اللهم ارزقنا بعصر جليدي جديد !


عدنان عاكف
2015 / 5 / 28 - 10:24     



لا شك ان الأيام التي سبقت سقوط الرمادي والتي رافقتها و تلتها، قد زلزلت العراق كدولة ومؤسسات وبشر، ولسوف تترك أثارها الخطيرة لفترة سيطول أمدها.. وكان الأشد وطأة على النفس تلك الحروب الاعلامية المقرفة ، أثارتها شلة كبيرة من الخبراء ، والمستشارين، وغربان السياسة، ومن شيوخ وقوادين وفاسدين ، والتي كان ولا يزال هدفها توزيع الغنائم والاتهامات المتبادلة، التي لا يمكن وصف أصغرها بأقل من تهمة الخيانة العظمى. كل هذا يشير الى ان العراق على أبواب الانهيار النهائي، الذي يقود الى دمار لكل شيء، ان لم ينهض المارد المنقذ من تحت جسر بزيبز!!
وكان يمكن غض النظر عن كل هذا، لكن الأمر تعدى كل الحدود المعقولة حين يتبارى نواب ووزراء وممثلي احزاب وتكتلات سياسية ليتنافسوا في كشف المعلومات ذات الطابع العسكري، عن تحركات قطاعات عسكرية ، وعن خطط جديدة، وامدادات بهذا الاتجاه أو ذاك، وعن افتقار القوات المسلحة الى ارادة القتال ( يدعهم في هذا الرأي مجموعة كبيرة من خلف الحدود، مِنْ مَنْ وضع الأساس للبناء السياسي والعسكري الطائفي المريض القائم في البلاد ) وهي معلومات يفترض بها ان تكون بعيدة عن وسائل الاعلام حتى في زمن السلم . يضاف الى كل هذا حفنة من البهارات والفلافل التي أضافها فخامة رئيس مجلس النواب ومعه نصف درزينة من نواب الرؤساء الذين تركوا مناصبهم العليا ومسؤولياتهم الجسيمة في بلد يخوض حربا لا ترحم في أكثر من منطقة من مناطق العراق. لقد تركوا العراق الذي يدعون انهم قادته في أزمته، وسارعوا، كل في طيارته، وبرفقة وفده وحمايته ومستشاريه، الى عمان للمشاركة في المؤتمر الدولي الاقتصادي. ولم يكتفوا بذلك بل شاركو، وكل من جناحه في اطلاق التصريحات التي لا تخدم إلا مأربهم الخاصة.
ولكن علينا الاعتراف بان الصورة لم تكن قاتمة كالحة كليا. لقد سارعت وزارة الدفاع، مشكورة، الى طمأنة الشعب، من خلال تصريحات أدلى بها أكثر من مسؤول عسكري دعت من خلالها المواطن ان يضع في بطنه " عشرة كيلو من البطيخ الصيفي" . فكل ما حصل كان مجرد، نوع من الانسحاب التكتيكي الجديد، الذي ابتكره العراقيون... فخسارة معركة في الانبار لا تعني نهاية الحرب. ومن أجل ان يطمأن الأصدقاء والأشقاء من خارج الحدود ومن خلف بحر الظلمات، احتفل العراق، رغم انف المعتدي بيوم الكلية العسكرية..، فكانت مناسبة لترديد الأناشيد الحماسية والهوسات القتالية..
حتى وزير الدفاع وجد نفسه في وسط بحر هائج من التصريحات والاتهامات اضطرته وبدون ان يشعر ان يعلن على الملئ ان " المعركة التي نخوضها هي معركة " كر وفر "! أو من يدري، قد تكون بالعكس معركة " فر وكر". و اعتبر ما حصل أمر تكتيكي. ولكن عاد فيما بعد ليعلن ان ما حدث شكل خسارة ستراتيجية للوضع الأمني. و من أجل ان لا ينتابنا أي شك في تصريحه الجديد اضطر ان يفسر هذا التناقض بقوله: « في بداية انسحاب القوات المسلحة من الرمادي أبلَغَنا بعض القادة على الارض ان انسحابهم تكتيكي لكن تبين لنا مؤخرا ان الانسحاب لم يكن مبررا ابدا وسنحاسب كل من تخاذل في الدفاع ".
كمواطن يريد ان يعيش بسلام أعلنُ عن تأييدي لمحاسبة ومعاقبة كل من انسحب بدون مبرر او بدون أمر، وكل من تخاذل. وما كنا سنصل الى هذا الوضع المأساوي لو اعتمد المسؤولون منذ البداية مبدأ العقاب بحق المتخاذلين والفاسدين. ولكن من حقي أيضا ان أسأل رئيس الوزراء عن النتائج التي أسفرت عنها التحقيقات التي أجرتها اللجان المختلفة بشأن ما حدث في الموصل وسبايكر وفي غيرها من المواقع ؟ لذا من حقنا، الذي ضمنه الدستور ، ان ندعو الى القصاص من كل مسؤول تسبب في تهديد سلامة وأمن البلد ، ويقف في مقدمة هؤلاء من تقاعس واهمل واجبه في محاسبة المتخاذلين!!
لي صديق عزيز كان يقول : كلما قَرأتَ أكثر كلما زاد جهلك ، لذا نصيحتي ان تبقى بعيدا عن الكتاب. تذكرت صديقي، رحمه الله، بعد ان فهمت باني لا أفهم شيئا في موضوعة الانسحابات التكتيكية، في حين كنت أظن اني خبير متخصص بها. لقد كشفت احداث الرمادي ان مستوى معلوماتي في الأمور العسكرية تحت خط الفقر. سارعت استنجد بمعارفي وأصدقائي ، فخيبوا أملي جميعا. تذكرت رفيق شيوعي ، ترك الحزب قبل ربع قرن فتحول الى صديق مشاغب، يتمتع بقدر عال من الخبث الذي يميز الكثير من الرفاق السابقين. لا زلت أتذكر كيف انه ألقى محاضرة في الخلية الحزبية في منتصف السبعينات حول التكتيك والستراتيج. التجأت اليه طالبا العون، فكان رده على النحو التالي :
" أنت تعرف جيدا اني تركت صفوف الحزب منذ وقت طويل.. أقدمت على تلك الخطوة بمحض ارادتي وانا بكامل قواي العقلية والعقائدية. لذلك كانت تلك الخطوة تصنف وفق الفلسفة الماركسية، ووفق قوانين الدايلكتيك كانسحاب ستراتيجي، وليس تكتيكي، أي انسحاب لا رجعة فيه.. لكني بصراحة لا أعرف الكثير عن الانسحابات التكتيكية التي تحدث هذه الأيام. أنصحك بالعودة الى قصة " الموروز "! التي قد تنفعك. انها أفضل ما يمكن ان يوضح معنى الانسحاب التكتيكي ". واليكم مختصرها المفيد :
خلال حرب حزيران عام 1967 كنت طالبا في جامعة موسكو. بعد انتهاء حرب الأيام الستة انتشرت الكثير من النكات والنوادر، ومن بينها نكتة خبيثة موجعة محزنة، عرفت بنكتة " الموروز ". والموروز كلمة روسية تقابلها في القاموس الروسي العربي كلمة صقيع ، وفي القاموس الانجليزي كلمة ( فروست ) والتي تعني صقيع أو تجمد.. ولكن الكلمتان لا تعكسان بدقة روحية الكلمة الروسية.. انها كلمة تتعلق بحالة مناخية تشمل منطقة ما، وهي حالة لا تحدث في منطقتنا الجغرافية، ولا تحصل إلا في البلدان التي تتميز بشتاء قارص شديد البرد. واليكم النكتة:
تسأل معلمة التاريخ أحد التلاميذ ان كان يعرف اسم قائد عسكري أو سياسي بارز، ومشهور في التاريخ الروسي، فيجيب التلميذ:
_ كان هناك قائد اسمه كوتوزف. عندما هاجم نابليون روسيا لجأ الى الانسحاب التكتيكي، فتراجع حتى وصلت القوات الروسية حدود موسكو. انتظر حتى حلول موسم الشتاء. وعندما حل الموروز ( الصقيع ) عجز الفرنسيون من تحمل شدة البرد فهاجمهم كوتوزف، والحق بجيش نابليون هزيمة نكراء.
التفت المعلمة الى تلميذ آخر وطرحت عليه نفس السؤال ، فأجاب :
_ ستالين. عندما هاجم هتلر الاتحاد السوفيتي انسحب الى حدود موسكو، وتوقف هناك بانتظار هجوم الزمهرير. لم يعتاد الجنود الألمان مثل هذا البرد القارص فبدأوا يهربون من مواقعهم. عندها هاجمهم ستالين فحولهم الى شذر مذر.
ثم جاء دور التلميذ الثالث، فكان جوابه :
_ أعرف قائدا اسمه عبد الناصر. عندما هاجمت اسرائيل مصر لجأ عبد الناصر الى الانسحاب التكتيكي، فتراجع حتى وصل الى الضفة الأخرى من قناة السويس. وما زال ينتظر هناك.
_ وماذا ينتظر عبد الناصر ؟ سألت المعلمة تلميذها الذكي.
_ انه ينتظر ( الموروز )!
انتظر المصريون في حينها ست سنوات أمضوها في التهيئة والاستعداد لمعركة جديدة، فكان لهم ما أرادوا، في اكتوبر من عام 1973، وحرروا الأرض بتضحياتهم، وبدمائهم بدون عون من ( الموروز ) الذي لم تعرفه مصر منذ نهاية العصر الجليدي الأخير قبل نحو عشرة آلاف سنة.
وجوه كبار المسؤولين العراقيين الذين سافروا الى عمان للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي تتناوب على شاشات الفضائيات. بينهم رئيس مجلس النواب ورئيس اقليم كردستان وثلاثة من نواب الرئيس.. وقد لعب هؤلاء دورا استثنائيا كبيرا في شرح الخطط العسكرية الستراتيجية بشأن الانسحابات التكتيكية من الأنبار.
ليس أمامنا سوى ان نشد على أيدي مسؤولينا الأشاوس! ولكني رغم هذا وجدت نفسي أصلي وأقول :
اللهم ارزقنا باعصار ثلجي أهوج ، يُزْمهِر* عيوننا ويحول دون رجوع هؤلاء المسؤولين من أصحاب الوجوه المزمهرة الى أرض العراق الى يوم ينفخ بالصور !
لنرفع أيدينا الى السماء طالبين الرحمة والغفران، ولنردد جميعا في الجوامع والحسينيات، و في الكنائس . ولندعو بصوت واحد :
اللهم ارزقنا بعصر جليدي جديد ليتسنى لنا البدء بالهجوم الستراتيجي لتحرير الأنبار من داعش .آمين يا رب العالمين!!!
متى سيحين موعد هذا العصر الجليدي؟ العلم عند الله. قد يحدث ذلك بعد بضعة آلاف من السنين، أو بعد مئات الآلاف، أو ملايين السنين. الخبراء في علم الفلك يشيرون الى ان شمسنا سوف تبدأ بانسحابها الستراتيجي من مجرتنا، حين يبدأ خزينها من وقود الهيدروجين بالنفاذ، بعد نحو أربعة آلاف مليون سنة.!!
هل علينا انتظار أربعة مليار عام ؟ اعتقد ان انتظار قدوم ( موروز ) المنقذ الى العراق أمر عبثي، وقد يكون أكثر عبثية من انتظار المرحوم غودو. لا بالتأكيد لن ننتظر. فلدى العراق حل آخر أكثر فعالية وأسرع بكثير. البحث عن حليف جديد أمين ومخلص ومجرب منذ ان عرفت البشرية شيء اسمه التفاوت الطبقي، اللجوء فورا الى الفئات ذات المصلحة الحقيقية في التغيير الفعلي والحقيقي. انهم بالذات من أبعدتهم السياسة الخرقاء، وقذفت بهم في ساحات وشوارع المدن العراقية يتظاهرون بصرف رواتبهم التي قطعت عنهم منذ شهور ويطالبون بالحفاظ على المؤسسات والمصانع العراقية.. ومن بين هؤلاء ستلد القوة الفعلية الحقيقية القادرة على التغيير وتصحيح ما ارتكب من أخطاء. ولن يتسنى فعل ذلك إلا بالتخلي عن الوهم، الذي ما يزال يراود السيد العبادي والقوى السياسية الخيرة، في قدرة القوى المتنفذة ، التي قادت البلاد الى ما هي فيه، على مجابهة المخاطر المحدقة بالوطن. وكخطوة أولى في الاتجاه الجديد هي ان يتحلى الدكتور حيدر العبادي، بشجاعة استثنائية قادرة على اكتساح قوى الفساد والاقدام على اعلان حالة الطوارئ، وقبل فوات الأوان .. توكل على الله ، واعلم انها الفرصة الأخيرة لانقاذ ما تبقى، وسأكون في مقدمة الشبان المتطوعين في فوج حمايتك!!!
* ازْمهِرّ وجهه : كلح وعبس ؛ زَمهَرت عيناه : احمرّتا من الغضب ؛ ازْمهِرَّ ، ازمهرارًا ، فهو مُزمهِرّ