لهذه الضغوط، فتتخلى عن وضع الاستراتيجيات و عن الحزب و البرنامج و الأممية متحولة إلى أحزاب انتخابية، اصلاحية و اقتصادية.

هذه ليست مشكلة مجردة. على سبيل المثال، عندما يصل أي شخص إلى منصب نقابي، يبدأ بتلقي الضغوط لكي يكون "معتدلاً" أو "البقاء بعيدا عن السياسة." . الشخص الذي يتم انتخابه كنائب في برلمان، يتمتع بالوصول إلى وسائل الإعلام، والموارد المالية تتاح له، يصبح مسؤولاً "مهماً" و له معاملة تفضيلية و يتلقى الضغوط للحصول على أصوات بأي ثمن ... فهذا هو الحال فيما نقوله عن الأشخاص و هو كذلك و بشكل مضاعف بخصوص المنظمات، و ما تتعرض له من إغراءات للبحث عن "طرق مختصرة" للاقتراب من الجماهير و بناء الحزب.

هذا ما نسميه "المد الانتهازي" الذي دفع بالعديد للاستسلام للسياسة التشافيزية منذ بضع سنوات كما يفعلون الآن مع سيريزا اليوناني، و الذي يتزايد مع التطورات الحالية. و الذي ما زلنا نواجهه في الرابطة الأممية للعمال- الأممية الرابعة.

هذه الضغوط، التي غيرت طبيعة العديد من هذه المنظمات تمارس أيضا على الأحزاب الثورية وعلينا نحن أنفسنا. يتم تحديد مستقبل وطابع أي منظمة من خلال قدرتها على التعامل مع هذه الضغوط. والخطوة الأولى لمكافحتها تكمن بالاعتراف بها و التعرف عليها. و بشكل عام، الاستسلام لتلك الضغوط يبدأ بعدم الاعتراف بوجودها.

لا يتعلق الأمر باعتماد قاحلة "النقاء" من الطائفيين، الذين لا يشاركون في السيرورات لتجنب التعرض للتلوث. فنحن ليس لدينا أي "طائفية".

الأمر يتعلق بالمشاركة بكل ما نملك من قدرة، النضال بشجاعة لتطوير و نمو منظماتنا، لزيادة نفوذها، دون التخلي عن برنامج وسياسة وطابع المنظمة الثورية، وفي الوقت نفسه محاربة هذه الضغوط والأخطار. و في حين لم تكن هناك وصفات أو مخططات ، فيجدر بنا أن نتذكر دائما قول ناهويل مورينو للمنظمات التي كان يوجهها "أن تكون بروليتارياً أكثر، ماركسياً أكثر و أممياً أكثر من أي وقت مضى" كآلية لمواجهة كل الضغوط للواقع.

الإعداد النظري و البرنامجي

من بين النقاط التي أشار لها مورينو، كان هناك واحد يبرز بشكل خاص: مفاده أننا لا نستطيع المضي قدما، وفي الوقت نفسه، مواجهة كل الضغوط ان لم نبدأ بدراسة عميقة للوضع الدولي والحقائق المحلية. و أنه انطلاقاً من هذه الدراسة، نتقدم في تطوير الاستجابات النظرية والبرنامجية لهذا الواقع. على وجه الخصوص، الوقائع والظواهر الجديدة، كتلك التي ظهرت إثر بناء الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية.

جنبا إلى جنب مع هذه الاجابة للواقع ، يجب أن يكون هذا الإعداد في خدمة الصراع الأيديولوجي ضد التيارات البيروقراطية والإصلاحية، و ضد التجهيل في الوعي الجماعي للطبقات التي ترتكز عليها تلك المنظمات.

وغالبا ما يرتكب الخطأ في الاعتقاد بأن الصراع الأيديولوجي هو فقط ل "الأوقات الهادئة" وليس من أجل الصراع الطبقي الحاد. إنه لأمر جيد أن نتذكر معايير فريدريك إنجلز بأنه يجب على الثوار دائماً النضال باتجاهاتٍ ثلاث: الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية.

في الحقيقة، أنه في أكثر اللحظات الحرجة في الصراع الطبقي تصبح المعركة الإيديولوجية أكثر ضرورة، لأنها هي الأوقات التي تكثر فيها احتمالات نمو أحزابنا و تكون فيها النزاعات أقوى مع التيارات الأخرى.

أحد جوانب هذا العمل هو الدراسة العميقة و الدائمة للثورات السابقة. ونحن، في هذا الصدد، نذكر ببيان تروتسكي عندما قال أنه كان من المستحيل على البلاشفة قيادة الثورة الروسية عام 1917 من دون أن تكون قد درست بعمق الثورة الفرنسية و كل التحولات بعدها و حتى العمليات الثورية عام 1905 في روسيا نفسها.

وفقاً لهذا التحليل، كانت أهم التعريفات الأساسية للمؤتمر أن يتم التصويت لتكون دراسة وتطويرالتحديث النظري والبرنامجي مهمة أساسية. بالاضافة إلى ذلك ، فقد تقرر تخصيص موارد كبيرة، بما في ذلك الأموال والكوادر من ذوي الخبرة لهذه المهمة، وتدريب وتعليم كوادر الأممية، وذلك عن طريق استخدام الأدوات مثل الندوات والدورات.

بروليتاريّة الأممية

بهذه الأهمية كان التأكيد على ضرورة كدح (الانخراط في الطبقة العاملة) للأممية و فصائلها كاستراتيجية للبناء تعزز أكثر انتماءنا للطبقة العاملة و طابعنا الثوري.

مرة أخرى مع مورينو، فإن إيجاد روابط و انخراطنا نحن أنفسنا في البروليتاريا هو، من جهة، الضمان الوحيد لبناء تنظيمات متينة للغاية و لا تخضع إلى "الموضة" الأيديولوجية المعتادة من قبل المنظمات اليسارية. ومن جهة أخرى، لأن نموذجنا للاشتراكية مع الديمقراطية العمالية لا يمكن بناؤه إلا بواسطة التعبئة الدائمة و الحراك الجماهيري و بقيادة الطبقة العاملة نفسها. هكذا نعي قول مورينو بأن تكون "اكثر بروليتارياً من أي وقت مضى."

ختام مليئ بالحماس

هكذا، مرهقين من كثافة الجلسات والمناقشات، ولكن مليئين بالرضى لإنجاز المهام قام الممثلين و ضيوف المؤتمر بختامه مرددين نشيد الأممية بلغات عدة. كان وسيلة للقول : نحن بثبات و عزيمة وبحماس كبير لمواصلة النضال، فنحن الآن أفضل تسليحاً بالمناقشات السياسية و أكثر غنىً بالقرارات السابقة.

بعدها، احتفلنا مع بعض الموسيقى والرقص ما يضمن التآخي و المرح بعد الكثير من العمل الشاق. فكما كان يقول العجوز ماركس : "ليس هناك أي شيء إنساني غريب بالنسبة لنا."