انتخابات نيجيريا 2015


كريبسو ديالو
2015 / 4 / 27 - 23:22     

بعد 16 سنة في السلطة لم يعد حزب "الشعب الديمقراطي" يترأس الحكومة النيجيرية وذلك بعد خسارته للانتخابات الرئاسية في الأسبوع الماضي لمصلحة حزب "المؤتمر من أجل التغيير" الذي اكتسح انتخابات الحكام وممثلي مجالس الولايات في نيجيريا معززا بذلك سلطاته في البلاد علماً أنه ولأول مره منذ أن استقلت نيجيريا عن بريطانيا سنة 1960 يتم استبدال الحزب الحاكم بحزب سياسي منافس من دون عنف ولقد توقع الخبراء السياسيون أن الانتخابات سوف يتخللها العنف مثل ما حصل بعد الانتخابات الرئاسية سنة 2011 ولكن هذه المرة كانت العملية سلمية بشكل ملحوظ وبالرغم من نشوء بعض المسائل اللوجستية وايضا إن من العلامات الفارقة في هذه الانتخابات هو إقرار جوناثان بالهزيمة لمصلحة بخاري وذلك بعد أن تواردت نتائج الانتخابات من 36 ولاية نيجيرية إلى المقر الرئيس للجنة الانتخابية في العاصمة ابوجا وبهذه النتيجة تكتمل دائرة انهزام الحزب الديمقراطي الشعبي الذي سيطر على مقاليد الحكم في نيجيريا منذ عام 1999 تاركا الشعب محبطا من مستويات الفساد التي أغضت عنها إدارة الرئيس السابق جودلاك جوناثان من بينها سوء الأداء، تفشي المحسوبية وانشقاق كثير من حكام الأقاليم والبرلمانيين وانضمامهم للمعارضة وكذلك اعتراض الكثير من رموز الحزب علي تأجيج الرئيس الخاسر غودلاك جوناثان الخلافات الدينية والعرقية بين المواطنين ولكن الآن يتوجب على حزب المؤتمر من أجل التغيير تصميم وتنفيذ استراتيجية فعالة تقود لتحسن حقيقي في حياة النيجيريين وإن البداية السلمية هي بداية طيبة ولكن التغيير في الحزب الحاكم ليس هو التغيير الوحيد الذي تحتاجه نيجيريا والبحث عن عن كيفية التعاون في نيجيريا بين الشمال والجنوب في ظل هذه الحالة من الانقسام "الإقليمي" داخل البلد وإن حزب المؤتمر من أجل التغيير لم يكن حزباً جديداً بل كان عبارة عن اندماج لثلاثة أحزاب صغيرة كانت تحاول إزاحة حزب الشعب الديمقراطي عن السلطة منذ سنة 1999 أن هذه الأحزاب تتمتع بدعم اثنتين من المجموعات العرقية الثلاث الرئيسة في نيجيريا وهي "هاوسا - فولاني " ولقد تمكن حزب المؤتمر من أجل التغيير من استغلال الانقسامات ضمن حزب الشعب الديمقراطي والتي ازدادت مع مشاركة جوناثان المثيرة للجدل في انتخابات سنة 2011 من أجل تعزيز أعداد أعضائه وإن الانقسام ضمن حزب الشعب الديمقراطي بدأ سنة 2010 عندما توفي الرئيس "عومارو يارادوا" الشمالي بعد ثلاث سنوات فقط من توليه مهام منصبه حيث حل مكانه نائبه "جودلاك جوناثان" الجنوبي حيث اشتكى قادة حزب الشعب الديمقراطي الشماليون أن سلف "عومارو يارادوا" في الحكم كان جنوبياً ولقد حكم نيجيريا لمدة ثماني سنوات وإن من العدل أن يحكم البلاد شمالي ولقد طلبوا من جوناثان ألا يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية سنة 2011 وأصروا أن يكون مرشح الحزب الشعب الديمقراطي من الشمال وبعد رفض جوناثان الاستجابة لطلبهم لم يشعل احتجاجات واضطرابات عنيفة في الشمال فحسب ولكنه ترك حزب الشعب الديمقراطي كذلك مقسماً على أساس عرقي واقليمي وعندما أعرب جوناثان عن رغبته بالترشح لفترة رئاسية أخرى هذا العام انشق عدد من السياسيين الشماليين وانضموا إلى حزب المؤتمر من أجل التغيير مما أضعف حزب الشعب الديمقراطي بشكل كبير ولقد قام حزب المؤتمر من أجل التغيير والذي كان يدرك رغبة الشمال الملحة باستعادة الرئاسة بترشيح محمد بخاري بالإضافة إلى الأصوات من اليوروبا في جنوب غرب البلاد وعدة ولايات في الوسط التي مكنت بخاري من الفوز بالانتخابات وإن من المرجح أن يكون فوز الجنرال بخاري الذي حكم البلاد بالحديد والنار في الثمانينيات جاء بالأساس لفشل برنامج جوناثان في ملف محاربة الفساد وفي التعامل مع جماعة بوكو حرام الارهابية وايضا الي فشل حزب الشعب الديمقراطي في حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الإشارة إلى أية إنجازات ملموسة وقام ببساطة بتقديم وعود ولكن تلك الوعود كانت وعوداً جوفاء بالنسبة للنيجيريين ولكن دعونا لا ننسي ماضي محمد بخاري المليئ بالمتناقضات بامتياز فمن ديكتاتور عسكري سابق قاد انقلابا أطاح فيه بالحكم المدني وانفرد بالسلطة ليتجرع فيما بعد نفس الكأس من الجنرال إبراهيم بابا نجيدا إلى مدني ديمقراطي بعد (30) عاما وهذه هي المرة الأولى في تاريخ نيجيريا التي يتولى فيها حزب معارض مقاليد الحكم ديمقراطياً من الحزب الحاكم، فهل ذلك مؤشر على نضج التجربة الديمقراطية في نيجيريا بما في ذلك الشخوص؟ ليس من السهل فهم الخريطة السياسية في نيجيريا وفي إفريقيا عموما بدون الحديث عن الخريطة القبلية التي تعد أهم عوامل عدم الاستقرار في إفريقيا.. وسكان نيجيريا موزعون على نحو 250 قبيلة كما أنهم منقسمون إلى فئات ومجموعات سلالية ولغوية وثقافية ودينية، فهناك 248 لغة يتحدث بها سكان نيجيريا ولا يمكن الادعاء بأن النظم السياسية التقليدية في إفريقيا ما قبل الاستعمار كانت نظماً ديمقراطية بالمفهوم الغربي الحديث لكنها كانت ملائمة على الأقل لطبيعة القارة و لم ينتج عنها تلكم الإشكاليات الماثلة اليوم وبعض أبناء القارة من المتعلمين كتبوا مشيدين بالنظم التقليدية لكن ذلك ربما كان بدافع الرد على نظرائهم من المستعمرين الذين حاولوا إيجاد مبررات أخلاقية للاستعمار ولقد ساد إفريقيا ما قبل الاستعمار نمطان أساسيان للسلطة والحكم: النمط الأول قبائل ذات كيانات متعددة بنظم سياسية مختلفة تحكم نفسها بنفسها أما النمط الثاني قبائل تخضع لحكم أو حماية قبائل أخرى سواء طوعاً أو كرهاً وبعد الاستعمار أصبحت الانقلابات العسكرية الآلية الرئيسية لانتقال وتبادل السلطة في إفريقيا وكان ثلثا سنوات نيجيريا منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1960 تحت حكم الجنرالات حيث تدخل العسكريون في المسرح السياسي للسيطرة على الحكم أكثر من ست مرات منذ استقلال نيجيريا بدءا بانقلاب الجنرال إيرونس عام 1963 ومرورا بانقلاب الجنرال يعقوب قاوون عام 1967 والذي سيطر على الحكم حتى عام 1974 وهي الفترة التي شهدت حربا أهلية بين القوات الحكومية والانفصاليين في إقليم بيافرا وفي عام 1975 قاد الجنرال مورتالا محمد انقلابا عسكريا أعقبه انقلاب مضاد أسفر عن قتله عام 1976 وتولى الجنرال، أوبيجينو، الحكم الذي وعد بإجراء انتخابات ديمقراطية وتسليم السلطة للمدنيين وبالفعل أجريت الانتخابات وتولى المدنيون السلطة حتى عام 1983 عندما قاد الجنرال محمد بخاري نفسه انقلابا عسكريا أطاح فيه بالحكم المدني وحكم حتى عام 1985 عندما قاد الجنرال إبراهيم بابا نجيدا انقلابا مضادا أطاح فيه بالجنرال بخاري واليوم أمام بخاري الذي يصفه أنصاره بالنزاهة والاستقامة والصرامة والقبضة الحديدية تحديات جسيمة في بلد تنتشر فيه معدلات الرشوة والفساد والارهاب أبرزها القضاء على الفقر الذي يمس شرائح اجتماعية كبيرة وذلك رغم الثروات النفطية فهي أكبر اقتصاد في إفريقيا بفضل ثروتها النفطية ولكن ثلثي سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر ولقد تبددت مقدرات نيجيريا بسبب الفساد السياسي فجميع الحكومات التي تعاقبت على الحكم منذ الاستقلال لم تنج من تهمة الفساد الذي كان السبب الرئيسي وراء الإطاحة بها لذا عندما احتفل أنصار بخاري بفوزه لوحوا بالمكانس في الهواء وهي ترمز لوعود حملة بخاري الانتخابية بكنس الفساد المستفحل في البلاد ولعل ما يشيع الأمل في التجربة النيجيرية ما بدا من مظاهر حضارية عقب انتهاء المعركة الانتخابية فمن جانبه أقر الرئيس جوناثان بهزيمته في بيان عقب الإعلان الرسمي عن النتائج وحث الرئيس المنتهية ولايته أنصاره على الهدوء وتقبل النتيجة وذلك في مسعى منه لتفادي أي عنف محتمل بعد الانتخابات والان بخاري حزب "المؤتمر من أجل التغيير" يواجه تحديات لا يحسد عليها في نيجيريا التي تعاني من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية.