حول الورشة الفكرية عن اليسار في البحرين و الخليج العربي

جواد المرخي
2015 / 3 / 31 - 09:30     

كانت لفتة مميزة عقد ورشة فكرية عن اليسار من قبل الرفاق المعنيون بترتيب الاحتفالات بمناسبة ذكرى مرور ستون عاما على تأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية, هذا الفيصل الماركسي العريق و الذي قد لعب منتسبوه أدوارا وطنية مميزة في ساحات النضال الوطني في البحرين, و الذي كان له الأثر بصفتة أول تيار وطني ماركسي في البحرين و الخليج العربي.

في هذه الورشة وضع الرفاق مسألة ضرورة البحث عن واقع اليسار في البحرين و الخليج العربي, و قد خصص من الوقت حوالي الأربع ساعات وكان في يوم السبت تاريخ 14 من فبراير 2015 , و في ضيافة التقدمي حينها كان للرفاق المشاركون في الورشة كلمة الافتتاح للرفيق الآمين العام عبد النبي سلمان, و المحاضرون الرفيق الدكتور حسن مدن الآمين العام السابق للتقدمي, وكان بعنوان "انحسار اليسار.. عودة الماركسية" و الرفيق نائب ألامين العام للتقدمي عبدالجليل ألنعيمي بعنوان "صعود تيارات الإسلام السياسي وهل لها تأثير على انحسار نفوذ اليسار في الخليج" و أيضا كان للرفيق من التيار التقدمي الكويتي احمد الديين مشاركة بعنوان "محور مستقبل اليسار في البحرين و الخليج العربي" .

لقد افتتح الرفيق عبدالنبي سلمان الورشة ثم أكد للحضور على إن هذه الحلقة الحوارية الفكرية وهي تنعقد في ظل تنامي الحراك الشعبي المطلبي في البحرين، و الذي قد دخل عامه الرابع من اجل أن ينال شعب البحرين حقوقه التي ناضلت من اجلها أجيال متعاقبة في البحرين. في هذا السياق أكد الرفيق على انه و بالرغم مما يحصل من تعقيدات على الساحات المحلية والعربية والإقليمية، إلا إن قوى اليسار دائماً هي من قد يطرح الأفكار المهمة لمعالجة ما يحدث من تدهور في مستويات عديدة، خصوصا في ظل الانقسامات المجتمعية على شكل فئوي و مذهبي و طائفي و المدعوم من قبل جهات لها مصالح في البلدان العربية، و منها شرائح عديدة, وقد حذر الرفيق من أن تقع بلداننا في المزيد من بؤر التوتر و التخلف و الاستبداد و الدكتاتورية.

ومن ثم قد تطرق الرفيق الدكتور حسن مدن إلى دور انحسار اليسار و الذي قد مر بمراحل زمنية، إن كان ذلك على الصعيد العربي او العالمي، مؤكدا هذا يحدث لأسباب موضوعية لكن المفارقة هي إن النظرية الماركسية دائما تعود بقوة، ذلك برغم من الكلام الكثير الذي قيل عن نهاية الماركسية، حينها وجه الرفيق النقد لبعض الماركسيين الذين اظهروا برائتهم منها وقد ابدو سخريتهم من ماضيهم وقد وصل الأمر إن هناك من ندم على ما أنفقوه من وقت في نضالاتهم في صفوف الماركسيين، متبارزين في خلع جلودهم القديمة الماركسية و ارتداء القبعة الليبرالية الأنيقة، أو ارتداء العمامة الإسلامية، ثم قال إن ألاذكياء من الرأسماليين ومن أهل اليمين يعرفون جيدا حق المعرفة ما الذي تعنيه أفكار ماركس على مستوى العالم اليوم.

ثم أضاف الرفيق هذا الكلام إذا كانت الماركسية كفكرة تحيا و تحضر بهذه القوة، فلماذا يدور الحديث عن انحسار اليسار؟ ثم علل مسالة الانحسار لليسار في سببين: السبب الأول مربوط بالظروف الموضوعية. والثاني له صلة بأهمية تجديد الفكر الماركسي ليوائم المستجدات و التطورات.

ثم تطرق الرفيق إلى التحديات الكبرى التي تواجه اليسار في العالم العربي، ونحن في البحرين جزء منه وهو انفجار الهوايات الفرعية ومخاطر تشظي ما يعرف بالدولة القطرية العربية إلى مجموعات عرقية و مذهبية و طائفية، بعد أن كان المشروع بعد الاستقلال الوطني هو بناء الدولة الوطنية التي تدمج في نسيجها الواحد كل الهوايات المختلفة، ثم أن اليسار هو المعني بذلك وهو القادر على استيعاب هذا النوع من الأفكار بحكم هويته الأممية التي هي عكس الهوية القومية الشوفينية، أو الإسلامية المعبرة عن طائفة معينة.

ثم تطرق إلى محنة اليسار العربي الذي كان له دور فاعل و مؤثر في صفوف القوى المجتمعية في السابق, ذلك قبل ظهور القوى الفئوية و الطائفية في المرحلة الراهنة, وان هذه القوى استطاعت أن تستحوذ على القاعدة الشعبية الكادحة, و المسحوقة و المعدمة, الذي كان لليسار في أوساطها نفوذ واسع بما في ذلك في صفوف الطبقة العاملة ونقاباتها.

المتحدث الأخر فى الورشة الرفيق عبد الجليل النعيمي الذي أشار إلى تحركات الشعوب العربية في بعض البلدان عام 2011, و التي أسست لها مواقف في العديد من الساحات و الميادين مطالبة بالمزيد من الحريات العامة و الديمقراطية والعيش بكرامة, و توسيع القاعدة لحقوق الإنسان إلا أن القوى التقدمية و اليسارية صاحبة الرسالة لتحقيق مهام التغيير الجذري لصالح الجماهير والتي كان من المفروض أن تستغل تلك الظروف الثورية و الزخم الموضوعي, لم تكن في الجانب الذاتي على استعداد وليس هي في طور التأهل وبذلك ما كان لها القدرة الكافية من الاستعداد للاستجابة للحصة الثورية الحاسمة التي عمّت الوطن العربي, كما لم يكن لها الاستعداد البشري، أو التنظيمي، أو المادي لقيادة التغيير الديمقراطي.

ثم أشار الرفيق إلى مفصل مهم من مفاصل الاقتصاد للإسلام السياسي في الخليج بحيث انه اكد على إن التنظيمات للإسلام السياسي في الخليج والتي استفادت من العوائد النفطية بحجم تغلغلها في الهياكل الاقتصادية بصفتهم تنظيمات متداخلة مع هياكل الدول الخليجية, وذات صلة بأصحاب القرار السياسي, و النفوذ ومن خلاله قد فتحوا لهم القنوات الرسمية الواسعة للتمويل المادي’ خصوصا التمويل المباشر للجمعيات و الهياكل الإسلامية على شكل من الإعمال الخيرية, وهي في الواقع تمول الجمعيات و الجماعات الإسلامية في الداخل و الخارج, ولها مشاريع تجارية وبنوك مصرفية, ثم أعدوا لهم الكوادر في كل المجالات و لكل الحالات.

إلا أن وبعد محاولة الهيمنة للإسلام السياسي اتضح انه في المقام الأول لا يمثل الجماهير بل يميل للفئوية المجتمعية, مقسم الشعوب على شكل طائفي, و مغلب طائفة على أخرى, وعليه فانه ليس له مستقبل طويل لأنه لا يستطيع أن يحل مشاكل المجتمعات العربية بشكل عام, و لا حتى المشاكل الخاصة لطائفة معينة التي ينتمي إليها, ثم انه غير قادر على توحيد الشعوب العربية, لأنه قد شطر المجتمعات العربية على شكل من الصراعات الطائفية البغيضة, و النزاعات المذهبية و العرقية.

في زاوية أخرى, بخصوص محور مستقبل اليسار في البحرين و الخليج العربي كانت ورقة للرفيق العزيز من التيار التقدمي الكويتي احمد الديين الذي دخل على الخط عن مستقبل القوى والعناصر اليسارية في البحرين و الخليج العربي, في محاولة فتح أفاق لتاريخ نضال هذه القوى عن معزل عما تواجهه هذه القوى و العناصر من تحديات في الوقت الراهن, و المسببات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الوطنية و النضالية و التنظيمية, و التي جميعها ليست بالهينة. ثم أكد أن هذه تحديات وجب مواجهتها بطرق النضال المستمر, و العمل الدؤوب بعيداً عن عقلية التراجع عن النضال في الساحات, وهو من الأسباب لا انحسار دور اليسار في المنطقة.

ثم شدد على أهمية خوض غمار التحدي المقرون بالعمل و النضال للقوى اليسارية في الخليج كي تكون في مقدمة الصفوف في ساحات النضال ضد هيمنة الأنظمة التسلطية, و حلفائها الطبقين المسيطرين على القرار السياسي و الاقتصادي, و الذي وصفهم على أنهم العائق الأول أمام التطور المجتمعي و التحول الديمقراطي, و عدم تعزيز العدالة الاجتماعية و الدفاع عن المكتسبات الوطنية و الشعبية. ومن ثم أكد على ضرورة أن تكون القوى التقدمية و اليسارية في البحرين و الخليج العربي مناضلة من اجل توسيع رقعة الحريات العامة, و إطلاق الحريات الشخصية, وتعزيز النضال في صفوف القوى الوطنية من اجل تفعيل الإصلاحات الدستورية و الانتقال إلى الأنظمة الخليجية البرلمانية الحقيقية.

وان تكون القوى اليسارية وعناصرها في وسط المجتمعات الخليجية هي العابرة بحق للطوائف و القبائل, و ان ترفض بقوة كل النعرة الطائفية القادمة من قبل بعض قوى الظلام, مع ضرورة اندماج القوى اليسارية في الحياة بجميع عناصرها, بعيدا عن تأثير بعض النخب المثقفة التي عزلت نفسها عن المجتمعات الخليجية, وهذا يحتاج أن ينظم اليسار أنفسهم و يوسعوا نفوذهم و قواعدهم في عجلة سير النضال المستمر من خلال انتهاج سياسات صائبة لليسار تستند إلى إستراتيجية واضحة المهام من اجل التغيير الوطني الديمقراطي بأفق اشتراكية, و التأكيد على دور الطبقة العاملة و الفئات الشعبية في قيادته بدلاً من الاستسلام لدعوات الدور القيادي للبرجوازية مع الاحتفاظ لليسار بعلاقات قوية مع القوى الوطنية في خلق القطب الوطني الديمقراطي.

حقيقة إن هذا هو الأهم لما دار في الورشة الحوارية الفكرية على شكل من التحليل السياسي اليساري الواقعي و الشفاف في مسالة انحسار دور اليسار في البحرين و الخليج العربي, مقروناً بضرورة التوجه الماركسي لوضع الحلول لكل ما يجري من تحديات لليسار في البحرين و الخليج العربي, و هذا جزء مهم في تطور السياسة للتأكيد على أهمية الأفكار الماركسية اللينينية في صفوف الأحزاب و القوى الماركسية الخليجية و العربية في سياق الربط لكل القضايا منها التنظيمية, و الجماهيرية, مشددين على أن يكون اليسار دائما في حالة من الاستعداد و المثابرة و العمل و تفادي كل الأخطاء, و تجنب الميول للأفكار الليبرالية وغيرها خصوصا ممن يحاولون فتح الثغرات للتقليل من الأفكار الماركسية, فى الجوانب الحزبية و الجماهيرية, و من ثم وجب الاستفادة من الدروس التاريخية و المواقف, و التوجه المباشر بالأفكار الماركسية إلى الجماهير بصفة أن اليسار هو المعني برسم طرق النضال, و خلق الانشطة بمقارعة الأوهام الرأسمالية, و الرجعية على مستوى الوطن العربي و العالم.