المثقف الطائفي


محمد حسام الرشدي
2015 / 4 / 26 - 18:13     

عندما كتب المفكر والفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي عن المثقف العضوي وعلاقته بالجماهير لم يكن يخطر ببالهِ أنه بعد ثمانين سنة سيظهر في مهد الحضارات -بلاد ما بين القهرين- نسخة محدثة عن مثقفهِ العضوي هو المثقف الطائفي.. 
ولكن.. كيف يمكن أن يكون المثقف طائفياً؟ أليس ما يميز المثقف هو الوعي الذي يحصنهُ من الانزلاق إلى نفق الطائفية؟ فكيف لنا أن نجمع بين نقيضين المثقف والطائفي؟! يبدو لي أن تعبير المثقف الطائفي هو تعبير مجازي أكثر مما هو واقعي، فمن نطلق عليهم مثقفين طائفيين هم في الحقيقة أنصاف أُميين يجتمعون في مؤسسات الإستمناء الطائفي -وما أكثرها في عراقنا العظيم- فيخرجون برؤية هدفها ابقاء الشعب في الصراع الأزلي بين غلمان قريش، دون أن يكون بينهم أي “مثقف” يملك القدرة على السؤال كيف سيكون المستقبل؟!! 

طبعاً الكلام عن المستقبل داخل مؤسسات الإستمناء الطائفي عبثي وبلا أي معنى.. فماذا تقصد بالمستقبل نحن نعيش في الماضي، نحن ما زلنا نتنفس غبار الخيول التي قادها فرسان الدين في حربي الجمل وصفين؟ ثم ألا تعلم أن المهدي والمسيح والمنقذ -سمهِ ما شأت- هو وحده من يملك مفاتيح المستقبل؟ فلماذا تبلبلون عقولنا بكلمات لا ندرك كنهها؟

إذاً مثقفنا الطائفي لا يفكر إلا بالماضي، أنه رهين نصوص وحكايات وكتب صفراء ولا يمكنه الخروج منها. 

بالعودة إلى غرامشي وكتابه “أوراق السجن”، فقد كان يرى أن المثقف العضوي يكون مؤثراً في ما يسميه الكتلة التاريخية، بمعنى أن المثقف هو صاحب مشروع يسعى إلى اصلاح ثقافي يؤدي إلى تشكيل كتلة ثقافية جديدة تحمل وعياً ثقافياً يواجه بهِ الكتلة التاريخية القديمة المؤلفة من البرجوازية والإقطاع.. فماذا عن مثقفنا الطائفي؟ 

هل يملك مشروع ثقافي؟ غالباً لا.. فكيف لمن يعيش بين جدران تراث يزرع الكراهية والحقد والحروب أن يملك مشروعاً ثقافياً؟ لهذا قلت إن كلمة المثقف الطائفي هو تعبير مجازي أكثر مما هو واقعي. هذا من جهة، من جهة ثانية هل هو مؤثر، نعم وتأثيره كبير، ولكن الغريب أنه مؤثر ومتأثر، وهذا أخطر ما بالمثقف الطائفي. 

يؤثر المثقف الطائفي -وهنا هو لا يختلف عن الروزخون- بالشباب البسيطي التفكير فيحولهم إلى مثقفين طائفيين، ويعتمد بأسلوبه على العاطفة وتغييب صوت العقل، كما يستخدم الخطاب الديني وسيلة مقنعة، فيكفي أن يقول لهذا الشاب أنها حربٌ صليبية، أو “المذهب في خطر” أو “إنها كربلاء جديدة”، أو “مقدساتنا مهددة” حتى ترى هذا الشاب المسكين ينجر إلى المستنقع الذي يسكن فيه مثقفنا. طبعاً هذا مع التكرار وكثرة الاستشهاد بالنصوص المقدسة ترى الشاب هبط درجات السلم وتحول إلى مثقف طائفي آخر. 

وليس الخطر بتأثير المثقف الطائفي -فهذهِ المهمة قد يتولها بعض رجال الدين الذين غالباً ما سالت دماء الأبرياء بسبب تأثيرهم على الشباب. أما الخطر الأكبر بالمثقف الطائفي هو تأثره بالخطاب اللا عقلاني، وسهولة الضحك عليه وجرهِ إلى دائرة الفعل ورد الفعل، فأن يتأثر المثقف بخطاب جاهل طائفي سينقل الصراع من ميدان الاقتتال في قنوات الصرف الصحي إلى ميادان الثقافة والإعلام، مما يزيد من جبهات الاقتتال ويؤثر بالتالي على الواقع المادي على الأرض. هذا بالإضافة إلى إهمال المثقف لدورهِ برفع الوعي الجماهيري بل على العكس هو بتأثرهِ بالخطاب الطائفي سيعمل على تزييف هذا الوعي وإلغائهِ، فبدل أن يفكر باصلاح ثقافي يعمل على تدمير ثقافي وإلهاء بصفوف النخب الثقافية، مما ينتج مثقفين طائفيين يكررون ما فعله المثقف الطائفي فينتج مثقفين طائفيين وهلم جراً..
وفي نهاية حفل البغاء الطائفي سيكون المجتمع منقسم إلى طبقتين طبقة قطيع يتناحرون بينهم بشكل مقرف وتسيل دمائهم في معركة خاسرة، وطبقة يديرون هذا الصراع الطائفي ويحولون الدماء إلى أرصدةٍ وسلطة-طبعاً هم يستخدمون المثقف الطائفي كحمار يركبونه لتحقيق هذا الهدف.
من المستفيد؟ تجار الحروب.. 
من الخاسر؟ الشعب بما فيهم المثقف الطائفي نفسه..