سلطوية رجال الدين .. من الأزل و إلي الأبد


أحمد محمد منتصر
2015 / 3 / 23 - 09:00     

إنه لمن العجيب أن نري أقواماً يُبيحون ما حُرِّم في الأديان و العكس أيضاً و كلٌ بتبريره , و لعل البعض يُرجع السبب لقوة العادة و سُنة الحياة و هكذا , و يكأنهم يقولون هذا ما وجدنا عليه آبائنا و أجدادنا , و بالفعل هذه هي الإجابة للعديد من التساؤلات المفروضة الآن مجتمعياً , و لكن هناك أسئلة لابد أن تُسئل كيف و لماذا وصلنا إلي هذا الحال و نحن من نُطلق علي أنفسنا - شعب متدين بطبعه - ؟؟ و الحقيقة أن التدين شيء و التطبُع شيء آخر .
فلننظر لعلماء الدين أو بمفهوم عصرنا هذا - رجال الدين – و أنني حين أتحدث عن رجال الدين فإني أعني كلا من رجال الدين الإسلامي و المسيحي , فقد قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر " اعلم يا أخي أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة "
و في أسفار الكتاب المقدس عُرف رجال الدين بأنهم لسان حال الله وسط شعبهم , فالإسلام عظّم من قيمة علماؤه و المسيحية هكذا و لكن هل رجال دين اليوم من يظهرون علينا بعمائمهم و لِحاهم الطويلة ليل نهار هم من قيل فيهم هذا الكلام ؟؟
فهُم بسم الدين أباحوا الدماء , بسم الدين تجاوزوا عن الأخطاء , بسم الدين أباحوا للصوص أن يكونوا أولاة أمورنا , بسم الدين تم انتهاك حقوق أعظم مخلوق في الوجود وهو الإنسان , بسم الدين و السلام و سُنة الحياة و طاعة أولي الأمر وُجِب علينا أن ننحني للحكام نرضي بجورهم قابعين في ذُلهم , و بعد كل هذا هل ما زالت لحومهم مسمومة ؟؟
فبنظرة ثاقبة إلي الأزهر و شيوخه و علماؤه , و أيضاً إلي الكنيسة و آبائها و كهنتها , فكليهما أصبح مُبارِك للحاكم و مُبرر للسُلطوية المفروضة تحت أي ظرف و أي قانون , إنهم وعلي مدار العصر الحديث أصبحوا بإرادتهم أو رغماً عنهم جزء أصيل من نظام الحكم في أي قُطر تحكمه الطواغيت , فمن يقُل أن عصر الدولة الثيوقراطية مثلاً قد انتهي فقد كذب بل بالأحري نقول أنه تمت ثمة مشاركة في الحكم و الفعل السياسي كالذي حدث بدولة البابوية التي بدأت تتقهقر منذ عام 1870 عندما أعلنت إيطاليا الحرب علي الدولة البابوية إثر مظاهرات اندلعت مطالبة الحكومة الإيطالية بضم روما و حتي عام 1929 حيث قيام دولة الفاتيكان والتي ضمت الأراضي الخاضعة للكرسي الرسولي كبديلاً للدولة البابوية .
ثم نرجع للوراء بالتاريخ للعصر الإسلامي حتي نعرف أن فكرة تسييس الدين للحُكم لم تكن وليدة العصر فقط فبعد عودة الصراع العرقي مرة أخرى الذي كان دائر في الجاهلية بين بنى أمية و بنى هاشم و بالتحديد ليس في بداية هذا الصراع بل بعد إنشاء الدولة الأموية و توريث الحكم ليزيد بن معاوية بن أبى سفيان و من هنا سارع الخلفاء الأمويين في استخراج الفتاوى من العلماء المسلمين لتأييد حكمهم و صلاحيتهم للحكم و من هنا بدأت فكرة تسييس الدين لكسب القابلية الشعبية للحكم دون اعتراض و لتطبيق شكل من أشكال الثيوقراطية مستنكرين مبدأ الشورى في الإسلام و لهذا فعلى أى حركة تريد أن تصل للحكم أن تطعن في دين أو نسب الفرقة الحاكمة .
هكذا أصبح رجال الدين ألعوبة في يد الحُكام و الخلفاء و من كان يُعارض هذه السياسة كان مصيره السجن كما حدث مع الشافعي و ابن حنبل و على وجه العموم برزت فكرة الحاكم المُطاع بموجب الشرع الديني و أن الاعتراض عليه يعتبر خلاف مع الشرع و الدين و استمرت هذه الفكرة متواجدة في البلاد الإسلامية حتى الآن في بعض البلاد صاحبة السلطة الملكية مثل المملكة العربية السعودية .
و لعل من المواقف القليلة في العصر الحديث التي شهدت لرجال الدين بإنحيازهم التام لإستقلالية علماء الدين و مواجهتهم لفساد الحكام و طغيانهم هو موقف الأزهر بقيادة الإمام محمد عبده حينما أراد الخديوي التأثير علي الأزهر لإصدار فتوي ضد عرابي بإعتباره خروج عن الحاكم و عصيان و لكن كان رد الأزهر قاطعاً بأن علماء الأزهر علماء فقه و يفتون علي ما ورد في الشرع و أن عرابي و جماعته غير مخالفين للشرع , ففوجيء الخديوي برد الأزهر و لجأ لشيخ الإسلام الذي بالفعل أعلن عصيان عرابي فتضارب المصريون بين فتوي الأزهر و شيخ الإسلام و تضاربت الآراء حول عرابي بسبب تلك الفتاوي , و من هنا نبين الدور التاريخي لرجال الدين و خطورة إستحضارهم في تقرير مصير الشعوب و الزج بهم بهذه الطريقة لتدعيم رأي أو سياسة أو فرض قانون , بل في الحقيقة هذا الدور التاريخي للدين في فرض أساليب الحكم لعبه المصري القديم البدائي فبعد أن عرف الإستقرار في وادي النيل و أخد في بناء حضارته التي كانت مرتبطة بالعقيدة في الدولة القديمة , فلم يكن ملك مصر على مر التاريخ المصري القديم مجرد حاكم أو مالك للأرض و لكنه كان رمز ديني أحيانا يُعتبر إله كما في الدولة القديمة أو يُعتبر شخص مكلف من قبل الإله أو ابن للإله .
و الآن في حاضرنا الذي نعيشه تخرج علينا جماعات و تيارات دينية تارةً تسمح لها الدولة في العمل السياسي ما دامت هذه التيارات خاضعة لسياسة الدولة و مسارها المرسوم لها و تارةً أخري تصُب الدولة غضبها علي هذه التيارات و إلصاق تهمة الإرهاب و التطرف بها فهذا هو المسار التي تخضع لها التيارات الدينية .
و بعد كل ما تم سرده علي سبيل المثال لا الحصر ما زلنا نسأل الآن لماذا تتم المتاجرة بالدين ؟؟ لماذا توجد تيارات أو جماعات مُتخذة من الدين شعاراً تفرض سلطويتها بالسلاح و الأفكار الرجعية ؟؟ لماذا حتي الآن حكومتنا مُتخذة من الأزهر و الكنيسة ذراعان للحُكم مع باقي أعوانها من القضاء و الجيش و البوليس ؟؟ فالإجابة بسيطة و هي أن هذا ما وجدوا عليه آبائهم و أجدادهم , إنه من قديم الأزل و كل ما هو مُتاح أصبح مُستًغلاً من قِبل الحكام لتوطيد دعائم حكمهم من عادات و تقاليد شعوب تم دثرها و أديان تم تشويهها و إستغلال القائمين عليها , فالتحرُر ثم التحرُر من الأفكار الرجعية التي يطرحها و يصيغها رجال دين الدولة هو الدافع الأول الذي من خلاله تنطلق سيرورة تحرُر الإنساني الحقيقية .