خطة فيسكونسين تكرّس الفقر


اسماء اغبارية زحالقة
2005 / 9 / 27 - 11:56     

شكلت جمعية معًا لجنة قطرية من العاطلين عن العمل لمواجهة مشروع فيسكونسين، وموقفها ان الخطة لا تحارب الفقر بل الفقراء. تقوم اللجنة بجمع الافادات، مراقبة تطبيق الخطة والدفاع عن حقوق العاطلين عن العمل من التعسف. في الاجتماعات الشعبية التي نظمتها اللجنة في عدة مواقع تقرر توقيع العاطلين عن العمل على عريضة مطلبية بالتعاون مع جمعيات من الوسط اليهودي ايضا، وطلب التفاوض مع شركات فيسكونسين للتوصل الى حلول تضمن حقوق العاطلين عن العمل.


اسماء اغبارية

وزير المالية الجديد، ايهود اولمرت، أعلن الحرب على الفقر. فهل لمليون ونصف انسان فقير في اسرائيل ان يهلّلوا لهذا الاعلان، ام من الحكمة التروّي؟ الجواب الصافي تأخذونه من نحو 18 الف عاطل عن العمل يخضعون للتجربة التي ستعمم في حال نجاحها على مواقع اخرى في البلاد، كما يعدنا اولمرت. فقد حُشر هؤلاء في مراكز "فيسكونسين" في الناصرة، الخضيرة، القدس واشكلون، شبابا وشيوخا، اصحاء ومرضى، عُجّزا وعجزة. الجميع الى العمل! اي عمل؟

الخطة الحكومية الفاشلة المستوردة من امريكا، تبيع الوهم بانها ستنقل الناس من مخصصات ضمان الدخل الى العمل المضمون، ولكنها في الواقع اعلان حرب على الفقراء والعاطلين عن العمل. هؤلاء باتوا منذ مدة يعتبرون في نظر الدولة عبئا على ميزانيتها، مجموعات طفيلية تمص دماء الدولة المسكينة. كما لو كان العمل متوفرا في كل مكان، ولكن الكسل قد نخر في عظام العاطلين عن العمل، حتى صاروا يفضلون تقاضي معاشهم "على البارد المستريح". هل هذا صحيح؟

جمعية معًا النقابية تؤكد ان هدف الخطة الحقيقي هو التوفير في نفقات الحكومة على حساب المواطنين، سعيا للقضاء على دولة الرفاه. كما تحذر الجمعية من ان الخطة انما ستكرس وضع الفقر ولن تحل مشكلة البطالة. وفي حين ان العمل غير مضمون بسبب الركود الاقتصادي ومواصلة سياسة تشغيل العمال الاجانب الارخص، يبقى الامر الوحيد المضمون هو الملايين التي ستحصدها شركات فيسكونسين الاربع، عندما تقلّص ب35% عدد الحاصلين على مخصصات ضمان الدخل.

لمواجهة المشروع شكلت جمعية معًا لجنة قطرية من العاطلين عن العمل، وذلك في مراكز نشاط الجمعية بالناصرة، المثلث والقدس الشرقية. وتهدف اللجنة الى مراقبة تطبيق الخطة والدفاع عن حقوق العاطلين عن العمل من التعسف، والمطالبة باماكن عمل حقيقية وكريمة لا تقل عن 4000 شيكل شهريا لضمان الخروج من دائرة الفقر. ويقوم اعضاء اللجنة بجمع الافادات من متضرري المشروع، ومن مئات الشكاوى التي وصلتنا تتكامل امامنا الصورة التالية:



لا اماكن عمل حقيقية

شركات فيسكونسين لا تقترح اماكن عمل حقيقية. هذا ما تؤكد نتائج البرنامج بعد شهر من تطبيقه، فقد عثر على اماكن عمل ل3% فقط من المشاركين في المشروع. ورغم ان مسؤولة العلاقات العامة في شركة اجينس الهولندية التي تطبق المشروع في الخضيرة، شولميت بن عكيفا، تؤكد في لقاء معها يوم الثلاثاء 22/8 ان لديهم مخزونا من 2000 مكان عمل، الا ان العمل شبه الوحيد المتوفر هو في التنظيف مقابل الحد الادنى للاجور (3330 شيكل)، وهو معاش لا يضمن لصاحبه الخروج من دائرة الفقر. كما ان اقتراح عمل كهذا لا يشكّل حافزا للانسان للاستيقاظ في الصباح الباكر والخروج الى العمل. وهو لذلك يبدو عقابا او اقتراحا للتيئيس وليس اقتراحا للتقدم في المجتمع.

في الاجتماع الشعبي الذي نظمته لجنة معًا في 10/9 في ام الفحم، تبين ان الامور في منطقة المثلث توشك على الانفجار. الافادات تركز على ان شركة "اجينس" ، لا تأخذ بالحسبان القدرات الشخصية للعاطلين عن العمل، ولا تستثمر في برامج للتأهيل المهني.

الفتاة ح. ش. (21 عاما) من منطقة عرعرة تعلمت ادارة حسابات وسكرتارية ومعلمة مساعدة، وتطالب بعمل ملائم لقدراتها التعليمية. الشركة توجهها فعلا للمدارس، ولكن للتطوع في التنظيف، ومجانا. جاء هذا بعد ان وجهتها اولا للعمل في محل تجاري في ام الفحم مقابل 1500 شيكل في الشهر لوظيفة كاملة من الثانية ظهرا وحتى التاسعة.

المديرة العامة للمشروع، دوريت نوفاك، تقول ان معاش الحد الادنى افضل من المخصصات التي تبلغ لزوج مع ولدين 2240 شيكل. ولكن الواقع ان الحكومة قامت اولا بتقليص المخصصات من 3500 شيكل، دون ان تعمل على رفع الحد الادنى للاجور الذي يقل بكثير عن معدل الاجور في السوق والذي يبلغ 7000 شيكل للعائلة.

عضو لجنة معًا طلال حسان (38 عاما) من منطقة عرعرة، يقول: "ان الشركة توجه الناس للتطوع في كنس الشوارع لانها ببساطة لا تجد لهم اعمالا". نور ملحم عضو آخر في اللجنة، استدعي لمقابلة في شركة "تكشوف" ومع انه بُشّر بقبوله للعمل الا انه لا يزال منذ ثلاثة اسابيع ينتظر استدعاءه للعمل، في النهاية ارسل "للتطوع" في تنظيف بلدية الخضيرة، مجانا. يقول ملحم: "اذا كان هناك عمل كما يدعون فلماذا يبعثون الناس للتطوع المجاني؟ كل المقصود هو تيئيس الناس لحرمانهم من المخصصات".

نبيلة حاج من لجنة الناصرة تحدثت في الاجتماع بام الفحم، واكدت انه في منتصف شهر آب قامت شركة "اجام مهليف" التي تطبق فيسكونسين في الناصرة، بارسال سير ذاتية ل350 شخص، لشركة "تكشوف" في كرميئل، ولكن لم يتم حتى الآن استدعاء احد لمقابلات عمل.

كما وجّهت شركة اجام عشر فتيات الى محل حلويات "بيت الصداقة" في الناصرة، ولكنه رفض استقبال الفتيات بادعاء انه لم يطلب عمالا بتاتا؛ مخيطة تم ارسال عاملات اليها قالت ان العمل مؤقت لشهرين فقط. تقول نبيلة حاج: "حسب تقديري اصحاب عمل كثيرون يتخوفون من توقيع اتفاق عمل مع المركز، وذلك بسبب الالتزام المطلوب، وربما لانهم غير معنيين بتشغيل من كانوا مسجلين في مكتب العمل".

جمال ديريني من اللجنة، مقيم في باقة الغربية، يؤكد هذا الاتجاه، اذ يقول انه استدعي لمقابلة للعمل في شركة "ايس" في العفولة. حضر في الساعة العاشرة صباحا ليجد امامه في الدور 70 آخرين استدعوا لنفس الساعة. وبعد انتظار ساعتين تبين ان الشركة لن تفتح فرعها في العفولة الا بعد اشهر.

يقول ديريني انه يرى نساء عربيات في الخمسينات من العمر، مريضات، لا يعرفن اللغة العبرية، ولا اسبقية لهن في العمل، يضطررن للاكتظاظ ساعات طويلة بانتظار دورهن لمقابلة للعمل كمندوبة في شركة "سلكوم"! هؤلاء بطبيعة الحال لا يُقبلن للعمل، فيُوجهن للتطوع في الخضيرة.



تطوع اجباري

واكثر ما يثير حنق الناس هو توجيه النساء للتطوع في تنظيف شواطئ قيسارية في السادسة صباحا، الامر الذي يستوجب خروجهن من بلدهن في الخامسة صباحا حتى الوصول للمكان، وكل هذا تطوعا! بالاضافة يطلب من النساء كنس الشوارع، ويتساءل ديريني: "اين ترون امرأة في اي مكان تكنس شوارع، وكم بالحري في هذه السن المتقدمة. هل يمكننا ان نرى نساء اسرائيليات يتطوعن في كنس شوارع قرانا العربية؟ ثم لماذا لا يتم توجيه التطوع ان لزم الامر الى قرانا ومجالسنا؟".

مشكلة اخرى يثيرها جمهور العاطلين عن العمل في المثلث هي قضية السفريات. فبعض القرى المشاركة في المشروع بعيدة عن الشارع الرئيسي 2 كيلومتر يضطر العامل ان يسيرها على الاقدام لانعدام المواصلات. العجزة والمرضى لا يرون في هذه المشقة الا تيئيسا وتعجيزا، ويقول نور ملحم ان 10-15 عائلة من بلده وادي القصب (عرعرة) لم تصل المشروع تحديدا بسبب صعوبات الوصول. ويضيف ملحم: "كنت سأقطع هذه الطريق دون شكوى لو كان هذا مقابل عمل بايجار جيد، وليس للتطوع المجاني او للعمل مقابل اجر منخفض".

مشكلة اخرى لا تجد حلا هي مشكلة الروضات. في مخططه يعد اولمرت باعداد بنية تحتية من روضات الاطفال ممولة من الحكومة، لتحفيز الناس للخروج الى العمل. للاسف ان الحكومة لم تفكر في هذا الامر قبل ان تعلن خطتها التجريبية، بل فضلت ربط العربة قبل الحصان.

اليوم يواجه الآلاف مشكلة، ولا يعرفون ما هم فاعلون باولادهم بعد المدارس، فليس هناك ما يكفي من المال للروضات. والمصاب الاكبر انك لا تخرج انت وزوجتك للعمل الكريم المجدي اقتصاديا، بل للتطوع المجاني مقابل مخصصات ضمان الدخل التي تبلغ 2240 شيكل، وتنفق منها على الروضات 400-500 شيكل شهريا كحد ادنى لاربعة او خمسة اولاد بالمعدل.



خطة غير انسانية

من المشاكل الاساسية ان شريحة كبيرة من المشاركين في المشروع هم من كبار السن، المرضى، المرضى النفسيون الذين يتعالجون بشكل دائم في المصحات النفسية. نسبة كبيرة من المتواجدين في مركز الخضيرة مثلا يفوق سنهم ال45 عاما، وهي الشريحة التي استغنت عنها سوق العمل منذ مدة. مع هذا تصر مسؤولة العلاقات العامة شولميت بن عكيفا، ان كل انسان قادر على العمل، وستتم ملاءمة العمل لوضعه. حسب بن عكيفا، مركز اجينس هو "الوحيد الذي يحترم العاطلين عن العمل، ويعرّفهم بانهم "مشتركين" لا زبائن. ويصدر نشراته باربع لغات: عبرية، عربية، روسية وامهارية". ولكن الوضع في الميدان لا يبدو مشجعا.

الكثير من الذين اعتبروا غير مؤهلين للعمل باعتراف التأمين الوطني، يشكون من سوء معاملة المستشارين ومن الضغط النفسي الذي قاد الى انهيار اثنين من العاطلين عن العمل واستدعاء الاسعاف. عاطل عن العمل من باقة الغربية في الاربعينات من العمر، هاج مرة واحدة في مركز الشركة في الخضيرة، وراح يصرخ ويضرب كل ما اعترض طريقه، وبعد ان حطم بعض المقاعد انقض على بعض العاطلين عن العمل ثم اغمي عليه. من هناك نقل بسيارة الاسعاف الى المستشفى وتبين انه اصيب بنوبة صرع.

الحالة الثانية وقعت مرتين مع السيدة سميرة عمر (50 عاما) من كفر قرع، التي تعاني من مرض القلب، السكري وضغط الدم المرتفع. وقد اضطرت ان تلبث يومين في المستشفى، مرة في 21/8 وقد انهارت في الباص بعد خروجها من المركز بسبب ارهاق من البرنامج المكثف اليومي الذي وجهت اليه للتعلم في كلية باقة الغربية. ثم مرة ثانية في 24/8 عندما رفضت المستشارة ان تغير البرنامج ليلائم وضعها الصحي مع ان طبيبة المركز نصحت بذلك.



التصدي للمشروع

جمعية معًا ولجنتها العمالية قررتا توقيع العاطلين عن العمل على عريضة احتجاجية تتضمن المطالب الرئيسية التالية: 1. المطالبة باماكن عمل حقيقية وملائمة وباجور 4000 شيكل على الاقل ومع كامل الحقوق الاجتماعية، 2. منح تسهيلات واعفاءات للحالات المرضية والصحية والمعيلات الوحيدات، 3. تنظيم دورات للتأهيل المهني، 4. تقليص ساعات التواجد المكثفة في المركز، 5. ترتيب موضوع السفريات والحضانات للاطفال اثناء تواجد ذويهم في المراكز في العمل او في برامج التطوع.

وتتوجه الجمعية هذه الايام بطلب التعاون مع مؤسسات اخرى منها "سينجور كهيلتي"، "محويافوت"، "القوس الشرقي الديمقراطي"، "الون"، "ربانيم لحفظ القانون"، وغيرها، وذلك بطلب الجلوس الى ادارة شركات فيسكونسين في مراكزها بالناصرة والخضيرة والقدس، للتفاوض معها حول هذه المطالب سعيا للحصول على تسهيلات واعفاءات وتحقيق المطالب التي تضمن بالفعل اخراج الناس من دائرة الفقر.