الحشد الشعبي: الدور والمهمة


خالد صبيح
2015 / 4 / 5 - 22:03     



يؤكد العارفون، أعني الذين يعيشون في أرض الوطن، أنه لولا تشكيلات الحشد الشعبي لتجولت داعش في أحياء بغداد. قد يكون هذا صحيحا في ظل حكومة فاشلة وضعيفة كحكومة المالكي التي وقعت كارثة داعش في فترة ادارتها، لكن تطور الأحداث والتغير السياسي والاداري الذي حدث بعد رحيل المالكي وحكومته، وتطور قدرات القوات المسلحة العراقية، بات يفرض اعادة النظر في امر هذا الحشد الذي تحول، في أجزاء كبيرة منه على أقل تقدير، إلى ميليشيا شيعية تنفذ أجندة لاعلاقة لها بتحرير المدن التي إحتلتها داعش، ولا بحماية العاصمة ومدن الجنوب.

إن أمر حرف الحشد عن أهدافه وإستغلاله لمصالح حزبية ضيقة كان أمرا متوقعا، ومايجعله متوقعا وممكن الحدوث هو وجود قوى سياسية شيعية مرتبطة إرتباطا مباشرا بإيران وتنفذ اجندتها وفق استراتيجية توافق عقيدي وسياسي معها. ولإيران، شئنا ام ابينا، وسواء اكان ذلك وفق نظرة سياسية ام ناتج عن عقدة شخصية منها، مطامح في العراق والمنطقة بعمومها، تتوسل الطائفية كغطاء ايدلوجي لأهدافها. ولايخفى أن إيران تنظر للعراق نظرة خاصة وتعتبره عمقا استراتيجيا لها، او جزءا حيويا لتوسعها الإقليمي، اي انه في القلب من امبراطوريتها الوهمية. وقد أكد هذا الجانب شخصيات إيرانية لها مكان محوري في النظام السياسي الإيراني. وستشكل إيران، كما يبدو، وفق هذه التطلعات، دائرة صراع يكون مركزها العراق ومحيطها يتسع باتساع المطامح الاقليمية الايرانية، وإذا لم يكن ذلك بدفع من مطامح قومية خالصة فطرت عليها الدولة الايرانية، فسيكون بسبب التنافس والتزاحم الإقليمي وتنازعاته. وإذا كان أفق شيعة العراق ليس إيران، كما ذهب الى ذلك الباحث العراقي حيدر سعيد، فإن الصراع الشيعي العراقي الداخلي، وبدفع ايراني محض، سيتمحور حول هذه النقطة الجوهرية:


ماذا سيكون افق شيعة العراق؟ الأفق الايراني، أم أفق الوطنية العراقية.

من هذه الزاوية وتلك الأبعاد يمكن النظر في أوضاع تشكيلات الحشد الشعبي ومابراد لها ومن ورائها.

كما هو معروف فإن القوى السياسية الشيعية العراقية، وكذلك الجسد السياسي والاجتماعي الشيعي بعمومه، هي قوى غير متجانسة، وأغلب أطرافها لها مرجعيات غير المرجعية الجامعة (مرجعية السيد السيستاني) وهي في خلاف فكري وسياسي مع هذه المرجعية كما مع الحكومة بل ومع الدولة. بمعنى أنها تتحرك وتمارس نشاطها وفق أهواءها ووفق ارتباطاتها وتاثراتها الخاصة. لهذا فهي ركبت موجة الحشد الشعبي وأخذت تمارس من داخله وعلى هامشه ممارسات خرجت عمليا عن الأهداف الحقيقية التي طرحت فيها فكرة الحشد الشعبي، التي انطلقت بناءا على فتوى المرجعية. وهي فكرة طرحت، بشكل جوهري، وباهدافها المعلنة من أجل الدفاع عن المدن، تحسبا لتوقعات بتدهور أمني شامل، بُعَيد احتلال الموصل في حزيران 2014، كان ينذر بوصول داعش الى مدن الجنوب، لاسيما المقدسة منها ( كربلاء والنجف)، كما هددت بذلك داعش نفسها منتشية بنصرها السريع. لكن بعض الإجتهادات، سواء من القوى السياسية أو من الحكومة، دفعت بقوات الحشد الشعبي إلى مهام أخرى أَبعد من تلك التي شُكل من أجلها، كمهمة تحرير المدن التي إستولت عليها داعش. وهذا ليس أمرا خاطئا ولا هو بالسيء بحد ذاته، لكن توظيفاته التي قامت باستغلالها الميليشيات المعروفة بأجندتها الإعتراضية والمرتبطة بإيران (الصدريون والعصائب وربما جماعات اخرى تابعة للمالكي الذي أراد أن يعوض بها فشله وهزيمته)، أقول إن هذه التوظيفات وتداعياتها هي التي أّخلّت في بنية قوات الحشد الشعبي، وأساءت له وللهدف الوطني الذي كمن وراء إطلاقه. وربما يكون ماتشهده الآن مدينة تكريت بعد تحريرها من داعش، من أعمال إنتقامية، كالحرق والنهب وغيرها، وباعتراف جهات رسمية، من عمل تلك الميليشيات ولحسابها الخاص بغرض التاجيج الطائفي، الأمر الذي يقدم دلالة، في حال إثباته، على إنفلات هذه الميليشيات أو من يأتمر بأمرها، ونزوعها للتمرد على إرادة الحكومة والإنشقاق عنها. وفي نفس السياق، هناك جانب اخر مهم للغاية، يتعلق بوجود السلاح خارج سيطرة الدولة، فبغض النظر ما اذا كانت هناك ميليشيات طامحة فعلا لادوار معينة في داخل الحشد الشعبي ومن خلاله أم لا، فان وجود السلاح خارج سيطرة الدولة وبقاءه بيد قوات الحشد الشعبي أو الميليشيات التي بداخله سيعقّد الوضع الأمني ويترك الدولة ضعيفة بمواجهة قوة خارج سيطرتها، ستشكل، فيما لو تطورت قوتها، وتعزز إنجازها، ندا مؤذيا للدولة يمكن ان يفقدها قدرتها، أي الدولة، على السيطرة على أمن البلد وإدارته. لهذا السبب، ولأسباب أخرى، ينبغي أن يعاد النظر بطبيعة دور ومهام الحشد الشعبي، وقَصر عمله على حماية المدن التي يتشكل من أبنائها، بعد تخليصه من إطاره الطائفي المحدود، ليكون حشدا من ولكل العراقيين، وان لايقتصر على الطائفة الشيعية كما هو الحال الآن، وان تقتصر كذلك مهام تحرير المدن على القوات الامنية العراقية، من الجيش والشرطة، وأظن أنها قادرة، مع الدعم الدولي، وبعد ماقدمته،ش لها وعنها، تجربة تحرير تكريت، على إنجاز هذه المهمة.