مغزى ذكرى اﻹنتصار على النازية


نعيم الأشهب
2015 / 5 / 11 - 22:58     

تصادف هذه اﻷ-;-يام الذكرى السبعون للإنتصار على النازية في مناخ دولي تتفاقم فيه مظاهر التوتر ونذر حرب باردة جديدة. ومردّ ذلك ، في اﻷ-;-ساس ، إصرار واشنطن على تكريس هيمنتها على العالم ، متجاهلة مجمل التطورات العاصفة في العقود اﻷ-;-خيرة التي تؤكد افول عصر القطب الواحد ، الذي نشأ عقب انهيار اﻹ-;-تحاد السوفياتي.
وعلى خلفية هذا المناخ المسموم ، كانت الظاهرة البارزة التي طغت على اﻹ-;-علام الغربي بمناسبة هذه الذكرى المجيدة هذا العام ، التزييف الفاضح ، حتى حدود الوقاحة ، لوقائع التاريخ ؛ ولعلّ أكثرها تحديا للحقيقة الزعم بأن تدخل الجيش اﻷ-;-ميركي شكّل العامل الحاسم في هزيمة ألمانيا النازية! .
من المعروف أن الوﻻ-;-يات المتحدة وبريطانيا تشرشل تعمدتا ، عن وعي وتصميم ، عدم فتح الجبهة الغربية إﻻ-;-ّ في صيف 1944، حين جرى اﻹ-;-نزال في نورماندي الفرنسية. ولم يكن هذا التأخير صدفة أو ﻷ-;-سباب فنية ، وإنما لترك الجبهة الشرقية مع اﻹ-;-تحاد السوفياتي تستقطب معظم قوات هتلر ، وذلك لمنح هتلر الفرصة الكافية للقضاء على اﻹ-;-تحاد السوفياتي إن أمكنه أو، في أضعف اﻹ-;-يمان ، انهاك الطرفين ، السوفياتي واﻷ-;-لماني ، واستنزاف قوتهما ، بحيث تغدو طريقهم - أي الوﻻ-;-يات المتحدة وبريطانيا - للسيطرة على العالم ممهّدة. وحين فتحوا، أخيرا، الجبهة الغربية كان الجيش اﻷ-;-حمر السوفياتي قد حرر ليس فقط أراضيه بل وبعض بلدان أوروبا الشرقية. ويمكن اﻹ-;-عتقاد بأن أحد الدوافع لفتح هذه الجبهة كان الخشية من أن تصل عمليات الجيش اﻷ-;-حمرالى دول في غرب أوروبا وليس شرقها فقط.
لقد كلفت الحرب العالمية الثانية البشرية خمسين مليون ضحية ، وهي اﻷ-;-فدح في تاريخ البشرية كله، كان نصيب الشعب السوفياتي وحده منها ستة وعشرين مليون ضحية ، أي أكثر من نصف كل ضحايا تلك الحرب الوحشية . أما الوﻻ-;-يات المتحدة فكانت الرابح اﻷ-;-كبر من تلك الحرب . فعدا أنها لم تصبها رصاصة واحدة من تلك الحرب ، فقد تضاعف اقتصادها حوالي أربع مرات بسبب تلك الحرب ، حيث غدت مصنع العالم ، بعد تدمير مراكزه اﻷ-;-ساسية اﻷ-;-خرى . وحين انتهت تلك الحرب كان اﻹ-;-قتصاد اﻷ-;-ميركي يعادل نصف إقتصاد العالم كله. ومع ذلك ، فاﻹ-;-تحاد السوفياتي الذي دمرت الحرب أكثر من سبعين ألف مدينة وقرية فيه ، والذي من المشكوك فيه أن أية دولة سواه كانت قادرة أن تنهض من هذا الدمار الشامل والمريع ، تغلب في زمن قياسي على اثار تلك الكارثة ، وكان اﻷ-;-ول في إطلاق قمر صناعي الى الفضاء أواسط خمسينات القرن الماضي، ثم اﻷ-;-ول ﻹ-;-رسال إنسان خارج اﻷ-;-رض.
لقد انهيار اﻹ-;-تحاد السوفياتي من داخله ، نتيجة أخطاء وخطايا ذاتية ، ووجدت الوﻻ-;-يات المتحدة نفسها القطب العالمي الوحيد .لكن منذ اللحظة اﻷ-;-ولى لهذا اﻹ-;-نهيارانهمكت واشنطن في العمل على تحويل كل الجموريات التي انفصلت عن اﻹ-;-تحاد السوفياتي وكذلك بلدان شرقي أوروبا الى معاداة روسيا وعزلها؛ ولم تكتف بذلك بل راحت تكثف جهودها لتفتيت روسيا نفسها، ونشطت في تمويل وتحريض العصابات اﻹ-;-رهابية، الشيشانية وغيرها. وفي العقد اﻷ-;-خير أقدمت على مغامرتين استراتيجيتين ضخمتين ضد روسيا وبغرض عزلها وتطويقها ، اﻷ-;-ولى في جورجيا ، عام 2008، والثانية في أوكرايينا قبل أكثر من عام. أما النتائج فلم تكن مجرد الفشل ، بل والخسارة الخالصة لواشنطن ومن راهنوا عليها في البلدين.
إن محنة واشنطن تكمن في تجاهلها حركة التاريخ التي ﻻ-;- تعرف التوقف، وتصوّرها بأن التاريخ تجمد لحظة انهيار اﻹ-;-تحاد السوفياتي عام 1991، حين وجدت نفسها القطب العالمي الوحيد . لكن الواقع يقول
أنها فقدت منذ انهيار اﻹ-;-تحاد السوفياتي الكثير من قوتها النسبية وتراجعت إمكانياتها للعدوان المباشر. وجاء هذا حصيلة للعاملين التاليين : اﻷ-;-ول - آثارالمغامرات الفاشلة التي خاضتها ، مباشرة أو بالوكالة -علاوة على جورجيا واوكرايينا - في أفغانستا، والعراق ، وما تخوضه ، اليوم، بالوكالة ، عبر العصابات السلفية واتباعها في الخليج واسرائيل ، ضد شعوب الشرق اﻷ-;-وسط ، هذه الحروب المحكومة بالفشل المؤكد ، رغم ما تسببه من خسائر ودمار.. أما العامل الثاني ، فهو مفاعيل أزمة النظام الرأسمالي نفسه في الوﻻ-;-يات المتحدة ، والتي اندلعت آخر موجاتها عام 2008، وما تزال مفاعيلها تتدحرج . فالدين العام على الخزينة اﻷ-;-ميركية وصل الى ثمانية عشر تريليون دوﻻ-;-ر، متجاوزا إجمالي الناتج القومي اﻷ-;-ميركي ، واﻹ-;-قتصاد اﻷ-;-ميركي مقدم على انكماش جديد، كما توحي مؤشرات تباطئه في الربع اﻷ-;-ول من العام الجاري.
ولعل اﻹ-;-ستعراض العسكري الذي جرى في موسكو بمناسبة اﻹ-;-نتصار على النازية ، وهو اﻷ-;-ضخم في تاريخ روسيا وتضمن الكثير من اﻷ-;-سلحة العصرية والمتفوقة ، يذكّر صقور واشنطن ، مع الحقائق اﻷ-;-خرى المتسارعة من أمريكا اللاتينية الى الشرق اﻷ-;-قصى وغيرها من بقاع اﻷ-;-رض ، أن زمن الهيمنة اﻹ-;-مبراطورية في طريقه الى زوال ، وأن عصر الشعوب التي تتسارع حركتها هو البديل المؤكد ، وأن التزييف الرخيص لوقائع التاريخ لن يغيّر شيئا في هذا المسار.