من دروس الثورة وضرورة انهاض الحراك الشعبي


غياث نعيسة
2015 / 3 / 19 - 23:13     

من دروس الثورة وضرورة انهاض الحراك الشعبي


يبدو المشهد السوري في اللحظة الراهنة من الدينامية الثورية التي تشرف على عامها الخامس٬-;- بالنسبة للبعض ، معقد ومحبط في الوقت نفسه.
حيث يجد ما يبرر الاحباط في تقدم قوى الثورة المضادة٬-;- المتعددة الرؤوس٬-;- على حساب القوى الثورىة والحراك الشعبي٬-;- فلا يحتاج الامر الى فهم سياسي رفيع لملاحظة ان النظام الحاكم لم يسقط بعد٬-;- بل استعاد زمام المبادرة العسكرية والسياسية٬-;- ولاحظنا تكاثر الوفود الاوربية والاقليمية لزيارته٬-;- وايضا نلاحظ التحول العلني في خطاب الدول الكبرى واغلب الدول الاقليمية تجاهه. فمن المطالبة برحيل الطاغية الاسد الى القبول به كمفاوض في المرحلة «  الانتقالية ». وان قواته العسكرية المدعومة بقوات ايرانية وحزب الله وعراقية وغيرها بشكل علني ورسمي قد حققت تقدما عسكريا في العديد من المناطق السورية.
في حين ان المناطق « المحررة » فقدت اكثر فاكثر من صفتها « محررة » لصالح حقيقة انها مناطق تقع اكثر فاكثر تحت سيطرة قوى فاشية ورجعية معادية للثورة مثل داعش والنصرة واحرار الشام وامثالها ٬-;- من خلال ممارسة الاخيرة لسياسة القضاء على الحراك الشعبي وعلى الفصائل المسلحة التي ما تزال ترتبط ٬-;- بشكل او باخر٬-;- بمطالب الحراك الشعبي٬-;- مثال حديث على ذلك هو ما قامت به جبهة النصرة في القضاء على العديد من هذه الفصائل مثل جبهة ثوار سورية ولاحقا حركة حزم.
ومن دواعي الاحباط والشعور بتعقيد الموقف الذي ينتاب مشاعر الالاف من السوريين وخاصة اولئك الناشطين الذين وصلوا لمرحلة فقدان البوصلة وانعدام استشراف أي آمل بالمستقبل٬-;- هو ما وصل عليه حال المعارضة السورية المكرسة اعلاميا واقليميا ودوليا٬-;- فاضافة الى فساد قسم هام منها وخاصة الائتلاف التي زكمت رائحة الفساد الذي ينخره انوف حتى الدول التي ترعيه وتتحكم به٬-;- فان الجزء الفاسد منها الذي تاجر بالثورة وبرهاناته على تدخل عسكري خارجي ٬-;- واشاع ٬-;- مثل النظام٬-;- خطابا طائفيا٬-;- اضر بالثورة وكان شريكا للنظام في ذلك. اذن٬-;- هذا القسم الفاسد من المعارضة٬-;- بعد ان اضج اسماعنا بخطاب ثورجي فارغ ورفضه اي تفاوض مع النظام الحالي بوجود الاسد. انتهى به المطاف الى اعلان قبوله بمفاوضة النظام دون شرط رحيل الاسد. وكان يكفي ان يقبل الرئيس الفرنسي هولاند باستقبال خالد خوجة رئيس الائتلاف الحالي لمدة نصف ساعة لكي يخرج الاخير بموقف مغاير يقبل بسحب شرط رحيل الاسد لمفاوضة النظام.
واخيرا اتفقت كلا من هيئة التنسيق والائتلاف ٬-;-في هذا السياق٬-;- على وثيقة مبادىء تسمح لهما بالعمل المشترك. وذلك في اطار طبخة اقليمية ودولية لحل «  سياسي » اي فوقي يحافظ على اسس ومقومات نظام الطغمة الحالي مدمجا به بعض المعارضين الليبرالين الذين ابدوا خلال اربعة سنوات استهتارا لا حدود له بتضحيات الشعب السوري ورغبته بالتحرر.
ولكن بالرغم من هذا الجو من الاحباط المذكور٬-;- نجد عوامل عدة تناقضه٬-;- فالناس ما تزال تأمل بتغيير شامل ينقل حياتها الى حال افضل مما كانت عليه٬-;- واصبحت السياسة والاهتمام بمصير البلاد ومستقبلها يعني كل الناس التي لم تعد تخاف ان تعبر عن رأيها٬-;- حتى في مناطق النظام. كما ان النظام قد اثبت ٬-;- مرة اخرى٬-;- عن استهتاره بحياة الناس وفاقم من قمعها وافقارها٬-;- وانكشف عن وجهه كطغمة حاكمة ومالكة٬-;- ولا ترى فيه الناس حتى تلك التي تحياده الان خشية من القوى الرجعية نظاما سياسيا صالحا للبقاء. في حين ان الجماهير التي تقبع تحت سطوة القوى الجهادية الرجعية والفاشية٬-;- فان كان عند بعضها٬-;- سابقا٬-;- شيء من الوهم عن ان « الاسلام هو الحل » فان ممارسة هذه القوى الرجعية الوحشية بحق الجماهير جعل الاخيرة تتخلص وبشكل مبكر من هذا الوهم المدمر.
علاوة على انه بالرغم من تراجع الحراك الشعبي فانه لم يتوقف٬-;- فالمظاهرات ما تزال تخرج ليس فقط ضد نظام الطغمة فحسب ٬-;- بل وايضا ضد قوى الثورة المضادة كداعش والنصرة كما جرى مؤخرا في ببيلا وبيت سحم. كما ان حركات الاحتجاج تتفاقم في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام.
لذلك ٬-;- لم يعد مهما ٬-;- سياسيا٬-;- متابعة مواقف هذه المعارضة المرتهنة لانها في الواقع لا تملك قرارها وليس لها ادنى استقلالية عن الدول التي ترعاها. وهي ليست سوى بيادق بأيدي الأخيرة.
وفي مثل هكذا لحظات صعبة من تراجع للحراك الثوري٬-;- وتقدم ملحوظ لقوى الثورة المضادة٬-;- وتدخل اقليمي ودولي يعمل على انضاج حل لا يتوافق٬-;- على ما نعتقد٬-;- مع ما قدمت من اجله الجماهير الشعبية السورية أغلى الاثمان اي اسقاط نظام الاستبداد والقهر والاستغلال وبناء نظام حر وديمقراطي يقوم على المساواة والعدل ٬-;- في مثل هكذا لحظات صعبة سيكون من الايغال في الوهم الرهان مجددا على هكذا معارضة او على نوايا النظام الاقليمي والدولي الذي لا يعنيه بشيء مصالح الشعب السوري ولا معاناته٬-;- وهو ما كشفته السنوات الاربع الماضية ٬-;- لمن لا يزال يرغب بعدم رؤية الواقع.
اذن في مثل هذه اللحظات العصيبة٬-;- فان الموقف٬-;- الذي كان وما يزال صحيحا٬-;- هو الرهان على انهاض كفاح جماهير شعبنا٬-;- رغم الوهن والانهاك الذي اصابها٬-;- لان تعديل موازين القوى الاجتماعية والسياسية داخل سوريا هو وحده القادر على فسح المجال لمخارج تتوافق مع مصالح شعبنا في تحرره من كل استبداد ووصاية ،من اجل الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية.
وهذا ما يتطلب من جهة تنسيق وتجميع نشاطات ما تبقى من تنسيقيات وهيئات العمل الشعبي والتجمعات والمجالس المحلية التي ما تزال تحمل برنامج الثورة الشعبية بشكل يسمح بانهاض الحراك الشعبي الثوري بمطالبه المذكورة اعلاه٬-;- وفي الوقت عينه٬-;- ضرورة تشكيل جبهة ديمقراطية يسارية ثورية واسعة ٬-;- كقطب ثالث ضد النظام وضد قوى الثورة المضادة الرجعية٬-;- في آن معا ٬-;- تحمل برنامج الثورة الشعبية وتسمح باظهار قيادة سياسية ثورية بديلة عن معارضة الارتهان للقوى الاقليمية والدولية٬-;- الشرقية والغربية.
وفي ما يخصنا فاننا ما زلنا نرى الاهمية القصوى لمتابعة العمل على بناء اليسار الجذري وحزبه٬-;- فقد اثبتت وقائع الثورات في منطقتنا ان غياب الحزب الثوري الجماهيري كان من اهم العوامل التي تمنع انتصارها٬-;- وسمح٬-;- ضمن عوامل اخرى٬-;- بتقدم الثورة المضادة التي تهيمن اليوم على المشهد السياسي في عموم منطقتنا. ولان التأخر في بنائه سيعني اعادة دورة الفشل في الموجات الثورية القريبة القادمة٬-;- لا محالة.
لا مكان٬-;- اذن٬-;- في هذه اللحظات الحاسمة٬-;- للتردد او الاحباط او الاستسلام.
فلنتابع الكفاح والعمل بلا هوادة

بقلم : غياث نعيسة