ظاهرة الايمو - نشأتها والتيارات السابقة


احمد زكي الزبيدي
2015 / 4 / 2 - 09:46     

شهدَ العراق تغيراتٍ سياسيةً واقتصادية واجتماعية أحدثت كوارث وويلات صبَّت على الشعب العراقي بطوائفه وأديانه، ولاسيما في الحقبة الممتدة بين (1963م-2004م)، ممَّا نتج عن ذلك يأسٌ مفرط وحزن شديد لدى معظم الشباب، ناهيك عن الفوضوية الفكرية والفراغ القاتل الذي يعيشونه بسبب حرمانهم من وجود عملٍ مفيد يشغلهم أو تعيين بوظيفة ما ترشدهم، فكان من الطبيعي أن تنشأ جماعات منهم رافضة لهذا الواقع الأليم، وتحاول التعبير عن ذلك بوسائل وطرق معينة، وهذا الرفض للواقع يكون على اتجاهين: اتجاه ثوري متجدد واتجاه انعزالي متردد في اتخاذ ما يلزم للتغيير، ومن هذه الجماعات الانعزالية ما تدعى بظاهرة الأيمو.
ولو راجعنا التاريخ جيدا وقرأنا صفحاته بروية وتأنٍ نجد أنَّ هذه الظواهر المتطرفة الانعزالية كانت موجودة على اختلاف مسمياتها ومفاهيمها في جميع بقاع العالم، دعاها علماء النفس والاجتماع بـ ((مرض العصر))، وهو الشعور باليأس والقنوط والإحباط لدى الشباب جراء ما يحدث في المجتمع من ويلات ومصائب عامة.
ففي الحقبتين اللتين حدثت فيهما الحربان العالميتان الأولى والثانية (1917م-1945م) وما بعدها،شهد العالم وجود تيار حاد من الشباب سمي بالتيار الرومانسي، وكان منشؤه قصص الرومانس الخيالية التي شاعت في القرون الوسطى مثل قصة ((تريستان وابزولد)) ، وهو تيار حاول التعبير عن أفكاره بالحزن والأسى وربما اليأس بل وحتى الانتحار!!
تميز التيار الرومانسي برفضه للعقل والمنطق والفلسفة، لأنها سبب الكوارث والمصائب التي حلت في جميع البلاد..وشجَّع على العاطفة والخيالات، وأشاد بالرؤى والأحلام ، وذلك لأن الخيال والأحلام سهلة التشكيل والسيطرة و((حريرية الملمس))، فتفجّرت تلك العواطف والخيالات في نفوس الشباب آنذاك...
غير إنَّ التيار الرومانسي لم يدم طويلا، ويعزى ذلك الأمر إلى عدم قدرة هذه الخيالات على تغيير الواقع المزري، وإيجاد حلول لمشاكل الشباب، فالأحلام والرؤى عالم كامل وردي المظهر لكنه لن يرفع حجراً ملقى على الأرض, فبدأ تيار جديد آخر سعى إلى التغيير والتجديد من الحياة التي يعيشها الشباب، وهو التيار الواقعي أو الواقعية الذي تأسس عند إعلان البيان الأول لإتحاد الكتَّـاب السوفيت سنة 1934م على يد الروائي الروسي مكسيم غوركي، واستندت مفاهيم هذا التيار على الحركات الشيوعية السائدة في ذلك الوقت، التي تأسست عندما أعلن الفيلسوف الألماني كارل ماركس وصديقه فريدريك انجليز البيان الشيوعي الأول عام 1847م.
لاقى ذلك التيار والحركة الفكرية الواقعية صدىً واسعاً في أرجاء العالم، وحقق نجاحات باهرة في احتواء الشباب المندفع وراء كل جديد، واستهوتهم تلك الأفكار الاشتراكية من اجل تحقيق طموحاتهم وأهدافهم ولاسيما في مجال الإيديولوجية الماركسية التي تحاول النهوض بالفئات الكادحة والمضطهدة من الشعوب، غير أنَّ الواقعية الشديدة قد أحدثت نفوراً لدى البعض لاستناد الواقعيين على الفلسفة المادية الخالصة وانعدام وجود العاطفة والرؤى والخيالات، فبدأ تيار جديد آخر مناهض أعلنه الفرنسي اندريه بريتون وهو البيان السريالي، الذي يستند على أطروحات العالمين النفسانيين سيغموند فرويد وجوزيف برويل.
وكان التيار السريالي متجهاً إلى بواطن النفس البشرية ودراسة الأحلام وعلم الباراسايكولوجي، فلكل شيءٍ ظاهرٌ وباطن، و الشخص السريالي من يستطيع أن يصل إلى بواطن الأمور عبر الأحلام والتهيُّـؤات، لذا فإنَّ للمجانين -في نظرهم- فلسفةً خاصَّة وطريقة مغايرة للحلول في ما وراء الوراء، ومن قبله جاء التيار الدادائي الذي تتلخَّص فكرته بالنكوص والارتداد إلى ذكريات الطفولة وأحلام الصبا..
فهذه التيارات المتضاربة حاولت التعبير عن مشاعرها وأحاسيسها بطرق مغايرة وعفوية، فضلا على ظهور جماعات تشكلت بسبب محاولة التميز والظهور والشهرة من دون الاستناد على مبادئ وإيديولوجيات معينة، ومن أمثلتها جماعات (البانكس) و( السبايكي) و(الهبيز) وهي تعتمد على حداثة الموضة من ملابس وإكسسوارات وغير ذلك.
ولا شك أنَّ ظاهرة الأيمو العراقي هي امتداد لتلك التيارات الشبابية في الموضة العصرية..
والأيمو في الأصل هو اختصار لكلمة ((emotional وتعني الانفعالي والعاطفي أو الرومانسي، وهم أناس شديدو الحساسية والانفعال، يميلون إلى الاكتئاب واليأس والانطوائية في حياتهم، ويميلون أيضا إلى كتابة الخواطر والأشعار الرومانسية، على الرغم من ركاكتها وضعفها الأدبي، فضلا على مظهرهم المميَّـز من عيونهم المكتحلة إلى ملابسهم المتَّسمة بالأشكال الغريبة الضيقة جدا أو الفضفاضة جدا، وتكون منحصرة باللونين الأسود والزهري، كما يتميزون بالاستماع إلى أنواع من الأغاني الأجنبية الصاخبة مثل: الروك والميتال التي تصم الآذان، وتسبب فقدان الشعور بالحواس وانعدام التوازن، وقد بدأت هذه الموضة في تسعينات القرن الماضي في أميركا ثم انتشرت إلى أوربا وآسيا.
و الأيمو لا يفرقون بين الأيمو الصبي والأيمو الفتاة، فالكـل في نظرهم ( emo kids) فلا يختلفون في الهالة السوداء حول أعينهم أو تسريحة الشعر التي تكون أشبه بالتسريحة الأسيوية المنسدلة على الجبين وتغطي الإذنين.
ويعتقد البعض أنَّ الأيمو هي فرقة انحدرت من فرق عبادة الشيطان، وهم فرق ضالَّة تمتد جذورها إلى الأزمان السحيقة من تاريخ البشرية، التي انتشرت في أغلب الحضارات الشرقية والغربية كحضارة وادي الرافدين وحضارة الفراعنة والهند وغيرها، وكانت عبادة الشيطان نتاجاً فكرياً تبنّـته دياناتٌ ميتة مثل: الزرادشتية والمانوية والمزدكية ....الخ.
وهذه الأفكار الثنوية تتلخَّص بوجود إلهين يحكمان الأرض وهما: إله النور وإله الظلام، وتكاد كل هذه الفرق والديانات تتفق على هذه الفكرة على الرغم من اختلاف أشكالها، والتي تكون على ثلاثة مجموعات رئيسية: فمجموعة تعبد الشيطان لتجنُّـب شرَّهُ ودرء خطرَه، وهم يؤمنون بوجود الله (عزَّ وجل)، ولكنهم يعظمون من شأن الشيطان ويحترمونه ، ويتمثل هذا المعتقد بطائفة الأيزيدية الموجودة في شمال العراق.
ومجموعة أخرى تقسم العبادة على إلهين اثنين احدهما يوازي الآخر ويشاركه، فهم يعبدون اله الظلام المتمثل بالشيطان لتشريكه مع إله النور المتمثل بالله (عز وجل) في صنع الكون وإدارته، ولكل من عبادة الإلهين طقوس وأعياد خاصة به، ولعلَّ أبرز من تبنَّـى هذه الفكرة هم أصحاب الديانة البرهمية.
والمجموعة الأخيرة تعتقد بأن الشيطان هو الإله الحقيقي المدبر، وكلُّ ما بعده فهو خيال ورؤى. وذلك لأن الشرَّ في اعتقادهم موجودٌ منذ الأزل، وهو الأقوى والأسبق، ودليلهم في ذلك الأمر أنَّ الشر يحتاج إلى الخير لأنه مادة، ولكن الخير لا يحتاج إلى شر ليكمله، فالخير إذن هو مجموعة أفكار ورؤى إنسانية طرحت على الشر الأسبق لمحاولة تغييره، والشر هو القاعدة الأساسية للنفس البشرية التي تنطلق إلى مقومات الخير عبر وسائل عاطفية وأمور غيبية..الخ.
وكانت عبادة الشيطان ((Satanism في العصر الحديث مجرد ظواهر اجتماعية منحصرة بفئات قليلة جدا لا خطر فيها، حتى أسس (أنطوان ساندور ليفي) معبدا للشيطان في أميركا سنة 1966م، وبدأ بممارسة طقوسه وتقاليده، وألف كتاباً اسماه (الإنجيل الأسود) وحاكى فيه طريقة الإنجيل المسيحي من حيث الشكل والمضمون، فضمَّنه عادات وطقوس وتشريعات هذه العبادة، ومن أهمها: الوصايا التسع التي خالف فيها كل ما جاء في الوصايا العشر للنبي موسى(ع)، فشاعت بين الناس هذه العبادة، وانتقلت كالفيروس بين خلايا المجتمعات كافة.

20/3/2012