العلمانية، بين أوروبا القرون الوسطى وواقعنا اليوم

يزن حداد
2015 / 5 / 11 - 08:57     


العلمانية؛ شعار ترفعه بعض الأحزاب وترفضه الأُخرى، أو عنوان فرعي لفعالية ثقافية أو فنية، وهي اليوم محور الجدل القائم وركيزته. ألا ينبغي الآن وقف محاكمة العقول أمام قضاة التخلف؟ كيف أفضى بنا عدّاد التاريخ للرجوع إلى الوراء مئات وآلاف السنين؟ وكيف لنا أن نفهم جدل العلمانية دون إعادة تعريف بعض المفاهيم والمصطلحات المستلبة لصالح قاموس الرأسمالية؟!


العلمانية، الديمقراطية، الحرية.. هي مفاهيم ثقيلة بلا شك، لها وقع خاص في وعي الناس، ويتم تداولها على نطاق واسع، لكن يمكننا أن نخمن بسهولة الصيغة التي يتم تداول هذه المصطلحات بها، صيغة تسطيحية مجردة ومفرغة. لسنا هنا بصدد الخوض في سجالات فلسفية مرهقة، وإن كانت الفلسفة هي مفتاح فهم السياسة، ولسنا في معرض سرد التاريخ الأوروبي من جديد، وإن كان هذا التاريخ مفتاحاً لفهم واقعنا اليوم، بل نسعى إلى مقارنة الظروف التاريخية التي ترعرت في كنفها سيرورة العلمنة من جهة، وراهنية الخيار العلماني في ظروف الواقع العربي من جهةٍ أُخرى.

مقدمة تاريخية

في أوروبا القرون الوسطى، ساد نمط الإنتاج الإقطاعي في حقبة امتدت مئات السنين، زاد خلالها استبداد الملَكيات المطلقة التي كانت ترعى مصالح النبلاء وملّاك الأرض الأغنياء، أمّا الكنيسة فقد اضطلعت بوظيفة سبغ الشرعية “الإلهية” على حكم الملوك وأمراء البلاط، حتى يتسنى لهم استغلال الفلاحين والفقراء بمبررات واهية، لأن المؤسسة الكنسية التي ادّعت أنها تحمل “مفاتيح الجنة” حصراً لديها، هي المصدر الوحيد للأيديولوجيا في تلك الفترة الأكثر ظلاماً؛ كون امتلاك أية توجّهات أُخرى، وإن كانت إصلاحية من داخل الكنيسة كمارتن لوثر وجون كالفن على سبيل المثال، يعدّ هرطقات شعبية في نظر هذه الكنيسة.

الإقطاع يضم المزيد من الفلاحين يومياً إلى جيش المستعبدين في أراضيه، الملوك يمنحون الأراضي للأغنياء ويضطهدون الفقراء بسبب فقرهم، والكنيسة تصدر “صكوك الغفران” للمستضعفين جسراً إلى السماء لتأجيل غضبهم على الأرض. معادلة تعمل فيها ثلاثة أطراف بصورة متكاملة، ثالوث قروسطي تمخض عنه حراكات اجتماعية واسعة ورافضة له، ونهضة علمية تنويرية مناوئة للاهوت والإقطاع.

كانت هذه شرارة العلمنة الشاملة التي اجتاحت أوروبا في القرنين السابع والثامن عشر، ليتمّ تتويجها بثورة صناعية قادتها القوى البرجوازية بدايةً وانعكست في تحديث بنية المجتمعات (برغم نتائجها الكارثية على الطبقة العاملة الجديدة، التي أفضت إلى ظهور التنظيمات الاشتراكية)، وانطلاق ثورات سياسية اكتسحت الأقطار الأوروبية والعالم احتذاءً بالثورة الفرنسية الظافرة. يقول ماركس أن الفلاسفة “هم ثمار عصرهم وشعبهم”، وهو ما بدا جلياً في تلك الحقبة السوداء من تاريخ أوروبا، فقد كان للأيديولوجية العلمانية أعلامها الذين عبّروا عن واقعهم المنهك جراء انتشار محاكم التفتيش واغتيال العقول!

لم يقتصر الأمر على إسكات الأصوات التي طالبت بتحرير الفكر والعلم من ربقة الدين وحسب، بل تعدى الأمر ذلك ليحمل بعداً طبقياً في داخله أيضاً، فكما أشرنا سابقاً كانت المنظومة الكنسية تعمل بصورة محايثة إلى جانب المنظومة الملَكية والإقطاع، أي أنها كانت تمثّل إقطاعاً مستتراً في بنيتها ونطاق عملها الأيديولوجي، الذي كان يجسد قوةً مادية حينما استحوذ على الجماهير.

تفجّرت الأقلام المعادية لسلطة الكهنوت في ذروة الانحطاط الذي اعتلى الإمبراطوريات القديمة، تعالت الأصوات المطالبة بتكسير قيود الدين الذي كبّل مختلف نواحي الحياة، عصرٌ زخر بالأسماء اللامعة التي وقفت دون مواربة في وجه كل سلطة خارجية على العقل البشري، ومن بين هذه الأسماء برز الفيلسوفان الإنجليزيان فرانسيس بيكون (1561-1626) وتوماس هوبز (1588-1679)، حتى أن وصلت إلى الفلسفة المادية الميكانيكية في إلحادها الصريح لاحقاً على يد الفيلسوف الألماني لودفيغ فويرباخ (1804-1872).

وبالرغم من أن إعلان العداء الصريح للدين في تلك الفترة لم يكن أمراً مقبولاً على المستوى الاجتماعي، لأن ذلك الأمر كان يرتبط في ذهن الناس بمجتمع النبلاء وانحلال الأخلاق لدى الأرستقراطية، إلا أن الجماهير كانت قد ضاقت ذرعاً بهتميش حقّها الطبيعي في تقرير المصير، أي بتهميش العقل على حساب سلطة غيبية تنصب نفسها فوقه. علّة كبرى متوارية خلف المنظومة السماوية مثلاً.

عندما سأل نابليون العالم الرياضي لابلاس (Laplace) أين موقع هذه العلّة في منظومة القبة السماوية التي وضع تصوراً لها، أجابه: “يا سيدي، لا حاجة لي إلى هذا الافتراض”.



إذن، فقد سيطرت أيديولوجية الطبقة الوسطى “العقلانية والتنويرية” في ذلك الوقت على هاجس الجماهير، ودفعت الكادحين ومثقفي الطبقة العاملة للتعاطف مع الثورة الفرنسية، إذ قيل لهم أن اليعاقبة لا يؤمنون بأي معتقدات دينية؛ ومن الأمثلة على ذلك، مجموعة الإسكافيين في فيينا، الذين كانوا أكثر المجموعات الحرفية تعاطفاً مع الثورة وعداءً للكنيسة.

لكن ومع ذلك، لم تستطع حتى البرجوازية أن تتملص تماماً من “الطقوس” الدينية التقليدية وأجواء التنظيم المحيطة بها، مما دفع الفلاسفة والمفكرين في أواخر القرن الثامن عشر إلى استبدال الخطاب المسيحي الرسمي بعقيدة مغايرة وأكثر إنسانية، أي أنها تنزع في جوهرها إلى أنسنة الدين. “عبادة الكائن الأسمى” التي اقترحها جان جاك روسو على سبيل المثال، وتبنّاها روبسبيير لاحقاً، أو “دين الإنسانية” الذي دعى له عالم الاجتماع الفرنسي أوغست كونت (1798-1857).

والسبب في ذلك يعود إلى شعور الجماهير بأن الدين لا يزال ملجأً تحتمي تحت جناحه من العالم الذي “لا روح له”؛ ليقفز ماركس إلى مجمل الصورة وتفاصيلها، موضحاً العلاقة الطبقية بين الدين والشعور بالاضطهاد والحاجة إلى هذا الملاذ، حيث قاد هذا التصور إلى تحويل أنظار الجميع، في ضوء عجز وإفلاس البرجوازية، نحو القوى الاشتراكية التقدمية بالفعل، والتي استوعبت في أيديولوجيتها الإرث العلماني الممتد من عصر التنوير كاملاً، ووضعت نصب عينيها تاريخاً من “الهرطقات” التي أصدرت الكنيسة أحكاماً بالإعدام والنفي والتكفير فيها، فقد استمال الطرح الاشتراكي الطبقات الشعبية لعلمانيته الواضحة منذ البداية، قبل انحيازه للفقراء والمنهكين من عبء الرأسمالية.

عبّر توماس بين على سبيل المثال في كتاب “عصر العقل” عام 1794 عن تطلعات الفئات الشعبية والحرفيين وصغار التجار، في لغته البسيطة كما في أفكاره، حسبما يشير إلى ذلك إريك هوبزباوم؛ فقد أوضح في كتابه أن التقديس ينبغي أن يكون من نصيب العقل وليس من نصيب الدين والنصوص.

واستمرت محاولات البرجوازية لمأسسة الخطاب العلماني، برغم التشويه الذي أحدثته خطاها الواسعة في التوسّع الرأسمالي نحو التصنيع والتجارة، ووفق قانون كوندورسيه الفرنسي لعام 1792، فإن المعلّم في الصفوف الابتدائية يُمنح لقب”مؤسس” لأنه يزرع الروح البرجوازية في الأطفال، ويقوم بتدريسهم الأخلاق القائمة على “الحرية” المنلفتة حتى من الدين، لكنَّ كتب التاريخ تضع يدها على هذه القضية لتكشف حقيقتها، إذ إن المعلّم الفرنسي بقي مع ذلك فقيراً ومهمشاً حتى الربع الثالث من القرن التاسع عشر، وتحديداً حتى إعلان الجمهورية الثالثة في فرنسا.

وفي الوقت الذي كانت قوى المجتمع التقدمية تدافع فيه عن مكتسباتها، حاولت الكنيسة تعويض قائمة الخسائر التي تكبّدتها نتيجة لموجة العلمنة، وارتقاء العقل العلمي على حساب العقل التقديسي الجامد، حيث بات الدين منحسراً وليس مهيمناً، إذا ما استخدمنا مصطلحات داروين للتعبير عن الفكرة؛ فقد احتلت العلوم الطبيعية والدراسات العلمية صدارة المشهد، وسيطر على معظم الأبحاث والدراسات عبق العلمانية بصورة واضحة. ومن هنا، حاولت الكنيسة أن تعيد تموضعها لاستعادة الطبقات الاجتماعية التي كانت قد فقدتها لصالح الاشتراكية وجحافل الثورة العلمية في وقت سابق. وبدأت بطرق باب الحقل المعرفي لتصدير مواقفها “الأخلاقية” منه في ذلك المكان.

في عام 1864، أصدر البابا بيوس التاسع كتيباً بعنوان “منهج الأخطاء” لإيضاح موقف الكنيسة من المدّ العلماني المتعاظم وعدد من المسائل الخلافية الأُخرى، وتضمن هذا الكتيّب ثمانين خطأً ينبغي تفاديها تماماً: “التعليم العلماني”، “الفصل بين الدين والدولة”، “المذهب الطبيعي”، “العقلانية” و”العقلانية المعتدلة”، هي مجرد أمثلة على هذه الأخطاء التي أشار إليها الكتيّب، ذلك إلى جانب خطأ الاعتقاد بأن على “الحبر الأعظم أن ينسجم مع معطيات التقدم والمدنية الحديثة”، أو بأن “على الكنيسة أن تخضع لسلطة الدولة”! فسلطتها المزعومة كلّية وفوق أي سلطان، حتى سلطان العقل البشري.

الخيار العلماني اليوم

إذا ما أردنا التفكر في حيثيات واقعنا وتفكيك مشاهده، علينا أن نسأل أنفسنا أولاً، من أين يستمد الخيار العلماني راهنيته ودوره اليوم؟ لعلّ هذا السؤال هو الأكثر أهمية في سياق البحث والممارسة. ولعلّ الرابط الأهم الذي يربط بين هذا السؤال وبين واقعنا هو جدلية التقدم والتخلف بلا شك. فصيرورة العلمانية ضمن مشروع التحرر من الاستعمار، ليست أمراً طارئاً فرضه الخوف من ظهور التيارات التكفيرية الإرهابية، بل كان مطروحاً على جدول أعمال القوى السياسية في العالم العربي منذ الحقبة الكولونيالية، بوصفه أحد أوجه التقدم، الذي يمثّل العداء الطبقي لمعسكر رأس المال عنوانه العريض.

ولكنّ إنعاش هذا المفهوم في ذاكرة الجماهير، كان مدفوعاً بالدرجة الأولى من التزامنا التاريخي في مواجهة الإمبريالية وأدواتها، والتي يمثّل الدين أحدها وأنجعها. لكننا لسنا بصدد الخوض في معارك نصّية مع الدين هنا، فهذا النوع من المعارك قد ينقل المواجهة إلى ساحة أُخرى لا يعنينا الاشتباك في حدودها.

ناقشنا في المحور الأول من هذه المادة، جانباً من تاريخ العلمنة في أوروبا، وكيف تمكنت تلك الشعوب من بناء الدولة الحديثة على قاعدة الفصل بين الدين والسياسة. وأظهرنا كيف أن العلمانية تطلبت جرأةً واضحة لمجابهة سلطة الدين، “فالجرأة هي ثمن التقدم” بحسب تعبير الأديب فيكتور هوجو.

وبالتالي، نحن إذ نكرس الطرح العلماني على الجبهات الثقافية والمعرفية في استهداف الوعي لدى مجتمعات الأطراف العربية، ننتقد الطرح الاستشراقي الذي يُرجع النجاح الأوروبي في الخروج من دائرة الدين إلى مسيحيّة أوروبا، وكأن العالم العربي الإسلامي غير قادر على علمنة مجتمعاته، في مجرى الانتقال الثوري نحو نمط إنتاج جديد يتجاوز الرأسمالية المحيطية.

يقول الفيلسوف الفرنسي مارسيل غوشيه، أن قراءة تاريخ حركات الإصلاح الديني في القرنين الخامس والسادس عشر، كاللوثرية والكالفنية، غالباً ما يشوبه المبالغة في التقدير لدور هذه الحركات في نقل مجتمعات أوروبا خارج الدين، فالتأثير الذي أحدثه “الإصلاح” الكنسي كان مجرد إحياء للخطاب الديني في قوالب جديدة، وهو لا يقارن بما أحدثته الثورة الصناعية والسياسية في القرنين الثامن والتاسع عشر. ولذلك، يصبح الحديث عن تجديد الخطاب الديني الإسلامي اليوم محض أوهام لاهوتية، فالمطلوب هو إعلان القطيعة مع هذا الخطاب على المستوى السياسي، والذي ينسحب على المستوى الاجتماعي.

هذا هو تماماً ما يتطلبه الواقع الراهن لمواجهة التيارات التكفيرية والرجعية الدينية، كحدث تفرضه علينا حرب الإقليم المشتعلة. لكنّ ذلك لا ينفي ارتباط العلمانية عضوياً بجدلية التقدم والتخلف، والتي لا تعني بالضرورة استنساخ النموذج الأوروبي بغرض اللحاق بركب الحضارة. بمعنى أن الدولة العربية اليوم لها ظروفها التاريخية المختلفة، وبالتالي ينبغي أن يكون العمل السياسي فيها مبنياً على اجتراح آليات خاصة لمغادرة الدين من نطاق الدولة، والذي يفترض مسبقاً استبدال الأنماط الاقتصادية المتخلفة والتابعة، التي تعزز الجهل والتقديس الأعمى بطبيعتها.

وكما ظلت المؤسسة الدينية في أوروبا تراوغ موجة العلمنة، وتسعى إلى تثبيت مواقعها بعد أن فقدتها لصالح قوى الديمقراطية والتقدم، فإن المنظومة الدينية لدينا أيضاً حاولت فعل ذلك أكثر من مرة، سواءً من خلال إصدار الوصفات “التشريعية” التي تحرم العلمانية على مجتمعاتنا وتتهم أوروبا باختراع الديمقراطية! أو من خلال ترتيب اغتيالات سياسية لبعض الشخصيات التي وضعت العلم والفكر العلمي فوق أي سلطة على العقل البشري؛ اغتيال المفكر الشيوعي حسين مروة عام 1987 مثالٌ على ذلك. وعلينا الخوض في هذه المسألة الحساسة بكل شفافية وجرأة.

يقول الشاعر الألماني برتولت بريخت في قصيدة له تحت عنوان “خوف النظام”:

لماذا كل هذا الخوف

من الكلمة الصادقة؟

في تلك القصيدة، وصف بريخت الرايخ الثالث، وكيف للكلمة أن تزعزع أنظمة هشّة ومتهاوية ليحكمها الخوف. وتعيد هذه القصيدة إلى الأذهان أيضاً مسألة اغتيال الكاتب المصري فرج فودة عام 1992. فقد أرعبت كلماته الصادقة، برغم بساطتها، التيارات الدينية التي رفضت وما زالت ترفض علمنة الدولة، فوضعت رصاصات الرجعية حداً لقلمه الذي واجه به تخلّف التيارات الدينية في مصر والمنطقة.

إذن، فإن العلمانية، فيما يتعلق بعالمنا العربي الإسلامي التاريخي، كما نلاحظ، تجسد أحد أوجه التقدم في الخروج من منظومة السوق المنفلت، والخروج من نطاق الدين الذي يكرّس الشعور بالتبعية، عن طريق مأسسة خطابه ودسترة الربط الأيديولوجي بينه وبين السياسي، وكأن رجال الدين هم الوكلاء الحصريون للسماء على هذه الأرض. وبالتالي، وفقاً لذاك المنطق، يصبح وصول تلك الفئات الثرية (البرجوازيات المتأسلمة) إلى السلطة، طريقاً معبداً لجماهير الفقراء، ينقلهم إلى عالم أقل قسوةً ويجنبهم الانخراط في الثورة بالتصويت لنقيضها. هذه هي المقاربة التي تعتمدها التيارات الدينية اليوم في تخدير الوعي الجمعي، والإخوان المسلمون من نفس الطينة، حيث يضيف ذلك سبباً إضافياً يجعل من العلمانية مطلباً وشعاراً له دلالات طبقية، إلى جانب مدلولاته الثقافية الفكرية.

استنتاجات لا بد منها

• العلمانية لا تعني آلية فصل الدين عن الدولة وحسب، بشكل ميكانيكي، وإن كان هذا الفصل شرطاً من شروط تحققها.

• العلمنة هي عملية شاملة ومتعددة الأبعاد، يندرج تحتها ثلة من العناوين أهمّها: علمنة التعليم، علمنة الفكر والثقافة، علمنة الدولة والسياسة، علمنة المجتمع وعلاقاته، علمنة البحث العلمي، علمنة الصحافة والإعلام، وعلمنة الدين (أي بمعنى أنسنة الدين).

• العلمانية لا تعني الدعوة إلى الإلحاد أو العزوف عن الدين، فهذا الاعتقاد الشائع يتنافى مع مفهوم الانسجام الذي يفترضه الإطار العلماني للمجتمعات.

• الماركسية ليست فلسفة إلحادية، وإن كانت فلسفة مادية جدلية تؤمن بالإنسان وفعاليته البشرية.

• يقول ماركس في مخطوطات 1844: “إن الإلحاد كإنكار لهذه اللاجوهرية (لاجوهرية الإنسان والطبيعة) لم يعد له معنى، إن الإلحاد هو نفي الله، وهو يفترض وجود الإنسان من خلال هذا النفي، لكن الاشتراكية كاشتراكية لم تعد بحاجة إلى مثل هذا الوسيط. إنها تنطلق عملياً ونظرياً من الوعي الحسي للإنسان والطبيعة كجوهر”.

• العلمانية كالحرية، لا يمكن أن تعطى على جرعات، وإنما تأتي في سياق التغيير الجذري لبنية المجتمع وعلاقات الإنتاج.

• العلمانية الليبرالية هي الرديف المباشر لسقوط منظومة القيم الإنسانية وتهتّك المجتمعات، بينما يقدم الطرح الاشتراكي تصوراً بديلاً للواقع يقوم على مجتمعات بشرية تتعايش في إطار علماني حداثي، عوضاً عن المجاميع المدنية المفككة في العصر ما بعد الحداثي.

أخيراً، إذا أردتم تصنيف هذه المقالة في خانة “الهرطقات الشعبية” فليكن. فما يعنينا هنا في راديكال، هو أن نكتب للتعبير عن هموم هذا العصر وهذا الشعب المكلوم، ويعنينا مواجهة توظيف الدين بإخراجه من الفضاء العام لينتقل إلى الفضاء الخاص، لا بتنقية الخطاب الديني من شوائب التطرف، فمشكلة الدين لا يعالجها غربال الدين، بل تعالجها العلمانية.