نظرية التربية الاسلامية و اثرها علي المنظومة التعليمية الحديثة


مارك مجدي
2015 / 3 / 24 - 03:07     

_اثر نظرية التربية الدينية علي المنظومة التعليمية الحديثة
تعرض هذة السطور القليلة في ايجاز رؤية حول المسبب الاساسي لازمة التعليم في مصر, فهي تبرز المشكلة التي قد وصفها معظم من بحثوا في هذا الشان بالمشكلة الاساسية , و هي طريقة الحفظ و التلقين للمحتوي للعلمي في المناهج الدراسية .و لكي نفهم لما تمثل تلك الطريقة المشكلة وجب علينا ان نذكر منبعها و هو التعليم الديني و كيف نقلت تلك الطريقة من التعليم الديني الي التعليم الحديث .
في مطلع القرن التاسع عشر, نشب صراعا فكريا في الشرق و تحديدا في مصر , نشب نتيجة لتساؤل قد اثير حول مدي صلاحية منظومة التربية الاسلامية . تساؤل فتح الطريق لمعركة فكرية بين فريقين كلاهما يحمل نظرية تعليمية متكاملة في مواجهة الاخر .
تمثل الفريق الاول في مفكرين ليبراليين دعوا الي التخلي عن الماضي و الاطلاع علي النظرية الغربية و محاولة تطبيقها في مصر , اما الفريق الثاني فكان فريقا محافظا رجعيا يميل الي التمسك بالنظرية الاسلامية التقليدية في التعليم . وصل الصراع بين الفريقين لدرجة عالية من الحدة حتي اعلن اصحاب النظرية الاسلامية و هي عادة الرجعية علي مدار التاريخ, كفرالفريق الاخر و وصفوة بالتخلي عن الدين والدعوة الي الفسق و الفجور .
دار الجدل بين الفريقيين حتي ظهر فريقا ثالث يقق في الوسط و يستسثمر التناقضات بين الفريقين الاخرين و قد فرضت نظرية هذا الفريق علي ارض الواقع لاحقا .
كان التعليم في مصر حتي القرن التاسع عشر منحصرا في التربية الدينية الاسلامية المهتمة بتعليم اللغة العربية و تحفيظ القران و تعاليم الدين السلامي . حتي ظهر محمد علي و شرع في بناء تعليم مصري يحمل روح الحداثة, و يلبي احتياجات دولتة الجديدة من البيروقراطيين , و كانت اول محاولة لبناء تعليم مدني في مصر .
اقام المدارس و استقدم الغربيين للتدريس و ارسل بعثات طلابية الي فرنسا حتي اكتملت منظومة التعليم المدني المنقولة حرفيا عن الغرب. و اصبح التعليم في مصر نوعان: تعليم مدني و اخر ديني ,و شكل كل نوع منهم منظومة مختلفة عن الاخر حتي بدا محمد علي في محاولة التوفيق بين المنظومتين , فعين مدرسين اللغة العربية و الدين الاسلامي من الازهريين .
اختلط الازهريين في المنظومة المدنية و مع مرور الوقت تداخلت الطريقة الاسلامية مع المنظومة المدنية , فبعد ان نقلت الطريقة الغربية في التعليم بحذافيرها الي مصر , وبعد ان اختلط الازهريين فيها , اصبح التعليم بتعبير الدكتور احمد عزت عبد الكريم في شكلة اوروبيا و في روحة ازهريا . و بتعبير اخر اصبح التعليم في مصر يستخدم العلم في سبيل التخلف , فقد اتبع المدرس المصري متاثرا بالتعليم الازهري الطريقة التقليدية الذي استخدمها في دراسة و تعليم القران الكريم و الدين الاسلامي لدراسة و تعليم العلوم الانسانية و الطبيعية الحديثة , و من هنا بدات عملية انتاج التخلف .
و لكي نفهم اثر هذا الاندماج السلبي بين الطريقتين علينا ان نلقي نظرة سريعة علي الطريقة الدينية في التربية .
فقد اعتمدت التربية الاسلامية بشكل اساسي علي الحفظ و التلقين او ما يسمي باللغو , فقد كانت المواضيع الاساسية في الدراسة الاسلامية كما ذكرنا سابقا هي حفظ و تلاوة القران الكريم بجانب قواعد اللغة العربية , اتخذت الطريقة الاسلامية النقل اسلوبا في كافة المواضيع ,و لكنها كانت تدرس نصوص دينية مقدسة و تعتمد المنهج الديني في تفسير كافة الظواهر .
بينما تعتمد الطريقة الغربية علي تدريس العلوم الطبييعية و الاجتماعية و التي لا تحمل اي شكل من اشكال القداسة بل يجب ان تتعرض للنقد في اطار تطورها . و مع الاختلاط و التطور الذي حدث في المنظومة التعليمية المصرية اصبحت العلوم التي يجب ان تفهم تنقل الي العقل دون فهم و حولت المنظومة المصرية العلوم الي مطلقات لا تحتمل الخطا وذلك نتيجة لتطبع التعليم المدني بالتعليم الديني عن طريق الازهريين الذين استقدموا الي التعليم المدني .
ففي هذا التطبع ترجمت المنظومة الجديدة اسوا ما في المنظومة القديمة و لكن في صبغة مدنية و تحولت عقول المصريين الي وعاء معلوماتي يحمل العلم بجانب الاساطير و الغيبيات . فاصبحت المنظومة التعليمية في مصر تستورد العلم من الخارج كالمادة الخام و تحولة الي مطلق في عقول المصريين, فاذا كان من الصالح حفظ القران و تلاوتة , فان العلوم لم توجد لتحفظ و لتصم و لكنها وجدت لتفهم و تكون مادة للنقد و التحليل , فالعلم لا يتطور الا بالنقد .
و لا يمكن ان يحدث النقد في اطار المنظومة التعليمية المصرية مدرسية كانت او جامعية , فهي منظومة متشبعة بالتعنت السلطوي الابوي , المتمثلة في سلطة الاستاذ علي تلميذة , تلك السلطة التي لا تتحمل النقد و التشكيك .


نظرية الحفظ و التلقين او اللغو .
اعتمدت التربية الاسلامية علي الحفظ ,عن طريق حيوية ذاكرة الطفل الدارس و قدرتة علي الاستيعاب و تحصيل اكبر قدر من المعلومات في الصغر فبادرت بملء ذاكرة التلاميذ في صغرهم بشتي المعارف , و لكنهم اغفلوا قاعدة تربوية مهمة وهي ان الانسان يجب ان يحفظ ما فهم و ليس العكس , استخدمت هذة الطريقة اولا في المدارس ثم انتقلت الي الجامعات المصرية لاحقا . كانت نتيجة هذة النظرية العقيمة هي اكتفاء اغلب الافراد بالافاظ و ليس المضمون .
و بما اننا قد اوضحنا كيف تم اعادة انتاج المنظومة التربوية الاسلامية من خلال المنظومة الحديثة في ايجاز, فقد سيطرت عليها ايضا الية الحفظ و التلقين. و عندما ننظر نظرة سريعة الي تلك الالية فانها تبرز لنا ما فيها من عيوب بشكل تلقائي و ليس علينا سوي ان نذكر ان في اغلب المحاولات التاريخية لتوصيف ازمة التعليم المصري كانت الازمة الاساسية الواضحة الجلية هي ازمة الحفظ و التلقين ,فعندما نرجع سريعا الي السياسي المفكر احمد لطفي السيد الذي شغل منصب وزير المعارف عام 1928و الذي قد استقدم دارسين وخبراء الي مصر ليوصفوا لة الازمات الاساسية في العلمية التعليمية المصرية من وجهة نظر دول رائدة حينذاك كفرنسا و انجلترا , توصلوا نهائيا الي ان اصل تخلف العملية التعليمية هي مسالة اللغو فهي المسبب في قتل العقلية الابداعية لدي الدارسين بجانب انها تجعل التعليم شيئا الزاميا اجباريا يقوم بة الدارسين بدون اي ارادة او حب لما يتعلمون . بجانب بعض الازمات الاخري الذي قد عينها دكتور كلاباريد استاذ السيكولوجيا و الخبير في علم النفس التجريبي مثل ازدحام الصفوف الدراسية _ و مشكلة عدم وجود كوادر تعليمية حقيقية _تدني وضع المدارس المادي. و نجد ان هذة المشاكل لا تزال مصر تعاصرها حتي وقتنا هذا.
و عندما ينظر اي فرد يبحث عن التقدم و التغيير يجد ان المنظومة القائمة ليست سوي اداة لاعادة انتاج القيم المجتمعية و خصوصا المتخلفة منها عن طريق ادخال مسلمات في عقول الدارسين ينمو و يكبروا بها و يصبح من الصعب عليهم ان ينظروا الي الحقيقية الموضوعية .
انها تقتل كل ابداع عقلي و كل عقلية نقدية عن طريق قتلها للتساؤلات , فسلطة المعلم ايا كان في المدرسة او الجامعة تمثل ببساطة قمعا فكريا و تعبر عن الارهاب المباشر الذي يمارسة المجتمع علي نفسة , فالمعلم هو المصدر الوحيد للمعلومة و ما يلقنة للمتعلم هو الحقيقة المطلقة ,و تسلط المعلم ليس سوي ترجمة لكافة اشكال التسلط في مجتمعنا , فليس التساؤل الخارج عن اطار ما يسمي "بالمنهج", و هو ابعد ما يكون عن المنهج في معناة الحقيقي, ليس هذا التساؤل مسموحا , انة يمثل الخروج عن المجتمع و التفكير في ما هو منافي للقيم السائدة و يعتبر المتسائل اما اثما او كافرا او جاهلا, و لكن كما اوردنا سابقا ليس التعليم سوي اداة لاعادة الانتاج الثقافة السائدة للطبقات الحاكمة , فتلك المنظومة تتطور منذ مئات السنين لنقل قيم المجتمع الخاضع الي التركيب الذهني للفرد . فنقد الافكار و القيم السائدة ليس سوي اداة للتمرد علي ما هو موروث , و الموروث في مجتمعنا قد تحول الي علم, و لكن الموروث بطبيعتة مطلق و العلم بطبيعتة نسبي , و اذا تحول العلم الي مطلق فهو ليس بعلما .
فاذن, تختصر مهام المنظومة التعليمية في قتل الابداع و انهاء النقد العقلي فهي ليست سوي مصنع ينتج بشر بدون عقول (وذلك ضمانا لهيمنة الطبقات الحاكمة) يمثلون الدوغمائية في ابشع صورها . و لما كان هدف التعليم يوما مواجهة الاساطير فهو الان الاداة الاساسية للحفاظ عليها .

التعليم و قضية الاصلاح الديني :
و عندما نبحث كتقدميين عن ازمة التنوير و تجديد الخطاب الديني تجديدا متصل بالجماهير و اسباب سيطرة الافكار الظلامية علي المجتمع نجد ان ما توارثة التعليم المصري المعاصر من التعليم الديني هو السبب الحقيقي وراء رفض جموع الشعب للافكار التحررية, فالسم الفكري الرجعي يبث في عقول ابناء الشعب المصري علي هيئة افكار يوميا و بشكل مستمر, فلا نجد الازمة في مناهج التعليم الازهري فقط , و لو اننا نعترف ان من باطن التعليم الازهري ظهرت الازمة الا نها نقلت ايضا الي التعليم العادي .
وان كانت مصر تحارب التطرف و الارهاب, فان اصلاح التعليم هو اهم الجبهات الذي يجب ان نحارب عليها .فالازمة ليست ازمة تربية و فقط انما ازمة عقل يتم اغتصابة و علم يتم اغتيالة يوميا في ما يسمي بالتعليم في مصر . فلن يهزم الارهاب الا بعقول صاعدة مستنيرة تفكر بمنهجية و تبحث عن العلم و تحارب الافكار الظلامية و تساهم في انهاء الثقافة الوهابية السائدة , و هذا لن يحدث سوي بمنظومة تعليمية جديدة مختلفة اختلاف كلي عن المنظومة الحالية تقوم بدور معاكس لها و تكون منبعا حقيقيا للقيم التقدمية .