صمت العالم، مرّة اخرى!


شاكر الناصري
2015 / 6 / 5 - 18:53     

بعد الإجتياح العراقي لدولة الكويت، في الثاني من آب 1990، لم تضطر أمريكا للقيام بأشياء كثيرة لتحشد العالم برمته في أوسع وأكبر حلف عسكري في العالم، تجاوز حتى الأحلاف التي كانت قائمة آنذاك، حلف وارشو وحلف الشمال الأطلسي" الناتو"، من أجل "تحرير الكويت" وطرد الجيش العراقي وفرض عقوبات على نظام صدّام حسين، تحوّلت لاحقاً إلى عقوبات كارثيّة على العراقيين!، كل ما فعلته هو أصدار بيانات ساخط محملة بالمخاطر التي تهدد العالم والشرعيّة الدولية وحملة أخبار وعلاقات دبلوماسية عاجلة - توبيخ ووعود للدول والأنظمة الحاكمة- وخطاب الطفلة الكويتيّة والقصة المروعة التي روتها وألهبت بها المشاعر!

تحوّل النظام الحاكم في العراق، وقتذاك، إلى خطر كبير يهدّد أمن العالم والمنطقة المحيطة به و يهدّد إمدادات النّفط التي تصدرها دويلات الخليج العربي إلى دول العالم. وتحوّل هذا النّظام وممارساته التي انتهكت معايير الأمن الدّولي وخطوطه الحمراء إلى أداة مناسبة لإثارة الذّعر في العالم. أصبح العدو رقم واحد، الذي تحتاجه أمريكا لتبقي العالم تحت هيمنتها وتحوّلها لاحقاً إلى شرطي، يأمر ويطاع! فالعالم الذي كان يعيش على وقع انهيار القطبيّة الثنائيّة وانتهاء الحرب الباردة وركوب الإتحاد السّوفيتي والدّول التي تسير في فلكه، سكة الإنهيار والتفكك الذي غيّر وجه العالم، وبالتلي اختفاء العدو الغريم الذي تحتاجه أمريكا والغرب عموماً لأدامة حمّى الصّراعات والحروب الباردة وتعزيز حكم الأنظمة الدكتاتوريّة وسحق الحقوق والحرّيات في مناطق شاسعة من العالم مادام ذلك يحمي أو يحقق مصالح أمريكا، كانت بحاجة لعدو يعيد اللحمة لهذا العالم ويجعله أكثر تماسكاً في مواجهة التحدّيات وفق العرف الأمريكي، صدّام حسين ونظامه كان هو العدو الذي تمكنت أمريكا والغرب عموماً من استغلاله لفترات طويلة من 1990 - 2003 ولكنها كانت مخيفة ومدمّرة وكارثيّة على العراقيين وحياتهم التي أُعيدت إلى العصر ما قبل الصّناعي حسب تصريح، جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق!

الحرب والتدمير والموت الجماعي وفرض المجاعة والفقر والأمراض التي عصفت بحياة العراقيين، لم تتوقّف بمجرّد تحرير الكويت وخروج الجيش العراقي منها وخضوع صدّام حسين ونظامه الإجرامي للعقوبات والمراقبة الدّولية، بل تواصلت بهمّة عالية من أمريكا والدّول الحليفة التي كانت تديم صراعها مع نظام صدّام حسين على أشلاء الأطفال وموتهم المجاني في العراق.
وحتى تحسم أمريكا ملفات هذا النظام فإنّها كانت بحاجة إلى قصّة جديدة تعيد لها قدرتها على التحشيد الدّولي وعقد الأحلاف العسكريّة وشن الحروب. فقصّة هذه المرّة والتي رواها كولن باول، وزير الخارجيّة الأمريكي وقتذاك، وعرض صورها في مجلس الأمن الدّولي، لاتعدو أن تكون شاحنة، قال أنّها مصنع متنقل للأسلحة الكيمياويّة والجرثوميّة التي يمتلكها النّظام الحاكم في العراق وتشكل جزء من ترسانة الأسلحة المخيفة التي يمتلكها وتمكنه من تهديد العالم!

بعد هذه المقدّمة عن قدرة أمريكا على تشكيل الأحلاف العسكريّة ومواجهة المخاطر التي تهدّد أمن العالم ووضع حد لممارسات الأنظمة الدكتاتوريّة التي تنتهك حقوق وحرّيات الإنسان! لابد من التساؤل عن القدرات والإمكانات العسكريّة والسياسّية الحالية بالنسبة لامريكا وامكانات تأثيرها في عقد التحالفات الدوليّة من جديد لمواجهة عدو خطير وفتاك ولايمكن التكهن بممارساته الإرهابية والإجرامية وردود أفعاله، ألا وهو تنظيم الدّولة الإسلاميّة - داعش سابقاً، الذي تمكن من إعادة رسم خرائط الجغرافية وانتهاك حدود الدّول التي ساهم في تحطيمها أو كشف عن الضعف والإنهيار المزي الذي تعيشه وتحوّل إلى كيان قادر على التحكم بالكثير من المتغيّرات السياسيّة في المنطقة وتوازنات القوى فيها.

ما الذي يدفع أمريكا لعدم تقديم صور وحكايات تثير شفقة أو غضب دول العالم وتدفعها لتسخير قدراتها العسكريّة والسياسيّة والاستخباريّة، كما فعلت في المرّات والحقب السابقة التي تحدّثنا عنها في أعلاه، عن وحشيّة هذا التنظيم رغم الإنتهاكات المتواصلة والمجازر التي يرتكبها وتدميره للأرث الحضاري والتاريخي والثقافي في الدّول والمدن التي يسيطر عليها ويصب جام غضبه على سكانها وعلى مظاهر حياتهم التي تتنافى مع قيمه وأعرافه التي يستمدّها من الدّين الإسلامي ومن شرائعه وأصوله وتفاسيره؟، ألا تكفي صور مجازر سبايكر وآل بونمر وسبي النّساء ومخيّمات التشرد العراقي المهول وتحطيم آثار الموصل، على سبيل المثال، لتكون القصّة الكافية لإثارة شفقة هذا العالم وتحريك همته وخوفه وتدفعه للتحرّك بشكل جدّي وفاعل ومُنقذ؟، ربّما، لدفع الشبهات والتمسّك بسرديّة عدم التورط في الصّراعات المباشرة مع هذا التنظيم! والإكتفاء بضربات جويّة متفاوتة القوة والتأثير ولم تتمكن من وضع حد لمخاطر هذا التنظيم أو منعه من اتخاذ زمام المبادرة على الأرض!

أنتوني بيليكون، وكيل وزير الخارجيّة الأمريكي وفي معرض دفاعه عن حلف محاربة داعش الذي تقوده أمريكا يقول: إنّ هذا التحالف قتل أكثر من 10 آلاف من مسلحي داعش خلال تسعة أشهر إلا أن هذا التنظيم مازال متماسكًا وقادرًا على اتخاذ زمام المبادرة!!!

هل تحوّل هذا التنظيم إلى العدو رقم واحد الذي تحتاجه أمريكا لابقاء سطوتها وهيمنتها وقدرتها على إثارة ذعر العالم من المخاطر التي تهدّده، أو لإدامة صراعاته حول ملفات معقدة وشائكة مع إيران وروسيا والصّين، حول النفوذ والبرامج النوويّة والمنافسة الاقتصاديّة؟ كل الوقائع والممارسات تقول نعم، فأمريكا والغرب عمومًا بحاجة لعدو، يسهل أمر الهيمنة والتحكم بالعالم ويساهم بقوة في تعزيز صناعة الأسلحة وفتح أسواق جديدة أمامها، فما حدث ومنذ أنّ ظهر داعش إلى الوجود، أنّ الدّول المصنّعة للأسلحة، طائرات ودبّابات وصواريخ وبنادق ومعدّات أخرى، تمكنت من عقد صفقات ملياريّة مع دويلات الخليج التي تساهم وبقوة في تعزيز نزعات التطرّف ودعم التنظيمات الإرهابيّة وتمتلك الأرضيّة الإجتماعيّة والثقافيّة والدينيّة التي تجعل من قضيّة اختفاء هذه التنظيمات من الوجود أو وضعها في هامش الأحداث الكبرى التي تعصف بالعالم، قضيّة تثير الشكوك وعصيّة على التحقيق!

من حقنا أن نسأل عن معنى قيام تنظيم إرهابي بإجتياح مدن، الموصل على سبيل المثال لا الحصر، وتدمير دول، العراق وسوريا نماذج حيّة وتنز دمًا، ويجعل من مسألة تقسيمها وتفتيتها مسألة وقت لاأكثر أو يتمدّد وينتشر في دول أخرى ليبيا واليمن، بينما يدخل العالم بدوله الكبرى وترساناته العسكريّة الفتاكة ومنظماته القلقة جداً على حياة الإنسان وحرياته ووجوده، في صمت مريب ويعجز عن المواجهة أو تحشيد الجيوش على الأرض لمواجهة داعش وتخليص العالم من شروره وإرهابه وإجرامه؟
إنّها مجرّد أسئلة عن مصير دول وشعوب، مصير ملايين البشر الذي تحوّلت حياتهم ووجودهم إلى ساحة حرب وتصفية حسابات ومصالح!!!

*صمت العالم... مقال نشر قبل ما يقارب العام في موقع الحوار المتمدن وجريدة العالم البغدادية

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=426303