حتمية إقصاء الفكر الظلامي


شوكت جميل
2015 / 4 / 25 - 16:39     

يأتي المقال استجابةً لحملة التصدي للفكر الظلامي التكفيري،و التي تبناها هذا الموقع التنويري،لا سيما و قد جاءت في موضعها و أوانها متزامنةً مع دعوات البعض إلى المصالحة مع الفكر الظلامي في أكثرها شدةً أو عدم الصدام معه في أهونها؛و ها نسمع في مصر مَن يدعو إلى التصالح مع الدين السياسي الرجعي بشقيه"الإخواني و السلفي"محتسبين إياهم فصيلاً أصيلاً في الشارع المصري،و قد تصاعدت وتيرتها و تعالت نبرتها مترافقةً مع "عاصفة الحزم"؛ و قد فُسِّرتْ الشراكة المصرية بها كميلٍ و انضواءٍ تحتَ الجناح الرجعي السعودي ، و هو القطب السني الأكبر في المنطقة،هذا من جانبٍ؛ و من الجانب الآخر تزامنها مع الممانعة التي باتت تلقاها الحركة التنويرية التقدمية المصرية، و قد شرعت بالكاد أن تجري في عروقها الدماء، بتهبيط سقفها،و تلجيم و محاكمة بعض عناصرها،و هم لم يتجاوزا بعد الإصلاحات الدينية الجزئية......فبدت لي دعوات المصالحة تلك،كدعوة الثعالب إلى حظيرة الدجاج!


و الحق أني لدهش من أمري ،وقد سمعت فيما سمعت ،و قرأت فيما قرأت عجبا من تنظير المنظرين،وتقوُّل المتقولين على هامش الحركة التنويرية المصرية،أو حركة رفض التهميش و الإقصاء_ كما يحلو لي أن أنعتها_، و قد وقعت فيما سمعت و فيما قرأت على بعض الاتهامات من خارجها،وبعض التحذيرات من داخلها،يدور أكثرها _ متهما كان أو محذرا_ على ما عسى أن تفضي إليه مداواة الجرم بالجرم، و معالجة الجريمة بجريمة أشنع ، و رد البغي ببغيٍ أشد نكيرا..ونحو هذا. و يرون و الحال كذلك، أن تحتاط الحركة لنفسها و أن تحذر، لئلا تؤخذ من مأمنها و تضرب في مكمنها؛إن هي أسرفت في أمرها و أمعنت في رأيها شططاً، و ركبت مركباً وعرا،فتصيب من الذنب ما حرَّمته و تجني من الوزر ما قد أنكرته على غيرها ،فقامت على بكرة أبيها ضائقة به حانقة عليه،.ثم تعود لتقع في ذات الخية و نفس الخطيئة ، إن هي روّجت لإقصاء الآخر، و طالبت بنفيه و ألحت في تهميشه و بغت محوه محواً،و من ثم فالأجدر بها إذن و الأخلق ان تأخذ نفسها بالعدل ،فلا ترضى لغيرها ما لم ترضه على نفسها. فإن لزمت تلك السيرة الرشيدة السالفة و آثرت السلامة و العافية فذاك..وإلا فتحت باباً وراءه الشيطان و لن يغلقه يوماً مغلق.....و إلا فالصراع و القراع الذي لا نهاية له، وليس من ظافرٍ بهِ أو خاسر؛ إذ ليس لطرفٍ منهما القوة لنهو الصراع و المقتلة لصالحه، فلا منتصر إذن و لا منهزم.....و إلا فهو الانقسام و تكسير العظام ، يتبادلانه فينهك هذا وذاك و يسقطان جميعاً مكدودين آخر الأمر،ويسقط الوطن معهما أو بينهما أو بأيديهما، و يهوى من جرف هارٍ مهواةٍ لا قيام بعدها.......هذا الكلام و مثله هو ما اتفقت عليه اتهامات المتهمين المغرضين،وتحذيرات المحذرين المخلصين!


والحق أننا لسنا في حاجة للتأمل العميق،ولا لشحذ الفكر كثيراً أو قليلاً ، لنستبين فساد هذا الرأي و بطلانه، و أن هذه الاتهامات و تلك التحذيرات تحمل قدراً كبيراً من السخف و السطحية،ولا تخلو من البلادة و التعسف،هذا إن أحسنّا الظن بأصحابها، و إلا فهو التدليس و التواطؤ؛فالمشكلة و الداء حقا ليستا في حركة التنوير،ولا الحل في إرادتها الحرة المنفردة؛ فالمشكلة عميقة و جذرية وتكمن في من يقبعون في الكهوف،و في عصرٍ غير عصرنا،و لا يقرءون غير الكتب العتيقة الصفراء و يعيشون فيها و بها! ،ولك أن تسميهم _غير ملومٍ و لا مذمومٍ _ فصيلاً ذاتي الإقصاء بطبيعته،و بحكم تكوينه، ،فديدنه إقصاء جميع الفصائل عنه و إقصاء نفسه عنها،و هذا هو لبابه الفكري الذي قامت عليه أيدلوجيته بالأصل ، و أن سبيل الإقصاء و التهميش للآخر منهج و أصلٌ من أصول الدين السياسي،ومن ثم فإن التخلي عن هذا الفكر الإقصائي تخلي عن وجوده ذاته.وحتى لا نلقى الكلام على عواهنه،نقول أن مرجعيته الثيوقراطية حتمية التصادم،و و توجز القضية في عبارة :(إما أن تكون واحدا منا و إما لا تكون شيئا البتة !)فأفكارهم و روءاهم إنما تُنَزّل عليهم تنزيلا طوباويا،وما على باقي الفصائل سوى السمع و الطاعة، وليس من شيء يدفعنا لافتراض غير ذلك،فأدبياتهم المتصلة على طوال أكثر من ثمانية عقود والتي يتخذونها دستورا و مبدأ لهي خير دليل، و سلوكهم و أدائهم طوال هذه الفترة لأبلغ حجة،ثم أن سيرتهم مذ وطئوا سدة الحكم لأدق وصفا ،ثم أنهم لم يحيدوا عن هذه السيرة،ما تنكبوها ساعةً، و لا تنكروا لها يوما،ولا هم يتكلفون إخفائها ؛ يا سادة،ليس في قاموسهم الفكري ما يسمى بالتوافق أو التعايش أو قبول الآخر ، إنما يرونه خورا في الطبيعة أو شيئا كالخور،و ينبغي علينا والحال كذلك،أن نعي تماما أننا إزاء أيدلوجية حتمية الإقصاء و التصادم مع الآخر،وعلينا أن نعلم علم اليقين، أن أيه تنازلات منهم في هذا الاتجاه، و أن أيه حيود عن نهجهم هذا تحت ضغط الواقع في سبيل قبول الآخر ،ليس أكثر من حركات تكتيكية ،ما تلبث أن تتنكبه و تضرب به عرض الحائط.. طالما وجدت الفرصة سانحة لتثوب إلى جوهرها من الانكفاء على الذات و الفكر الإقصائي ، الذي تقتات عليهما و يحفظان لها قوامها و يعبأ لها حشدها.

وأما الحركة التنويرية التقدمية فلم يكن بزوغها على المشهد السياسي،و تنفسها الصعداء قليلاً،لتهميش فصيل بعينه و إقصائه بل بالحري ولدت درءاً و دفعاً للتهميش و الإقصاء الذي يبغي و يتغول به فصيلٌ ، يأتيه خبر السماء ، منفردا على جموع الشعب المصري، فالحركة تضم ما بين اليساري و الليبرالي،..الماركسي و الرأسمالي..الأزهري و العلماني و المسيحي و المسلم والبهائي و الشيعي و اللامنتمي..الخ،فالحركة إذن، لا تتعاطى الإقصاء بطبيعة تكوينها، و هى حركة كارهة و طاردة للإقصاء، إنما قضيتها محاربته، وهدفها "إقصاء" الإقصاء و "تهميش "التهميش_إن صح التعبير_،و لسان حالها يقول:ليس من وكدنا أن نقصي أحدا أو شيئا اللهم إلا الإقصاء و التهميش و أصحابه.


وغاية القول من ذلك كله،أن التصادم و الإقصاء حتمي،ومرجعه إلى الجينات الأصيلة للفكر الديني السياسي،فمثل هذه التيار السياسي لا يري السلام و التعايش إلا على وجهٍ واحد؛ولا يظنن ظان أن لها سبيل غيره،و ذاك بأن تنفي الآخر تماماً،وتجليه إما معنوياً بإقصائه وتهميشه و الانتقاص من مواطنته وحرمانه من كل حق أصيل في وطنه،أو أن تجليه مادياً بالتهجير أو التصفية البدنية والتطهير وهذان أمرين يتباريان في السوء،فنهايتهما جميعا الموت والفناء ، معنويا كان أم ماديا،ولطالما كانت هذه سيرة مثل هذه الدول الدينية مع كل من يخالفها الرأي و العقيدة.وبذلك وحده تفرض أفكارها فرضا مطلقا،أظن كل الظن ،أن هذا هو السبيل الوحيد لأن تنعم بالسلام...ولكنه السلام الذي يضع حدا للصراع ،بعد أن يكون أحد الفريقين قد فني و زال .