لرفاقنا الذين سبقونا بدفع الثمن


أحمد محمد منتصر
2015 / 5 / 26 - 03:34     

لأجل أولئك الذين سُجنوا و هم يدافعون عن أرضهم عِرضهم قضيتهم , لأجل رفاقنا الذين حملوا علي عاتقهم حلم تخليص البشرية من إستعبادها التاريخي , لأجل آلاف الأرواح التي زُهقت بِفعل أوامر مُعطاة من جنرال خادم و مُطيع للرأسمال , لأجل آلاف مؤلفة من المعتقلين الذين يدفعون ثمن الكثير و الكثير من أجل تخليص البشرية من شتي أنواع السلطوية ولا ينتظرون منا غير الولاء و الوفاء لهم , و إعترافنا بولاءنا لرفاقنا الذين سبقونا بشرف دفع الثمن هو أن نملأ الأرض ضجيجياً دوماً ما حيينا دفاعاً عن أفكارهم و إكمالاً لحلمهم في التحرر , إنني أتحدث اليوم عن الرفيق المُعلّم المقاتل - محمود أبو حديد - الذي نهلَ من بحر الماركسية و تشبّع بالأفكار اللينينية التنظيمية و تسلّح و اتسم بالصفات القتالية التروتسكية , نعم إنه رفيقي المُعلّم الذي وهو في محبسه الآن ما زال يحمل علي عاتقه حلم التغيير , و ما زال عقله يفكر في كيف تنتصر الثورة , و ما زال يناقش و يرسل و يكتب عن أدوارنا و الأدوار الحقيقية لمناضلين محترفين يكونوا مستعدين و متأهبين لقيادة إنتفاضة مندلعة للإستيلاء علي السلطة و إفناء و القضاء علي مؤسسات الدولة ( الجيش و الشرطة و القضاء ) , ما زال رفيقي يعنيه كل ذلك حتي و هو محبوس الآن علي أثر حكم غيابي بالسجن 10 سنوات .
ليست أفكارك التي تحملها يا رفيقي هي السبب الوحيد اذي أودي بك إلي مصير الإعتقال فالعديد و العديد من الدوائر المغلقة و المُسببات أودت بالنهاية إلي إعتقال الرفيق - أبو حديد - فالدولة هي أول أداة سحق لأي مُنتمي لبني الإنسان , ثم الجامعة التي أعتبرها أحد دروع الدولة في وأد و سحق المناضلين , ثم بعض الإنتهازيين الذين يعتبروا إعتقال الرفيق هو مصدر سعادة بالنسبة لهم لأنه علي حد وصفهم فهمو " مُخرب " بالنسبة لهم .
نتحدث أولاً عن الدولة , الدولة هو ذلك الجهاز الوضعي الذي نشأ بفعل مجموعة قررت أن تُنصّب نفسها فوق المجتمع بحجة تنظيم و توفيق العلاقات بين أفراد ذلك المجتمع , و ارتضت لنفسها دستوراً تعمل علي تطبيقه لخدمة مصالحها و استخلصت لنفسها أجهزة تحميها و مؤسسات تعمل علي تقوية عمودها الفقري , فالدولة هي أداة قتل لمجموعات و جهاز خدمي لمجموعات أخري , فالطبقة الحاكمة بجنرالاتها و رجال أعمالها تكون الدولة بالنسبة لهم هي جهاز خدمي يعمل علي توفير رفاهيتهم , أما طبقة العامة من الشعب أمثالنا فالدولة لنا أداة قتل , فلا تستعجبوا أن تجدوا ذويكم ذات يوم مقتولين برصاص أو معلقين علي مشنقة أو مُحتجزين في السجون لأي سبب من الأسباب , فرسالة الرفيق - أبو حديد - كانت واضحة منذ البداية وهو كالعديد من رفاقه الذين حلموا بمجتمع جديد إنساني قادر علي تحطيم الفجوات الطبقية بين أفراده , مجتمع قائم علي أنقاض الرأسمالية العِفنة التي جرّدتنا من إنسانيتنا , فمن الطبيعي أن تكون الدولة بالمرصاد له و لأمثاله , و لم تكن هذه هي المرة الأولي للرفيق أن تزج به الدولة في سجونها , فمن قبل في يوم 28 يناير 2011 المعروف بجمعة الغضب تم إعتقاله , و الآن تعتقله الدولة علي خلفية قضية قطار البدرشين منذ عهد الإخوان علي أثر حكم غيابي بـ 10 سنوات سجن .
ثم الجامعة التي تسير علي نهج الدولة القمعي التي حوّلت الرفيق المهندس إلي عامل خزانات ثم إلي فرّان ثم إلي عامل قهوة بِفعل الفصل التعسفي له لثلاث سنوات لم تنتهي حتي الآن , و لا أنتقص من هذه الأعمال قدرها و لكن ما أعرضه هو إنتقاص الدولة لقيمة الإنسان و سلبه حق تقرير مصيره و ما يطمح بأن يكون هو عليه , و الدولة تعلم بأن الجامعة هي مهد إعداد المناضلين لذلك تفرض قبضتها الساحقة من خلال عمداء أمن الدولة خاصتها و مخبريها المنتشرين في أروقة الجامعة كلها .
كل التعسّف الذي طال رفيقي في الجامعة ثم أودي به في النهاية إلي الإعتقال كان لمجرد إعتناقه و إيمانه الدائم بانتصاراً نهائياً للثورة على يد حكومة و سلطة عُمّالية خالية من رجال الأعمال هو فقط ما يمكن أن يحقق جميع مطالبنا ويبني المجتمع الإنساني و يُحرر جميع رفاقنا وأصدقاءنا والمواطنين المعتقلين دفعة و مرة واحدة للأبد , ونحو هذا : نحو بناء تنظيمات وحزب عمالي ثوري ينشر افكار انتصار الثورة ويقودها نحو الحكومة والانتفاضة العمالية ، نحو طريق الثورة الاشتراكية ، نحو هذا كرّس كل مجهوداته و طاقاته التحريضية , كل هذا هو نِتاج أفكار يعاقب عليها رفيقي بالسجن 10 سنوات .
ولم يسلم الرفيق أبو حديد حتي ممن تظاهروا يوماً ما برفاقيته , فرفاق الأمس هم إنتهازيو اليوم , فلك أن تتخيل أن المكتب السياسي لمنظمة الإشتراكيين الثوريين لم يصدر حتي الآن أي قدر تضامُن نحو فاجعة إعتقال الرفيق , من يتضامنون ليلَ نهاراً مع شتي المظلومين من بني الإنسان علي الأرض لم يتضامنوا حتي الآن مع الرفيق أبو حديد , أليست أهمية التضامن مع الرفيق اقل قدراً من التضامن مع لاعب الكرة أبو تريكة " علي حد قول الرفيق السايس " , فأنا لا أستعجب موقف قيادات المكتب السياسي و هم من تهجّموا عليه بالأمس و وصفوه بـ " المُخرّب " وقت أزمته مع الجامعة , تلك القيادات التي قامت بدور التصفية للحركة الطلابية " طلاب الإشتراكيين الثوريين " بجامعة الإسكندرية و إتهامها بالتطرف , فمن المتطرف الآن ؟؟
أنتم المتطرفون عن خط الثورة التي تعلمونه جيداً و تبتعدون عنه شيئاً فشيئاً , هذه القيادات التي حوّلت الأفكار الماركسية إلي حِكر و ارتضت لأشخاص معينة فقط بإحتكارها و ما سوي رأيهم يعني التطرف و التخريب , و الآن من يدفع الثمن ؟
يدفع الثمن رفيقي المقاتل أبو حديد الذي في محبسه الآن الذي ما زال يعنيه أمر كل المناضلين الحالمين بمجتمع أفضل للبشرية أكملها , فالمكتب السياسي رؤيته هي التصفية الكاملة للحركة الطلابية , و رفيقي يرسل لنا من محبسه يقول " إن ثورة تنتصر عبر الهيمنة الجماهيرية الدائمة على جميع المسئولين وأعضاء الحكومة - تلك الهيمنة لن تأتي سوى بإنتشار الإشتراكيين الثوريين المؤمنين الناشرين لضرورة الاستيلاء على السلطة لقيادة الثورة نحو الانتصار بكامل مداها (إفناء مؤسسات القمع الثلاثة البوليس - القضاء - الجيش)- هي الطريق الوحيد لانقاذنا بشكل كامل ونهائي من بلطجة ظباط البوليس الذين اعتقلوني يوم امس الاربعاء " .
رفيقي يحثنا أيضاً في رسالته من محبسه علي نشر دعاية كيف الطريق إلي انتصار الثورة؟ (برنامج يشرح دور كل فرد عامل، طالب، مثقف في هدم مؤسسات الدولة مؤسسات القمع حيث تسيطر الطبقات المضطهدة علي السلطة في البلاد عن طريق نزعها من البرجوازية عبر انتفاضة واسعة يتمكن فيها العمال وتنظيمهم من إحراز النصر)
كل هذا تحدث فيه الرفيق من محبسه , كل هذا كان يعني رفيقي , فماذا كان يعني بعض الإنتهازيين الذين يرددون الشعارات الإشتراكية الرنانة من جهة و من جهة أخري يقفوا صامتين أمام إعتقال رفيق من دعائم الحركة الطلابية بجامعة الإسكندرية .
رفيقي الذي يدفع ثمن ما كرّس حياته و طاقته لأجله يرسل إلينا ليخبرنا عن مدي ثباته و بالرغم من آلام التعب الجسدية و النفسية التي لحقت به في زنزانته إلا أنه ما زال وسط مواطنين آخرين نالتهم سلطوية و حقارة الشرطة و جميعهم علي يقين بضرورو إفناء هذا الجهاز القمعي و يرسل إلينا أيضاً إعتذاره بعد كل هذا عن عدم إتمام دوره علي أكمل وجه !
ألن يُشعركم هذا بقليل من الخزي و العار يامن أوجه لهم حديثي من مُدعي الماركسية ؟ إنه يرسل رسالاته هذه لعلكم تتعظوا و تفهموا أيضاً تقصيركم الشديد تجاه مشروع تبنيتوه من قبل و حتي الآن لم تفعلوا شيئاً من أجل الإنسانية التي تدّعون العيش من أجلها , رسائلك يا صديقي مفهومة لمن صدّقوك و صادقوك , لمن يشهدون لك بتحملك حلم تخليص البشرية من عنائها الدائم و الأزلي , حتي و إن كانت خطاباتنا و كتاباتنا و دعاوينا الثورية أصبحت محل ملاحقة فالثمن سيُدفع في وقتٍ ما عاجلاً أم آجلاً و كما قلت " من الثوار من لن يصالح على دماء وحرية رفاقه " فإننا لن نصالح دوماً علي دماء زُهقت من أجل الحرية و علي حريتك التي قُيدت و حرية آخرين نعلمهم و آخرين لا نعلمهم و سأختم حديثي هذا بأقوالك التي يدّعي البعض أنها مجرد شعارات , و لكن هذه الشعارات بمدي تحمّلها تصبح يوماً ما دستوراً و عقيدة ينتمي إليها مُدافعوها .
المجد للشهداء والحرية للمعتقلين والنصر للثورة.
الثورات تظل دائمة.
تسقط حكومة رجال الأعمال.
الموت للبوليس والقضاء والجيش.
لا حل سوى الثورة الإشتراكية والحكومة العمالية لإنتصار الثورة.