امة قوس قزح الهلامية


كريبسو ديالو
2015 / 4 / 15 - 22:02     

يارفاق كفاكم كلام بروبجنداي وتعالوا نتحدث بصدق حول ارث حكومة مانديلا (المؤتمر الوطني الافريقي) الذي كانت منذ عام 94 تدافع بإخلاص عن كبار الرأسماليين البيض الذين كونوا ثرواتهم عبر استغلال العمالة السوداء الرخيصة في جنوب إفريقيا قبل وبعد نظام الفصل العنصري وهذا الذي يفسر تحول خطاب القادة الغربيين السائد حول مانديلا من جاسوس شيوعي وإرهابي إلى قديس دنيوي و”أبو الأمة”؟ ويعتبر الدور الذي لعبه مانديلا في مهادنة نظام الأبارتيد في النصف الثاني من الثمانينيات أساسيًا في فهم هذا التحول لأن هذا النظام ظل مفيدًا للرأسمالية العالمية لأنه بفعل القمع الوحشي للطبقة العاملة السوداء ظلت الأجور منخفضة بما فيه الكفاية كي تجعل صناعة التعدين صناعة مربحة وانتعشت رأسمالية جنوب إفريقيا في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث حققت نموًا بلغ ذروته بمعدل 8% في النصف الأول من السبعينيات وقد تفاعلت الأزمة الاقتصادية مع انفجار التمرد الشعبي الذي بدأ مع انتفاضة سويتو لعام 1976 بقيادة كوادر حزب "البان افريكانزم" بقيادة "روبرت سوبكوي" و حركة "الوعي الاسود" بقيادة "ستيف بيكو" وبلغ ذروته في موجة التمرد التي شملت المقاطعات كلها في الفترة بين 1984-1986 وتشابك هذا التمرد مع ظهور حركة للعمال السود منظمة بشكل كبير في نقابات ليست عنصرية وبدأت هذه الحركة في دربان عام 1973 وبلغت أوج قوتها في بداية الثمانينيات حيث اجتاحت النقابات الطبقة العاملة السوداء وفي 1979 نظمت النقابات في اتحاد جديد هو "فوزاتو" الذي كان قادته في كثير من الحالات نقابيين ثوريين رأوا في حركة الطبقة العاملة أداة سحق الأبارتيد وآمنت الجماهير المنظمة في نقابات بالاشتراكية بقوة وفي البداية تعاملت إدارة الرئيس "بي دبليو بوتا" مع الأزمة الاقتصادية وتصاعد النضال عبر سياسة تجمع بين الإصلاحات الجزئية والقمع الوحشي وأراد بوتا إطالة عمر الأبارتيد عن طريق إدماج الهنود ممن كان يطلق عليهم “الملونون” وأقلية من السود في النظام ولكن هذه السياسة فشلت فشلاً ذريعًا حينما رفض حزب البان افريكانزم وحلفاؤه التعاون وفي 1986 أعلن بوتا حالة الطوارئ ولكن هذا الحل المستند إلى القمع فشل أيضًا ونتيجة القلق إزاء حالة عدم الاستقرار بدأت رؤوس الأموال الأجنبية تتدفق إلى خارج البلاد ولم يكن بالإمكان سحق حزب مانديلا "المؤتمر الوطني الإفريقي " عن طريق قمع الدول وبالرغم من أن الحزب تذيل للنظام بدلاً من أن يقود في العديد من الأحداث الكبرى في تلك الفتر مثل انتفاضة سويتو وتشكيل النقابات المستقل إلا أنه مع ذلك استطاع احتلال موقع مسيطر في تمثيل الدولة داخل الحرك وعجزت التيارات المنافسة مثل حركة "الوعي الأسود" والاتحادات النقابية عن تحدي حزب المؤتمر وهو ما سمح للحزب بأخذ زمام المبادر وبات ذلك واضحًا عام 1989 في المؤتمر الثالث لكوزاتو الذي خلف فوزاتو حينما جرى تسييد الخط السياسي لحزب المؤتمر وفي هذا السياق أدرك عدد متزايد من أصحاب الأعمال الجنوب إفريقيين بعيدي النظ إلى جانب المزيد من الحكومات والشركات الأجنبية إنه يجب إدماج حزب المؤتمر في العملية والتوقف عن اعتباره منبوذ ونسي هؤلاء الصفات التي سبق وأن نعتوا بها حزب المؤتم بعندما أدركوا أن الحزب ومانديلا فقط بوسعهما وقف ثورة الطبقة العامل ومع بداية سنة 1988 وعبر اجتماع في زامبيا بين قادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في المنفى وكبار رجال الأعمال الجنوب إفريقيين البيض وفتح الطريق أمام مفاوضات ترمي إلى التخلص من البنية السياسية للأبارتيد وبدأ تخفيف القيود تدريجيًا على مانديلا وبحلول 1988 وأصبح يتحاور على نحو منتظم مع وفود تضم وزراء من الحزب الوطني الحاكم وبالرغم من أنه كان لا يزال سجين النظام وكانت الإطاحة ببوتا عام 1989 بواسطة إف دبليو دي كليرك خطوة أخرى على طريق مشروع الإصلاح. وبالرغم من أن دي كليرك خرج من رحم الحزب "الوطني العنصري" وفي فبراير 1990 وحرر الرئيس الجديد مانديلا وجميع السجناء السياسيين ورفع الحظر عن حزب المؤتمر والحزب الشيوعي وبعد أربعة أعوام فاز حزب الؤتمر بالانتخابات واصبح مانديلا حبيبًا للغرب ومصدر مديح باعتباره المنقذمن جانب أعدائه السابقين وأجرى مانديلا المفاوضات الأولية وحده من دون استشارة رفاقه في الكفاح ومع ذلك أنه كان الشخصية القيادية المسئولة عن الترويج للمفاوضات كبديل للثورة بين القاعدة الجماهيرية للاحزاب وفي المنعطفات الأساسية لهذا التحول كان مانديلا من قاد الجماهير في اتجاه السياسة الانبطاحية بعيدًا عن طريق التمرد وكان مانديلا ذا أهمية بالغة للراسمالية لذلك أصيبوا بالرعب عندما مرض بالسل عام 1988 فقد كانوا يخشون أنه حال وفاته ما كان شيء آخر بوسعه وقف الثورة وأيضآ اثناء المفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية كان الشرط الأهم من جانب الحكومة هو عدم المساس بثروات الأنجلو-أمريكيين وكبار اللصوص الآخرين وحذف هدف التأميم من برنامج حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وأكد مانديلا مرارًا التزامه نحو رأس المال الخاص والاستثمارات الأجنبية وإعادة هيكلة الخدمات الحكومية الكبرى والصناعات التي تسيطر عليها الدولة التي كانت قد أنشأتها حكومة الحزب الوطني كما وافقت قيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على عدم المساس بالقيادة العليا في الجيش الذي كان يقتل سكان البلد الاصليين وعلى فترة انتقالية مدتها خمس سنوات ومنحوا ايضآ حقائب وزارية لسياسيين من الحزب الوطني الاستعماري وفي أغسطس 1990 وأمر مانديلا بإنهاء الكفاح المسلح وأدان البعض من مؤيدي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي هذه الخطوات باعتبارها خيانة للقضية واستقالوامن الحزب وشعر الكثيرون بالغضب نتيجة وقف الكفاح المسلح في وقت كانت الحكومة تطلق عصابات الموت ضد الشعب في جميع أنحاء البلاد وواجهوا مانديلا بلافتات تقول: “مانديلا، أعطنا السلاح”، و”أنت تتصرف بجبن بينما يموت الناس" ولكن الشروط التي تفاوض عليها مانديلا كانت تتسق مع السياسات التي ظل يتبناها منذ أمد بعيد فقد كان دومًا داعمًا للقطاع الخاص والهيكل البرلماني وكان اعتراضه الأساسي هو حرمان السود من المشاركة في هذين المجالين وفي محاكمة ريفونيا، عام 1964 قال للمحكمة: “لم يدع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في أي فترة من تاريخه إلى التغيير الثوري في البنية الاقتصادية للبلاد وعلى حد علمي لم يقم الحزب بإدانة المجتمع الرأسمالي قط" وكان الالتزام بالتأميم المدرج في”ميثاق الحرية” لعام 1955 مجرد تنازل شكلي يهدف إلى إرضاء وفود الطبقة العاملة في “مؤتمر الشعب" الذي تبنى هذا الالتزام ولم يأخذه مانديلا مأخذ الجد قط ولم يضع مانديلا ولا حزب المؤتمر الوطني الإفريقي قط الاشتراكية على جدول الأعمال في جنوب إفريقي وفي أفضل الأحوال وكان حزب مانديلا يرى أنه ينبغي الانتظار لعقود قبل وضع الاشتراكية على الأجندة حتى تنتهي “المرحلة الأولى” من الثورة مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية بل أن الحزب استخدم نفوذه كي ينزع فتيل معارضة الطبقة العاملة للصفقة المتعفة التي جرى التفاوض عليها وفي أعقاب أول انتخابات في أبريل 1994 عانت الطبقة العاملة السوداء التي كافحت وقاست من أجل قضية الاشتراكية في جنوب إفريقيا كي تتجرع الكأس المر بواسطة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بينما ظل قادة بورصة جوهانسبرج ومعهم حفنة من رموز الحزب البارزين يجنون الثمار وفي مساعيهم للتعبير عن الامتنان هلل أصحاب الشركات لمانديلا باعتباره رئيس “دولة قوس قزح” الجديدة التي مكنتهم من التلاعب بأرباح كبيرة عبر استغلال الطبقة العاملة ونقل مقراتهم الرئيسية إلى ماوراء البحار بينما ظل السود يقاسون حياة الأكواخ ومراحيض الحفرة التقليدية ونقص المياة الجارية وخدمات الكهرباء المحدودة والمدارس غير المطابقة للمواصفات وقليلة التمويل والكساد الذي أوصل معدلات البطالة إلى 30% أو أكثر وبعد عامين من تطبيق حكومة حزب المؤتمر لبرنامج ضعيف لإعادة البناء والتنمية قررت التخلي عنه لمصلحة برنامج نيوليبرالي للنمو والتوظيف وإعادة التوزيع وارتكزت هذه البرامج مباشرة إلى وصفة البنك الدولي وفي 1995 حظى مانديلا بالمزيد من المديح من قادة عصر الأبارتيد عندما ارتدى قميص فريق الريجبي المكروه "سبرينج بوك" في مباراة كأس العالم للريجبي بينما كان يقدم الكأس لكابتن الفريق وقام السكان الأثرياء في ساندتون وهي ضاحية أنيقة جميع ساكنيها تقريبًا من البيض بوضع تمثال له في مركز التسوق في الضاحية كنوع من التكريم ولهذا يقتصر الاهتمام بموت مانديلا في جنوب افريقيا رجال الأعمال الذين أنقذ حياتهم عندما كانوا يواجهون تهديدًا قاتلاً في الثمانينيات ومع وفاة مانديلا نتذكره كشخص لم يقدر قيمة مؤيديه حينما دفع كفاحهم نحو طريق رأسمالي مسدود ويشير ما حدث في أغسطس 2012 حينما قتل البوليس 44 من عمال المناجم المضربين في ماريكانا وهو ما يذكرنا بما حدث في شاربفيل قبل 50 عامً إلى أن النضال من أجل التحرر الحقيقي للطبقة العاملة في جمهورية جنوب إفريقيا مازال ينتظرن الجماهير السوداءوسوف يتعين ممارسة هذا النضال ليس فقط في مواجهة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بل في مواجهة الإطار الاعلامي المبالغ فيه بأكمله الذي استندت إليه حياة مانديلا