هذا ما وجدنا عليه آباءنا و أجدادنا


أحمد محمد منتصر
2015 / 4 / 18 - 10:53     

مثلما كانت هذه الجملة البسيطة - هذا ما وجدنا عليه آباءنا و أجدادنا - عقيدة يعتنقها قوم الجاهلية و ما قبلهم و إيمانهم بها و كفرهم بالأديان و الأنبياء , أصبحت نفس هذه الجملة مذهب فكري يعتنقه العديد , أصبحت هذه الجملة رداً علي تساؤلات عديدة يطرحها كل مهموم بالقضايا المجتمعية و المشاكل الحياتية , مر آلاف السنين و نحن الآن في القرن الحادي و العشرين ما زال هناك العديد من البشر لا يعلمون شيئاً من حياتهم إلا أنهم وُجدوا ليُلبوا رغبات آخرين , وُجدوا في الحياة ليكونوا فقط إستكمالاً لسُلالة أو نسل أو عائلة كبيرة , وُجدوا ليرثوا و يفعلوا ما فعله آباءهم و أجدادهم .
حياة البشر أصبحت مُملة و مُكررة بتفاصيلها , فالإنسان يولد بإسم و جنسية و دين و مطلوب منه أن يحيا مدافعاً بإستماتة عن أشياء لم يخترها فقط تم توريثه إياها , تحولت الحياة إلي سيناريو مكتوب و معلوم ليس غيبياً بل دنيوياً , يكتبه الآباء و الأجداد و يسير علي دربه الأبناء و الأحفاد .
و الحقيقة أنك إن سألت علي أي شيء يُمارس في الحياة اليومية بروتين ثابت ستكون الإجابة بطريقة غير مباشرة بأن هذا ما وجدنا عليه آباءنا و أجدادنا , فالفقير يُورِّثُ فقراً ليس إلا و الثري يترك الأرض جنة لورثته فهذه سنة الحياة التي وُجِدنا عليها و التي سنفني عليها ما لم يُكفر بها , فحياتنا الراكدة المُسيّرة بالروتين الثابت أصبحت مُبرَرة من قِبل المطحونين فيها قبل من لهم السلطة و السيادة بأن لابُد أن نقبل بحالنا و أن هذا هو النصيب و المُقدر , أم سنكفر ؟؟
أهل المُقدر أن تحيا مُسخر مربوط قوت يومك بإستغلال بشري , أهل المُقدر أن تتم المتاجرة بك من قِبل الحكام و رجال الدين و مالكي عملك بِسمك و بِسم كل المعاني الزائفة التي تعيش مطحون لها , أهل المُقدر أن يُباح الخطأ و يُجرّم الصحيح و تُحاسب علي المبدأ و يُبرَر الفُجر ؟؟
إننا أصبحنا نعيش في عصر إندثرت فيه كل القيم و المعاني الإنسانية السامية التي من أجلها خُلق و كُرًّم الإنسان , إنطفأ نور الأديان و خفُتَ صوت الحق و علا صوتُ الزيف , القوة هي الحاكمة و لكن أي قوة ؟؟ قوة العادة يا سادة التي جرت علينا و علي آباءنا و أجدادنا , قوة السحق و التجبرت بِسم السيادة , قوة إستحداث القوي المختلفة لفرض سيطرة مجتمعية بواسطة أدوات عِدة كالأموال و السلاح و تغييب رجال الدين ... إلخ .
أصبحت حياة البشر تتلخص في كذبة هم يُجبرون أنفسهم علي تصديقها و ليس قدر و نصيب , يري البشر الفساد و مجبرون علي السكوت , يرون التدليس و الزيف و مجبرون علي التصديق , يرون الوباء المنتشر و عجلة سحق الحياة المستمرة و مجبرون علي الرضا و القبول , كل هذا هو موروث عن آباءهم و أجدادهم فمثلما فعل السابقون , سار اللاحقون .
و يا للعجب أصبحت قوة العادات و التقاليد المكتسبة و المتوارثة من جيل لآخر هي السيد و الحكم ولا شيء فوقها , فحين يُنتهك حق فتبريرهم هكذا جرت العادة , و حين يُكتم صوت فهكذا وُجدنا راضيين , وحين تُزهَق روح فهذا هو القضاء و القدر .
الحقيقة يا سادة أن الرضوخ التام لكل معطيات الحياة و قوانينها الموضوعة من قِبل أناس مثلنا لا يزيدون عنا عيناً أو عقلاً هو الذي سبّب الوضع المأساوي الذي وصلنا إليه من ضياع و إندثار كل القيم الإنسانية و التي حوّلت من ينادي بأي حق مجتمعي إلي مجنون في نظر الجميع , فمن يطلب الحرية خُوِّن و من يطلب التحرر كُفِّر حتي من يطلب أكل عيشه ومتغاضِ تماماً عن باقي حقوقه الآدمية سُحق بعجلة الحياة و سُحق أكثر بِفعل قوانينهم الموضوعة التي أصبحت كحبل مشنقة لفّ علي رقبة كل من أحني نفسه و رضخ وقِبل بالإستسلام .
إذا كان من المعتقد أن الأديان حررت البشر من شتي أنواع العبودية المطلقة , فإن في الحقيقة ما زالت هناك عبودية ضمنية بمفاهيم أخري وُجد علي أساسها إنسان القرون الماضية , فالإحتلال هو أحد مفاهيم العبودية الضمنية الذي تمحور مصطلحه و أداته من الإحتلال العسكري إلي الإحتلال الرأسمالي , نعم فالرأسمالية تقتل بمفعول أقوي من قوة السلاح , الرأسمالية تقتل بمعدل إستغلالها و طحنها للعمال , فكم عامل يعمل في اليوم بالـ 12 ساعة و الـ 16 ساعة ليكفي حاجات يومه , كم عامل يُفصل و يُسرّح من عمله , الرأسمالية التي قسمت ظهر المجتمع إلي طبقتين لا ثالثة لهما , إما فقير مُستغَل و إما ثري مُستغِل , الرأسمالية التي جعلت من شعوب تعيش في جِنان الأرض و شعوبٌ أخري تحيا في ظِل الأمراض و الأوبئة القاتلة , و إن قاومت توحش الرأسمالية و عددت أسباب رفضها يكون الجواب من المُعانين أشد المعاناة في ظلها : هكذا سنة الحياة و نحن مضطرون لأن هذا ما وجدنا عليه آباءنا و أجدادنا .
إننا بِفعل الحياة الوضيعة التي أُجبرنا عليها أصبحنا نعيش في تناقض رهيب , تناقض بين من قال لا إله إلا الله و في نفس الوقت يتخذ من دون الله أنداداً , فمن الممكن لبني البشر أن يتبادلوا السُباب بينهم البعض بسب الدين نفسه و لكن حين يُسب رجل دولة أو يُنتقد رجل دين تقوم القيامة و تُعلّق المشانق و يُرجم المتفوه بأي كلمة تجاههم .
إن المجتمع أصبح للأسف يمقت كل ذو فكر مستقل لدرجة أن من يقرأ في موضوع ما أصبح مختل بالنسبة لمن حوله , فإذا تحدثت عن مشاكل الحياة يتهموك بالكآبة , و إن تحدثت في العلم صرت مجنوناً , و إن تحدثت عن المعدومين و المهمشين صرت منبوذاً , و إذا تحدثت في الدين توّصف ملحداً , العديد و العديد من المأساة يعاني فيها كل من يطرح فكرة ما في مجال ما , كل ذلك لأن المجتمع تعوّد فقط علي التلقين و أفراده أصبحوا كالأطفال ينتظرون التعليمات لكي ينفذوها بكل سمع و طاعة , لماذا أصبح الفرد لقمة سائغة هكذا في أيدي مالكيه ؟؟ لماذا بخُست قيمته هكذا ؟؟
وصل بنا الحال أننا حين نبحث عن القيم و المباديء و التحرر كأنك تبحث في المستحيل , أصبحنا لا نستوعب الحق قدر ما نعي تماماً للزيف الذي أصبح مشهداً حيوياً من يومياتنا , فحين تستدرج العقل لمناقشة موضوع ما بمادية تامة إذ بإستحضار عائقين أو حاجزين أصبحا عالقين في عقل كل فرد يحيا حياة التلقين المجتمعية , هذان الحاجزان هما الحرام و الإستحالة , فكل فكرة منطقية للمناقشة اصبحت تندرج تحت الحرام أو الإستحالة , فما هو الحلال و الممكن بالنسبة لكم ؟؟ أهل السلطوية و الفساد و الرشوة و المحسوبية و الإستغلال و تغييب العقل و ترهيب النفس من الحلال و الممكن بالنسبة لكم ؟؟ أهل غير ذلك وجدتم في مجتمعاتكم و تعودتم علي العيش في ظلال قوانينهم الوضعية التي اتخذتوها من دون المباديء الإنسانية ؟؟
إنني حين أخاطب , فأنا أخاطب العقل البشري الذي بفطرته رافض لكل أشكال طمس شخصية الإنسان و الحجر علي الأفكار و المباديء الشخصية , إننا بصدد توحش أكثر للأنظمة التي نتعايش تحت ظلالها , إننا بصدد معركة ليست للرأي و الرأي الآخر بل لرأيهم و حجب الرأي الآخر , إن أفكارنا أصبحت محبوسة داخل عقولنا و يتم مواجهاتنا بشتي الطرق , بداية المواجهة تبدأ من بيوتنا و ذوينا الذين مع الوقت أصبحوا يدركوا تماماً أننا إنحرفنا بعيدأ عن - جنب الحيط - و سيعملون طوال الوقت علي إرجاعنا للمشي - جنب الحيط - لأن هذا ما وجدوا عليه آباءهم و أجدادهم , سيتم مواجهاتنا أينما تواجدنا و تواجد فكرنا في الجامعات في الشوارع و علي المقاهي , سيظل كل ذي فكر مطارد ممن يريدونه العدول عن أفكاره خشيةَ عليه و لكن في الحقيقة هي خشيةَ منه , إننا لسنا محررين فالشعوب وحدها هي التي تحرر أنفسها هكذا قالها جيفارا , فمن يتبنون أفكار تحرر البشرية هم أنفسهم أكثر المحبوسين و المقيدين بعقبات كثيرة , فالجميع أتوا للحياة و يعلمون أنهم فانون , فابحث عن شيء يستحق العناء لتفني نفسك من أجله .