إلي عزيزي المواطن


أحمد محمد منتصر
2015 / 5 / 15 - 07:30     

إلي عزيزي المواطن المتواجد في حيز كوكب الرأسمالية الأرضي , القاطن تحت سماء اخترقتها ناطحات السحاب و الأبراج , و أرضٌ تجولها الدبابات و يُراق بها الدماء و تُنتهَك فيها حقوق من هم ليسوا أهلٌ لناطحات السحاب و الأبراج , تحياتي إليك عزيزي مُرسَلة من مواطن درجة دُنيا في إحدي دول العالم الثالث , من بين العشوائيات المتمركزة علي أطراف العاصمة الثانية للبلاد , المُتمترس بداخلها العديد من الثكنات العسكرية لجيش الدولة النظامي و عديد من الكمائن و النقاط البوليسية , أياً كان موقعك مني جغرافياً فأنا أرقد في الدرك الأسفل من المجتمع العالمي و أعيش بمعونات من جعلوهم إجبارياً أشقّائي و أحارب ضد من جعلوهم هم أعدائي .
أنا الذي وُلد بأواخر القرن العشرين فوجد نسلُ القاتل قابيل لم يختلف كثيراً عن أسلافهم من القرون الماضية فهذا ما وجدوا عليه آبائهم و أجدادهم , اقتل لتعيش نعم فلتقتل برصاصك حتي ينفذ , ثم ضع السلاح جانباً و اقتل مرة أخري , اقتل بِسم الله و بسم الدين و بِسم الحرية و بِسم الإستثمار و بِسم الأموال و الأهم أن تقتل لتعيش .
آسف عزيزي المواطن فلم أتمكن من معرفتك , و لكن ما أعرفه أنك إن كنت من طبقتي الدُنيا فستفهم ما أعنيه تماماً و سيعنيك ما أقوله بقدر ما حياتك تُعنيك , و أما إن لم تكن من طبقتي فستكون سعيداً جداً بفنائي و فناء طبقتي و حتماً ستكونُ أسعد و أنت تراني كـ الترس مطحون يومياً في آلة صنعتها أنت و طبقتك تستثمرني فيها مثلما تستثمر أموالك .
لا يشغلني مكان تواجدك علي هذا الكوكب الأسود قدر ما يشغلني دورك في إنتشال بقايا بذور الإنسانية المتواجدة حتماً في بِقاع كثيرة من هذا العالم , فوباء الرأسمالية ضرب العالم أجمع و أعراضه ظهرت بوضوح علي البشرية بأكملها , فالجميع مصاب و لكن قليلون من قاوموا الوباء , فمن رضخ لوباء الرأسمالية قبِل قوانين وضعية إستغلالية غير آدمية بالمرة , و من قاوم حتي إن لم ينتصر فقد حافظ علي بعض من إنسانيته و آدميته .
عزيزي المواطن مهما إختلف موقعك أو دينك أو جنسك أو لغتك فحتماً ستعاني من الرأسمالية , ستعاني من طحنها أو من رفاهيتها , أناس ينتحرون من الحاجة و آخرون من فيض الحاجة , أناس يشتكون الأمراض و الأوبئة و آخرون شكواهم الإكتئاب , فما زلنا نعيش في عالم القتل المُباح , فقديماً قتلوا بالرصاص و الآن يقتلوا بالدولار .
لقد قسّموا عزيزي المواطن بيننا بحدود ابتكروها هم لكي يحفظونا داخلها و لن تتعداها إلا بإذن رب البلدة , فأنا هنا محبوسٌ لست بالزنزانة و لكن خلف الحدود و مُسلّطٌ عليّ أسواط ليست من الجِلد و لكن من الإستغلال و الفقر , عزيزي المواطن لقد أتممت ستةُ عشرَ عاماً أتعلم و لكن ما استفدته حقيقة خلال هذه الرحلة أنني تعلّمت القراءة و الكتابة , فقد لقنوني ما أرادوه من تاريخهم و جعلوني أحفظُ ذلك و ذاك , ثم التحقت بالجامعة و أدرس بكلية العلوم لا لإنني أحبها و لكن لم يحالفني الحظ بكلية الهندسة , ثم بعد شهور قليلة سيذهب كثيرون من بني جيلي لأداء ما يسمونه بالخدمة الوطنية , و من المحتمل عزيزي المواطن أن نلتقي يوماً ما في ميدان حرب نقتل بعضنا البعض , فكما أبلغتك ما زلنا نعيش في عالم القتل المُباح .
عزيزي المواطن أحياناً تكون جريمتك أنك إنسان , و سيتم وصمك بأبشع الصفات و تُلفّق لك الإتهامات إن ناصرت يوماً حقاً , فداخل حدودي هنا للحق سيفٌ لا يحميه بل يضيعه إذا تم المطالبه به , و يؤسفني أن أبلغك أن وباء الرأسمالية استشري ليس بين البشر فقط بل في أذهانهم و أفكارهم , فالرأسمالية لم تنجح إلا عندما جعلت البشر أنفسهم في علاقاتهم مجردين تماماً من مشاعرهم و مبادئهم لا يفكرون سوي في المادة و فقط , الرأسمالية جعلت المادة مسيّرة لحياتنا و علاقاتنا بشكل كبير , بدون المادة عزيزي المواطن لا قيمة لك حتي إن كنت ذو علم أو مباديء , فمن الممكن أن تكون ذو علم و المادة فقط هي من ستظهر علمك هذا إلي النور , ثم نأتي للعلاقات الشخصية التي تُعكر صفوها المادة , فنجد الأب عند إختلاف رأي أو موقف ما مع الإبن مردداً جملة نسمعها كثيراً في أوساطنا " ألست أنا من كبّرك و صرف عليك ... " , حتي العلاقات السامية كالزواج و الإرتباط باتت مهددة بالفشل بسبب المادة , فكم شريكين اتفقا علي أن يكونا بحياة بعضهما و لظروف مادية فشلت علاقاتهم , أليست كل هذه المأساة مما جنته الرأسمالية و ما زرعته و غرسته في أذهان المجتمعات .
عزيزي المواطن المشكلة تكمن في قطيع مُسيّر بأدوات عديدة , و حينما شردت عن القطيع اتهموني بالتطرف , فعندما قرأت أصبحت في نظرهم مُتخلّف , و لما بحثت جعلوني مجنوناً , و لما ناقشت سدوا آذانهم , و عندما رأوا الحقيقة أغشيت أعينهم , و حينما استدعيت ضمائرهم هنا نطقوا بأنها سُنة الحياة و هذا هو المُقدر و المكتوب , أمُقدرٌ علينا الفساد و الفُجر و التجبرت , أيُ عدل هذا من يرتضي بذلك قدر , أيُ حياة نحيا و نحن من سيء إلي أسوأ , و أولاة أمورنا طواغيت و رجال ديننا مرتزقة , و من جَدّ لا يجِد , و لا يصح إلا ما في نظرهم فقط صحيح .
فلتسقط عزيزي المواطن كل الحدود التي قسّمونا بها , فلتسقط الحروب التي إختلقوها لنتناحر فيما بيننا و هم جالسون يعطون الأوامر من قصورهم و ثكناتهم , فلتسقط رأسماليتهم بأفكارها العفِنة و سلطويتهم المستَمدة من قوانينهم الوضعية , كل الدعم و التضامن مع أي حركة مقاومة نضالية في أي بقعة من بقاع هذا الكوكب الرأسمالي يُطلب بها حق أو يُنتزع بها إستقلال أو تُشعل بها إنتفاضة ثورية إجتماعية , فجميعنا سواء تحت سوط الرأسمالية , فيا أعزائي المواطنين اتحدوا .