المحامي (جميل دنو )والزعيم عبد الكريم قاسم ومحكمة الشعب


فؤاد حمه خورشيد
2015 / 4 / 16 - 01:49     

المرحوم جميل دنو واحد من اشهر محامي العراق، مارس المحاماة منذ عام 1953، وعاصر ثورة 14 تموز المجيدة، وكان مرشح نقابة المحامين للدفاع بالمجان عن المتهمين الذين تامروا على الثورة او الذين ساهموا في محاولة اغتيال الزعيم عام 1959.
في حوار اجريته معه في مكتبه في الكرادة الشرقية بتاريخ 10 تموز 2004 أحببت ان يجيبني على الاسئلة التالية التي طالما راودتني عن علاقته بكل ما كان يجري انذاك لقربه، بفعل مهنته، من رئاسة محكمة الشعب والزعيم على جد سواء .
فعندما سألته عن كيفية اختياره كمحامي عن اولئك المتهمين اجاب : نص قانون المحاكمات الجزائية بعدم جوازمحاكمة اي متهم من دون ان يكون له محام، ومن لا يستطيع ان يوكل عنه محاميا تكون المحكمة ملزمة بتوكيل محام للدفاع عنه عن طريق نقابة المحامين، لذا كتبت المحكمة الى نقابة المحامين لترشيح محامي ، فرشحتني النقابة للقيام بهذه المهمة وخاصة في قضيتي الاعتداء على حياة الزعيم ومحاولة الشواف . سألته بعد ذلك ، هل كانت لديك شروط حول اسلوب الدفاع ، وهل تقبل رئيس المحكمة المرحوم العقيد المهداوي شروطك ؟؟ وهل كان للمهداوي أية ضغوط أو تدخلات في اسلوب وطريقة دفاعك عن المتهمين؟؟ أجاب..الحقيقة عند توكيلي للدفاع عن المتهمين ،الذين اعتدوا على حياة الزعيم عبد الكريم قاسم، قابلت رئيس المحكمة العقيد المهداوي وقلت له بانني اقبل الدفاع عن المتهمين ولكن بشرطين. الأول يجب اطلاعي على كل اضابير القضية وعدم وضع اية عراقيل امامي كمحامي، وعدم اخفاء اية موضوعات سرية عني ، والثاني ان المحامي هو الاعرف بما يفيد المتهم للدفاع عنه لذا لا اريد ان تضعوا اية قيود عن كل ما اريد ان اقوله في دفاعي ... موافق رئيس المحكمة على شروطي ونفذها بالكامل . وفعلا مارست حريتي في المحكمة في الدفاع عن المتهمين ، ولم اشعر خلال فترة المحكمة بأي تدخل او اية ضغوط ،بأي شكل من الاشكال، وكنت القي دفاعي عنهم بكامل حريتي بدافع مسؤوليتي وقدسية مهنتي.
وعن سؤال عن كيفية تبليغه بالدفاع عن الذين اعتدوا على حياة الزعيم عبد الكريم ، وما اذا كان يعلم شيئا عن كيفية اعفاء الزعيم عنهم اجابني : (بعد خروج الزعيم من المستشفى – اثر تعرضه لحادث الاعتداء على حياته مساء يوم الاربعاء 7 تشرين الاول 1959- اتصل بي هاتفيا المرحوم وصفي طاهر،المرافق الاقدم للزعيم ،وقال لي : الزعيم يطلبك!، عندما ذهبت الى وزارة الدفاع دخلت على الزعيم فوجدته لا يزال مضمدا لاصابته بحوالي خمسة اطلاقات ، هنئته بالسلامة ، لكن الزعيم سألني : جميل هل انت محرج ؟! ، قلت سيادة الزعيم لماذا محرج ؟!، قال الزعيم : لانك ستدافع عن الذين حاولوا اغتيالي، واستطرد قائلا لي ، تأخذ كل راحتك في الدفاع عنهم لانني مواطن عادي ، وهؤلاء مراهقين لا يعلمون لماذا اطلقوا النار علي !، بعدها جلس وكانت الساعة حوالي منتصف الليل ، وبعد اكمل حواره معي اخرج ( السفرطاس) ووضعه على الطاولة وبدأنا بتناول العشاء معا .
وتابع المحامي جميل دنو قائلا: عقدت الجلسة الاولى لمحاكمة الذين اعتدوا على حياة الزعيم في 16/12/1959، وكانت نتيحة المحاكمة ان اعفت البعض وحكمت على من اصروا على انهم قاموا بمحاولة اغتياله بامر من حزبهم، وفي الليلة التي كانت محددة لتنفيذ حكم الاعدام وفي حوالي الساعة الحادية والنصف ليلا اتصل بي رئيس المحكمة المرحوم المهداوي هاتفيا وقال لي نصا : تدري هذا الزعيم شسوه ؟! فأجبته شسوه ؟؟ قال : عفاهم وراح يطلع الساعة 12 ليلا بالتلفزيون ويذيع البيان بنفسه !!...فتحت التلفزيون وكانت هناك اناشيد وطنية ، وفي الساعة 12 عزف السلام الجمهوري وظهر الزعيم على الشاشة وتكلم نصا :(بسم الله الرحمن الرحيم، اذا جاء اجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون)صدق الله العظيم، وبدأ بالكلام متضمنا ان ذلك هو حقه الشخصي ، وقد تنازل عن هذا الحق بقوله (عفى الله عما سلف) وعفى عنهم جميعا من حكم الاعدام .
بعد ذلك سألته فيما اذا كان يعلم شيئا عن توقيع الزعيم على قرار اعدام الطبقجلي وجماعته؟؟ فاجابني : الكل يعلم ان الزعيم عقد في 29/7/1959 مؤتمرا صحفيا استنكر فيه بشدة الحوادث التي حدثت في الموصل بشدة ، الا ان محكمة الشعب استمرت في محاكمة المتهمين بالمؤامرة وعقدت اولى جلساتها في 16/9/1959، وفي نهاية المحاكمة قررت تجريم رفعت الحاج سري والطبقجلي وجماعتهم ، وحكمت عليهم بالاعدام . وفي ليلة التنفيذ وضع القرار امام الزعيم، وبالصدفة كنت في غرفة الزعيم، فوجدت ان الزعيم وقعه على مضض، لانه استمر يقرأ القرار لمدة ربع ساعة، وكانت دموعه تهطل وهو يوقع عليه، لقد بدا لي ان الزعيم كان في لحضتها اشبه بمن اجبر على التوقيع، فتم تنفيذ حكت الاعدام بهم في 20/ايلول /1959.
وكان اخر اسئلتي للمحامي جميل دنو ، رحمه الله ، فيما اذا كان لديه شئ يود قوله عن الزعيم، قال : طلبت احدى اخوات الزعيم من اخيها الزعيم عبد الكريم ان يعطيها دارا ، في وقت كان يوزع فيه المساكن على الفقراء من امثالها في الاسكان والزعفرانية والطوبجي، لعلها تحصل على واحدة منها فقال لها الزعيم :( اذهبي الى دائرة الطابو واسأليهم هل يملك عبد الكريم قاسم دارا باسمه ، فاذا اجابوك بنعم ، اطلبي منهم ان يسجلوه بأسمك) !.