سوسيولوجيا العنف والإرهاب


ابراهيم الحيدري
2015 / 4 / 10 - 23:17     


يتناول كتابنا الصادر عن دار الساقي بيروت 2015 موضوع الإرهاب وانتشاره في جميع أنحاء العالم، ويبحث خطورته وحساسيته وتعقيده ونتائجه الوخيمة على المجتمع والفرد، وذلك عبر دراسته من الناحيتين السوسيولوجية والسيكولوجية. كما يعالج الكتاب سوسيولوجيا العنف والاتجاهات النظرية في تفسيره وعلاقته بالطبيعة البشرية مستعرضا أهم النظريات التي عالجت العنف والإرهاب، وفي مقدمتها نظريات العقد الاجتماعي، بدءاً من هوبز ولوك، مروراً بماركس وفرويد وابن خلدون، وصولاً إلى فوكو وهابرماس.
ان اشكالية الارهاب أصبحت اليوم في غاية الاهمية لارتباطاتها المتعددة وتطبيقاتها العملية وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية والاخلاقية، لكونها ظاهرة عالمية ومحلية في آن، وموجودة في الشرق كما في الغرب وفي جميع الدول والمجتمعات، سواء كانت دينية او علمانية. وقد تطورت هذه الظاهرة الخطيرة الى ممارسة يومية تعبر عن عنف وقسوة ، تدمر الانسان والمجتمع والحضارة، وخاصة حين تتحول الى ايدولوجية تكفيرية.
لقد أصبح الارهاب هاجس خوف وقلق يثير الرعب، خاصة وان الإرهاب ليس حربا نظامية، وانما يعبر عن نفسه بأعمال إرهابية مختلفة وعلى شكل حرب عصابات غير منظمة بحيث أصبح الأمر مألوفا في العراق وسوريا وافغانستان وغيرها ولم يسلم من اعمال العنف والارهاب حتى الدول الغربية الكبرى. والأكثر أهمية وخطورة ورعباً هو ان الأفراد والجماعات والدول اخذت تواجه عدوا مجهولا لا تعلم متى وأين وكيف يظهر ولماذا ولمن يوجه ضرباته القاسية. والأمر الأكثر خطورة هو ان الارهاب أصبح إرهابا جماعياً من القتل والذبح والتدمير والابادة ومن أكثر من مصدر او جهة او مكان، وأخذ الارهابيون يستخدمون أحدث الأجهزة والوسائل والأسلحة والتقنيات ووسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة.
والارهاب ظاهرة عالمية قديمة جديدة عامة وشاملة ، بل هي من أخطر واعقد المشاكل التي تواجه البشرية .انه حرب على جوهر الحياة الذي هو سعادة الانسان على هذه الأرض. كما ان اشكالية العنف اخذت تتطور بعد ان تطورت ادوات العنف واساليبه تطورا تقنيا هائلا، وبصورة خاصة بعد التطور التكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات الالكترونية، التي كونت من العالم قرية كونية صغيرة، الى درجة لم يعد من الممكن القول، بأن ثمة غاية سياسية تتناسب مع قدرتها التدميرية الهائلة، او تبرير استخدامها في الصراعات السياسية.
ومن الناحية السوسيولوجية فالعنف هو ظاهرة اجتماعية عامة وشاملة وتوجد كلما كان هناك ظلم وقمع واستبداد وتسلط، يقابله عجز وخضوع عن مجابهته. ولهذا فالعنف هو التعبير المادي للتعارض والخلاف والاختلاف الذي يولد الصراع والتنازع وليس التعاون والتفاهم والحوار.
والسؤال الهام والمطروح أمامنا هو: هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابيا؟ ولماذا يفجر الإرهابي نفسه وهو منتشي من الفرح؟!
ان التحليل السوسيولوجي والسيكولوجي يجيب على ان الارهابي لا يولد بالضرورة ارهابيا، وانما يصبح كذلك بفعل عوامل بيئية واجتماعية وسياسية ودينية مختلفة، ولذلك من الضروري دراسة العوامل والاسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعقائدية التي تنتج هذه الظاهرة أو تدفع اليها، وان فساد الحكومات وقمعها وضعف الوعي السياسي وحملات التحريض الديني التكفيرية ضد الاخر المختلف وغيرها، تنتج حواضن مهيئة لتقبل الفكر التكفيري، مما يسهل للحركات الإرهابية استغلال الشباب الذين يبحثون عن معنى لحياتهم وتوكيد هويتهم الضائعة واغرائهم بوعود براقة فشلت الدولة العلمانية عن تحقيقها.
والحال ان أخطر ما في هذه الردة الحضارية هو جانبها اللامرئي فيها، وهو عالم الأفكار، الذي يفصح عن نفسه في الايديولوجيا التكفيرية التي تزود الارادة بطاقات ورغبات وميول للانتقام واستخدام العنف والقسوة. كما ان ظواهر العنف والارهاب لم تنتشر بهذا الشكل الواسع والسريع إلا بوجود تربة حاضنة تنتشر فيها ايديولوجية مولدة.
يتضمن الكتاب مقدمة وخمسة فصول. يبحث الفصل الأول في سوسيولوجيا العنف وعلاقته بالطبيعة البشرية. كما يبحث في إشكالية الإرهاب من حيث تعريفه وتاريخه وأسبابه وكذلك دور المنظمات الإرهابية المختلفة في نشر العنف والإرهاب.
اما الفصل الثاني فيتضمن مبحثا في الثقافة والعنف من حيث سياق التثقيف وتأثيره على شخصية الفرد ونمو ميوله نحو الحب والتعاون والعمل او نحو الكراهية والعنف والإرهاب .كما يبحث في وجوه العنف المتعددة كالعنف المضاد والعنف العرقي والعنف الديني المقدس والعنف الجنسي وغيرها.
ويركزّ الفصل الثالث حول مفهوم الأصولية في الشرق والغرب التي ترتبط بالحركات الدينية وخاصة حركة الصحوة الإسلامية التي تعم منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة. وكذلك جذور الفكر السلفي الجهادي الذي يعود الى الفكر الوهابي الذي يعتمد على النقل وليس العقل. كما يبحث في أهم الحركات الإسلامية الأصولية المتطرفة وعلى رأسها حركة الاخوان المسلمين وتنظيم القاعدة واخواتها وتفرعاتها وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" وما قامت به من قتل جماعي وسبي وتشريد . إضافةً إلى الأصوليات الدينية الأخرى، كاليهودية والمسيحية، وكذلك الحركات الثورية التي خرجت على السلطة في الإسلام كالخوارج والحشاشين وغيرهما.

ويتضمن الفصل الرابع تحليلا سوسيولوجيا لظاهرة الإرهاب. فالإرهابي لا يوّلد بالضرورة إرهابيا وانما يصبح الإرهابي كذلك بفعل عوامل عديدة اجتماعية واقتصادية وعقائدية وسياسية. ولذلك فالإرهاب هو صنيعة من صنائع المجتمع، مركزين على سيكولوجية الإرهاب ودوافعه، حيث يعيش الإرهابي حالة نفسية وأفكار متطرفة يعتقد بها الى درجة الهذيان. فهو يكفر ولا يفكر، وذلك بسبب ثقافة العنف وحملات التحريض الديني وغسل الدماغ وأخذ حبوب الهلوسة وغيرها وكذلك ذوبان الشخصية في الآخر والاحتماء به. إضافة الى صدمة الحداثة ودخول عناصر الحضارة والمدنية الغربية من الأبواب الخلفية.
أما الفصل الخامس والأخير فقد تضمن بحث مفهوم التسامح وثقافة التسامح وكذلك نشأته في التاريخ واهتمام الأديان به وخاصة الاسلام والمسيحية، مركزا على دور عصر التنوير وفلاسفته في نشر مفهوم التسامح وتعميقه من جون لوك الى فولتير وكانت الى غاندي ومانديلا وغيرهم. كما تطرق الى أهمية لائحة حقوق الانسان التي صدرت من اليونسكو وكذلك مبادئ الأمم المتحدة من اجل التسامح وتعزيزه.
وفي الأخير حاول المؤلف قدر الإمكان رصد جميع حالات العنف والإرهاب وتحليل اسبابهما ودوافعهما الانثروبولوجية والسوسيولوجية وغيرها، وكذلك تأثيراتها الاجتماعية والنفسية والأخلاقية على الفرد والمجتمع .