الشباب و الحركة بلا تنظيم


مارك مجدي
2015 / 3 / 24 - 03:08     

اربع سنوات قد مرت علي ثورة يناير, شهدت مصر خلال تلك السنوات احداث و تغيرات متتابعة اوصلتنا الي الوضع الحالي .فمنذ ان تولي انور السادات الحكم و شروعة في ادخال مصر فيما سماة بسياسة الانفتاح الاقتصادي , ثم تولي مبارك السلطة متبنيا نفس سياسات السادات بل في سياق اكثر تخلفا حتي اندلاع الحدث الثوري في يناير , كانت مصر في مرحلة التراكم نحو التغيير , 43 سنة من الفساد و الاهمال و النهب المنظم و القمع و التجبر هي من جعلت من سقوط مبارك امر وارد مهما كانت قوتة و سطوتة علي مؤسسات الدولة , فقد كان هذا التراكم غير واضح حتي احداث 2008 الذي افصح فيها جمهور المحلة الكبري عن غضبة بقيادة عمال مصنع غزل المحلة.و لكن احتوي مبارك تلك الاحتجاجات فلم تتمكن اي قوي سياسية ان توظف هذا الحدث في سبيل الاصلاح السياسي او الثورة بل كان قمع هذة الاحتجاجات بمثابة برهان علي قوتة و ضمانا لبقائة .
مع تصاعد الحديث عن الثوريث و تزايد سيطرة حاشية العائلة الحاكمة علي موارد مصر و مع التزوير الواضح لبرلمان 2010 , احبطت كل الكتل السياسية و الحركات المطالبية حتي اتت بشاير نجاح الثورة في تونس و هروب بن علي , فتجدد الامل و عاد الطموح في التغيير و بدات نهاية حكم مبارك في يناير 2011 .
و اذا تتطور الاحداث لتئول بنا الي ما وصلنا الية , نجد ان سمة الاربع سنوات الفائتة هي الفوضة و التخبط و انعدام الرؤية الناتجة عن انعدام التنظيم, و قد تجاورت هذة السمات بجانب دعاوي تتلخص في ان "ثورتنا هي ثورة شباب " و لا تحتمل اي افكار سياسية ايدولوجية و لا تعمل لصالح اي من التنظيمات السياسية .
و تستجيب القوي السياسية لتلك الدعوات لتخفض راياتها و تاجل شعارتها للوقت المناسب الذي لم يحين الي وقتنا هذا , و حين نعيد النظر, نجد ان تلك الدعاوي لم تخدم سوي اللاعب الاساسي في المرحلة الانتقالية بجانب القوات المسلحة و هي جماعة الاخوان المسلمين الارهابية .
و بوصول المتاسلمين الي السلطة و بعد خلعهم منها من جانب الشعب المصري عن طريق خروجة الي الشارع في 30 يونيو , استلمت القوة الاخري الاكثر جهوزية و هي القوات المسلحة المصرية و التي لعبت دورا وطنيا مركزيا في خلع الاخوان و تنفيذ مطالب جموع الشعب .
و بين صراع مصالح متعارضة و كتلة حرجة ساذجة لم تلعب دورا سوي ان تجعل من نفسها اداة في يد القوة المنظمة الاخوانية , تعارك الجميع في سبيل قطعة من الكعكة بينما دفع الثوريين الثمن غاليا بدمائهم نتيجة لسذاجتهم و انعدام رؤيتهم و ذلك كنيجة منطقية لرفضهم فكرة التنظيم الذي يحمل بدورة رؤية و مشروع وطني للتغيير .
مما لا شك فية ان الشباب هم وقود كل التحركات الثورية علي مدار التاريخ بل من دونها لا يمكن ان يتحقق اي تغيير , الا ان تلك المرحلة تحملت اكثر من ما تستطيع و وضعت في مصاف الطبقات و هذا خطا جسيم ارتكب بقصد احيانا و بدون قصد في احيانا اخري .
فاذا رجعنا لتاريخ اشهر و اهم افعال التغيير علي مدار القرن الماضي, نجد ان الكتلة الصلبة المركزية المحركة لفعل التغيير نفسة هي الطبقات المتضررة من المنظومة القائمة و اصحاب المصلحة في التغيير , و بالتاكيد تلك التحركات الثورية تعاصرجيل محدد و هو ما يطلق علية بجيل الثورة . و لكن ما يوظف تضرر تلك الطبقات مع صعود جيل جديد يحمل افاق التغيير هو الشكل التنظيمي الموجود الذي ينجح في توجية زخم الثورة و يضرب اعدائها و يتسلم زمام الامور كفعل يعلن عن نجاح ثورة .
و كلمحة سريعة عن الثورات السياسية في القرن الماضي ننظر الي روسيا سنة 1905 أي ثورة الكاهن الارثوذكسي جورجي جابون , كانت ثورة عمالية سلمية ألهمت بقية فئات الشعب وأدت في نهاية الأمر إلى قيام أول برلمان منتخب في روسيا، وقيام الملكية الدستورية في البلاد , كمنجز ساهم في صعود البرجوازية الي السلطة و مشاركتها مع الاقطاع. وفي اكتوبر عام 1917 قاد البلاشفة بقيادة العظيم فلاديمير لينين ثورة عمالية بالتحالف مع الفلاحين وأقاموا أول دولة اشتراكية كان لها تأثير كبير على العالم.
وما بين عامي 1930_1931 قاد المهاتما غاندي حركة عصيان مدني واسعة النطاق ضد البريطانيين في الهند، إلى أن أدت إلى استقلال الهند وإنهاء الاستعمار البريطاني فيها. وفي السلفادور بأمريكا الجنوبية، نظمت مجموعة من الطلاب والأطباء والتجار عام 1944 حملة إضراب عام ضد الانتهاكات المتواصلة للحكم العسكري الدكتاتوري للبلاد، أجبرت " الجنرال مارتينز " على الاستقالة، ثم إلى الرحيل إلى المنفى وانتصار الثوره.
وفي الصين استطاع الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونج سنة 1949 السيطرة على الصين بعد ثورة فلاحية مسلحة قادها ذراعه العسكري "جيش التحرير الشعبي .
وفي فيتنام استطاع الحزب الشيوعي الفيتنامي بقيادة الزعيم هو شي منة هزيمة عدة دول استعمارية وعلى رأسها أمريكا وأقام دولة اشتراكية في فيتنام.
و في كوبا 1959, استطاعت المقاومة المسلحة بقيادة فيدل كاسترو هزيمة قوات الديكتاتور التابع لامريكا لفولجنسيو باتيستا مبتبعين التكتيك الذي طورة ارنست شي جيفارا و هو تكيتيك حرب العصابات بجانب تنظيم اضراب شامل علي مستوي كوبا , حتي نفي باتيستا الي البرتغال و سيطر الثوروين علي الحكم .
وبين العامين 1977-1979 شهدت إيران احتجاجات واسعة جمعت الإسلاميين واليساريين بهدف الإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي الموالي للولايات المتحدة الأمريكية. وفي نهاية 1978م، هيمنت القوة الإسلامية على الثورة بقيادة آية الله الخميني ، و استولوا علي السلطة في ايران بعد ان صفوا اليساريين تصفية جسدية , و كان هذا الحدث درسا لليسار المتحالف مع التاسلم .
وفي جنوب أفريقيا عام 1983م، توحدت مجموعة من النقابات والتنظيمات والقيادات الدينية في حملة سلميه واسعة ضد سياسة الفصل العنصري، نجحت الحملة، بالتزامن مع العقوبات الدولية التي فرضت على جنوب أفريقيا، في الضغط على السلطة لإطلاق سراح الزعيم "نيلسون مانديلا"، وبدأت على إثرها مفاوضات أدت فيما بعد إلى ترسيخ الأسس الديمقراطية في البلاد.
و في مصر ثورة 1919 , قاد حزب الوفد ثورة شعبية من اغلب فئات الشعب اعتراضا علي الاحتلال البريطاني و سياسات الملك الخاضعة حتي حققت الثورة مطالبها، ففي 28 فبراير ألغت بريطانيا الحماية المفروضة على مصر منذ 1914. وفي 1923، صدر الدستور المصري وقانون الانتخابات وألغيت الأحكام العرفية. و لكن لم تستطع الثورة تحقيق الاستقلال التام، فقد ظلت القوات البريطانية متواجدة في مصر .
فاذا نظرنا الي الثورات السياسية البورجوازية في وجة الاقطاع , و ثورات التحرر الوطني في وجة الاستعمار , و الثورات السياسية الاشتراكية في وجة الراسمالية . فاننا نخرج بتوصيف يوصلنا انها استخدمت اشكال تنظيمية للنضال من اجل تحقيق اهداف محددة , و في الغالب تبنت هذة الاشكال التنظيمية مشاريع و دراسات و تحليلات و برامج اودت في النهاية الي رفع شعارات مطالبة بالتغيير . و بجانب تلك الاطر التنظيمية كان جمهور الثورة و الكتلة الصلبة فيها هي الطبقات و الفئات المتضررة و ليس مرحلة عمرية معينة .
و كما نعاصر في مصر مسميات كثورة الشباب التي ساهمت بشكل اساسي في تسطيح فكرة الثورة بدافع ان التغيير مقترن بالاجيال, فاصبح التصور السائد ان الصراع صراع بين اجيال فيمثل الشباب التقدم و ثمثل االاجيال الاخري التاخر و التبعية للنظام , و هي بالتاكيد رؤية مغلوطة حول الصراع علي التغيير , فنتيجة لذلك تكونت ائتلافات و حركات علي اساس المرحلة العمرية و طبعت بختم الثورة و اختذلت في مرحلة معينة و ظهر مصطلح شباب الثورة حاملي صكوك الثورية و محتكرين الحديث عنها .
و لكي نوضح اكثر فراغ هذين المصطلحين "ثورة الشباب " و "شباب الثورة " من الجوهر و المضمون , نوضح ان الشباب فئة عمرية ، حددتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ما بين سن 15-25 عاما ، كما حددها البعض بين 15- 29. المهم في هذا الشان , أن الشباب شريحة عمرية وليست فئة أو طبقة اجتماعية ، إذ منهم الفقير والغني ومنهم المتعلم والأمي ، والعامل وغير العامل ، ومن العاملين الفلاح والعامل والموظف و الطبيب و المحامي و رجل الأعمال وغيرها من الوظائف ، وهذا ما يتوجب إبقائه في خلفية التعاطي مع المفهوم الذي نتحدث حوله . كما أنهم يتميزون ، وبغض النظر عن جنسيتهم أو لغتهم ، الأقرب للحداثة ، والأكثر تعليما ، والأكثر مغامرة ، والأكثر إقبالا على الحياة ، والأكثر نشاطا . وفي دول العالم الثالث وبسبب إيلاج العلاقات الرأسمالية فيها ، وبسبب التحولات البنيوية المشوهة ، حدث التقدم في جزر اجتماعية تركزت في المدن ، وتطور قطاع الخدمات على هامش تطور العلاقات التجارية بين الداخل والخارج ، وتطور التعليم ، وحدث انقسام في المجتمع ، كان فيه الشباب أكثر تعليما ، واطلاعا على التطورات الدولية . وفي ظل التطور العالمي غير المتكافئ ، كان الشباب مع الحرية والتقدم والديموقراطية ، والتنمية، أكثر من الشرائح العمرية الاخري و نتيجة لتلك الظروف كانوا هم الاكثر تطلعا للتغيير اكثر من غيرهم .
و رغم ايلام شباب المدن بالاوضاع السياسية و الاقتصادية اكثر من غيرهم و حماسهم نحو تحقيق التغيير , الا ان خروجهم وحدهم غير كافي لاحداث التغيير المناسب كما لاحظنا علي مدار احداث يناير فلم يتضخم هذا العمل الثوري الا بانضمام الفئات الكادحة و ابناء المناطق الشعبية و كافة الشرائح الاخري و اختتم اخيرا بمساعدة القوات المسلحة المصرية لة في اتخاذها الخطوة الاخيرة لتنحية مبارك .
اذن نستخلص مما سبق :
1_ ان ثورة يناير ثورة شعبية شارك فيها كل المتضررين من نظام مبارك , شبابا كانوا او من اجيال اخري .
2_ ان اكذوبة ما يسمي بالثورة الشبابية هو ادعاء كاذب استخدم في تقليص دور التنظيمات لصالح تنظيم الاخوان المسلمين الذي تمكن من خلال نفوذة الفكري و الثقافي ان يتلاعب بالثوريين و يفرض نفسة كلاعب اساسي علي الساحة .
3_ ان الثورات بطبيعتها يجب ان تقوم بها طبقات و فئات و ليس مرحلة عمرية غير واضحة الاطر رغم تفوق اوضاع الشباب المتعلقة بالوعي السياسي.
4_ ان التنظيمات الشبابية الغير الحزبية الموجودة بنيت علي اساس صراع الاجيال , و ليس علي ان تتبني احتياجات الشباب و تسعي لتمكينهم في المجتمع, و ان تخوض نضالا اجتماعيا لصالحهم و لذلك تضائلت و انكمشت و اصبحت تخاطب كتلة معينة تمثل اقلية وسط الشباب .
5_ان علي الشباب الفاعلين سياسيا ان يتجهوا نحو التنظيمات الحزبية في سبيل بناء بديل موضوعي مناقضا للقوي المعادية للتغيير و ان يتخلوا عن النمط الاحتجاجي في التغيير و يهتموا بالمطالب الاقتصادية الاجتماعية و تنظيم الطبقات صاحبة المصلحة في اطار تنظيمي ينتزع حقوقهم جميعا .
خاتمة :
ان كان علي عاتقنا نحن الشباب بناء وطننا و الانتقال بمجتمعنا الي التقدم, لزم علينا ان نتبني مصلحتة العليا التي تكمن في مصلحة طبقاتة الكادحة المعدمة فنضالانا في سبيلهم هو تحدي كبير و نضال صعب لا سلاح لنا فية سوي التنظيم الذي يحمل مشروعا و فكرا و ثقافة تقدمية .