مرة أخرى عن كرونشتادت - فيكتور سيرج


مازن كم الماز
2015 / 6 / 15 - 00:35     

فكتور سيرج
مرة أخرى عن كرونشتادت
أبريل نيسان 1938

تلقيت مجلتكم بسعادة كبيرة . من الواضح أنها أفضل ناطقة بلسان حال الماركسية الثورية اليوم . صدقوني أن كل مشاعري هي معكم و أنه إذا كان من المتاح لي أن أكون في خدمتكم فإني أقدم خدماتي تلك عن طيب خاطر . سأرد يوما ما على مقالتي رايت و ل . تروتسكي عن كرونشتادت . تستحق هذه القضية الكبرى أن يجري تناولها مرة أخرى بشكل دقيق , و الدراستان اللتان قمتم بنشرهما بعيدان عن ذلك , كل البعد . في المقام الأول , أنا مندهش لأن أرى الرفيقين رايت و تروتسكي يستخدمان منطقا , يبدو لي , أنه علينا الحذر منه و الابتعاد عنه . إنهم يقولون أن دراما كرونشتادت 1921 تستحضر في نفس الوقت تعليقات الاشتراكيين الثوريين , المناشفة , الأناركيين , و غيرهم , و من هذه الحقيقة , الطبيعية تماما في عصر الارتباك الإيديولوجي , و إعادة النظر في القيم , و في معارك الفصائل المتناحرة , مستنتجين نوعا من اللغو . دعونا لا نرضخ لهذا اللغو و لهذا المنطق الميكانيكي . لقد أسيء استخدامهما هما الاثنين كثيرا في الثورة الروسية و نرى جيدا إلى أين يمكن أن يقودانا . الليبراليون البرجوازيون , المناشفة , الأناركيون , الماركسيون الثوريون يرون دراما كرونشتادت من زوايا مختلفة و لأسباب مختلفة , الأمر الجيد بحد ذاته و الذي يجب أن نأخذه في الاعتبار , بدلا من تجميع كل تلك الأفكار النقدية تحت عنوان واحد و ننسب إليهم جميعا نفس العداء للبلشفية .
المشكلة هي في الواقع أكبر بكثير من حادثة كرونشتادت , التي لم تكن أكثر من حلقة ( في سلسلة ) . رايت و تروتسكي يدعمان فرضية شديدة التبسيط : أن انتفاضة كرونشتادت كانت معادية للثورة بشكل موضوعي و أن سياسة اللجنة المركزية للينين و تروتسكي في ذلك الوقت كانت صحيحة , قبل الانتفاضة و أثناءها و بعدها . هذه السياسة "الصحيحة" سمح لها , على نطاق تاريخي و أكثر عمومية , بأن تكون مأساوية و كاذبة بشكل خطير , و خاطئة في ظروف تاريخية متنوعة معينة . هذا ما سيكون من المفيد و الشجاع الاعتراف به اليوم بدلا من تأكيد صحة الخط العام بين سنوات 1917 - 1923 . من الصحيح أن انتفاضات كرونشتادت و انتفاضات أماكن أخرى قد أكدت للحزب الاستحالة المطلقة للاستمرار على طريق شيوعية الحرب . كانت البلاد تموت بسبب دولنتها المريرة . من كان يومها على حق ؟ اللجنة المركزية التي تمسكت بهذا الطريق دون مبرر أم الجماهير التي دفعت إلى أقصى مما تحتمل بسبب المجاعة ؟ يبدو لي أنه لا يمكن إنكار أن لينين ارتكب في ذلك الوقت أسوأ أخطاء حياته . ألا نذكر أنه قبل إقرار سياسة النيب بأسابيع قليلة أصدر بوخارين كتابا عن الاقتصاد قال فيه أن النظام القائم هو بالفعل المرحلة الأولى من الاشتراكية ؟ و لأنه دعا في رسائله إلى لينين للمصالحة مع الفلاحين , نفي المؤرخ روزكوف إلى بيسكوف . ما أن ثارت كرونشتادت , كان يجب إخضاعها , هذا ما لا شك فيه . لكن ما الذي اتخذ لمحاولة إحباط ذلك التمرد ؟ لماذا رفضت وساطة أناركيي بتروغراد ؟ هل يمكن أخيرا للمرء أن يبرر بلا أدنى شعور , و أكرر , المجزرة البشعة لأولئك الذين هزموا في كرونشتادت , و الذين كانوا ما زالوا يعدمون رميا بالرصاص في سجن بتروغراد بعد نهاية الانتفاضة بثلاثة شهور ؟
هؤلاء كانوا أفرادا من الشعب الروسي , متأخرين , ربما , لكنهم ينتمون لجماهير الثورة نفسها .
يشدد تروتسكي على أن بحارة و جنود كرونشتادت 1921 لم يكونوا نفسهم , فيما يتعلق بالوعي الثوري , أولئك الذين كانوا في عام 1918 . هذا صحيح . لكن حزب 1921 - هل كان نفس حزب 1918 ؟ ألم يكن يعاني من تلوث البيروقراطية التي أبعدته عن الجماهير و جعلته يعاملهم بطريقة غير إنسانية ؟ سيكون جيدا أن نعيد , في هذه الحالة , قراءة الانتقادات ضد النظام البيروقراطي التي قدمتها المعارضة العمالية قبل وقت طويل , و أيضا أن نتذكر الممارسات الشريرة التي ظهرت أثناء مناقشة مسألة النقابات عام 1920 . بالنسبة لي , شعرت بالغضب عند رؤية المناورات التي استخدمتها الأغلبية في بتروغراد لخنق صوت التروتسكيين و المعارضة العمالية ( اللذين دافعا يومها عن أطروحات متناقضة تماما ) .
المسألة التي تهيمن اليوم , من حيث المبدأ , على مجمل النقاش هي : متى و كيف بدأ انحطاط البلشفية ؟
متى و كيف بدأ استخدام أساليب غير اشتراكية ضد جماهير الشغيلة , التي عبرت عن أعلى طاقة و وعي , تلك الأساليب التي يجب إدانتها لأنها انتهت إلى تثبيت انتصار البيروقراطية على البروليتاريا ؟
هذا السؤال المطروح , يمكن أن يرى أول أعراض الشر تعود أبعد بكثير إلى الوراء . في 1920 اتهم الاشتراكيون الديمقراطيون المناشفة بشكل كاذب في بيان للتيشكا , بالتخابر مع العدو , و التخريب , الخ . هذا البيان , الكاذب بشكل همجي , استخدم لحظرهم . في نفس السنة , اعتقل الأناركيون في أنحاء روسيا , بعد وعد رسمي بجعل حركتهم قانونية و بعد أن قامت اللجنة الركزية بتمزيق معاهدة السلام التي تم توقيعها مع ماخنو عندما لم تعد هناك أي حاجة للجيش الأسود . إن الصحة الثورية لمجمل سياسة ما لا يمكنها , كما أرى , أن تبرر هذه الممارسات المهلكة . و الوقائع التي أقتبسها ليست هي الوحيدة لسوء الحظ .
دعونا نعود أكثر إلى الوراء . ألم يحن الوقت لنعلن أن ذلك اليوم من عام 1918 المجيد الذي قررت فيه اللجنة المركزية للحزب أن تسمح للهيئات فوق العادية بأن تطبق عقوبة الإعدام بشكل سري , من دون الاستماع إلى المتهم الذي لا يمكنه أن يدافع عن نفسه , أن ذلك اليوم كان يوما أسودا ؟ أن اللجنة المركزية في ذلك اليوم كانت تقرر إعادة ممارسات محاكم التفتيش أو لا , تلك التي كانت الحضارة الأوروبية قد نسيتها . في كل الأحوال , لقد ارتكبت خطأ . لم يكن من الضروري أن يرتكبه حزب اشتراكي ظافر . كان بإمكان الثورة أن تدافع عن نفسها بطريقة أفضل من دونه .
سنكون مخطئين إذا أخفينا عن أنفسنا اليوم أن كل المسار التاريخي للثورة الروسية يخضع للمساءلة اليوم . من التجربة الهائلة للبلشفية , سيحتفظ الماركسيون الثوريون بما هو ضروري , دائم , فقط بتناول كل المشاكل من الأسفل , بحرية حقيقية للفكر , دون الغرور الحزبي , و من دون العداوة القابلة للتجاوز ( خاصة في مجال البحث التاريخي ) نحو بقية التيارات في الحركة العمالية . على العكس , بعدم اعترافنا بالأخطاء القديمة , التي لم تتوقف عن الظهور بفعل جاذبية التاريخ , فإن هذا يعرض للخطر كل مسيرة البلشفية . إن نقطة كرونشتادت تطرح في نفس الوقت أسئلة العلاقة بين حزب البروليتاريا و الجماهير , و النظام الداخلي للحزب ( كيف سحقت المعارضة العمالية ) , و الأخلاق الاشتراكية ( كل بتروغراد خدعت بإعلان كرونشتادت على أنها حركة للبيض ) , و إنسانية الصراع الطبقي و فوق كل شيء الصراع داخل طبقاتنا . إنها أخيرا تضعنا اليوم أمام امتحان قدرتنا على نقد الذات .
لا يمكنني أن أجيب بشكل أفضل في الوقت الراهن على الرفيقين رايت و تروتسكي , آمل أنكم ستنشرون هذه الرسالة لقراء الأممية الجديدة . فربما تساعد في تحفيز نقاش لكيف يمكننا أن نصل إلى نتيجة جيدة بروح الرفاقية الثورية الصحيحة .


باريس , 28 أبريل 1938


https://www.marxists.org/archive/serge/1938/04/kronstadt.htm
https://www.marxists.org/archive/serge/1945/memoirs/ch04x.htm
http://theanarchistlibrary.org/library/luigi-fabbri-revolution-and-dictatorship