أربع سنوات، وتستمر الثورة


عديد نصار
2015 / 3 / 19 - 08:37     

تكتمل هذا الأسبوع أربع سنوات على انطلاقة الثورة السورية. أربع سنوات شهدت على مدى العداء الذي يكنّه النظام الأسدي للشعب السوري والذي تجلّى حقدُه بهذا الكمّ المرعب من الجرائم الدموية وهذا الكمّ المذهل من الدمار والتهجير الكثيف لهذا الشعب، وعلى مدى العداء الذي أظهره النظام العالمي لأي بادرة تغيير حقيقية تبادر اليها الشعوب بإرادتها الحرة، وعلى الكثير الكثير من الأحداث والتطورات، من تشكل قوى وانهيار أخرى وانكشاف قوى على حقيقتها... أربع سنوات حافلة بالأحداث الجسام الجسام والتشابك والتشويش والتضليل ... عدا عن الأعداد الهائلة للضحايا ومنهم عشرات الآلاف الذين تساقطوا ولا يزالون يتساقطون تحت التعذيب في معتقلات أجهزة النظام.
أربع سنوات شهدت على مدى عدائية ما يسمى الاسلام الجهادي بكل تشكيلاته لأهداف الشعب من ثورته بل وغربته عنها، ولمدى ارتهان هذه التشكيلات وخضوعها لمصالح وأجندات قوى الهيمنة الامبريالية والاقليمية، كما لانعدام قدرتها على الصمود بمجرد انتهاء مهمتها التخريبية والتدميرية التي أرادها لها مجنِّدوها.
أربع سنوات كشفت حقيقة المعارضات السياسية المتسكعة على أبواب السلاطين وعتبات قوى الهيمنة الامبريالية والإقليمية لاستجداء السلطة أو مكان لها فيها، فبرهنت على تشكيكها بمقدرة الشعب على التغيير وباستهانتها بالدوافع الحقيقية التي دفعت الآلاف المؤلفة لمواجهة الموت في سبيل الحياة التي لم تعد ممكنة بدون التغيير الجذري للواقع المتعفن.
أربع سنوات أكدت أن النظام العالمي بكل قواه، أنظمة ومؤسسات، شرقا وغربا، الداعمين الصادقين لنظام الاستبداد الدموي والمدّعين كذبا صداقة الشعب السوري، كافة، يتملكهم العداء الصارم لأي محاولة يبادر إليها الشعبُ حرًا لتحديد خياراته وتقرير مصيره وبناء مستقبله ولو على بحر من الدم والدموع.
أربع سنوات يفترض أن تكون كافية لتمييز الخبيث من الطيب ولكشف الزيف والخداع والمتاجرة بالشعارات والدم والدموع.
لن اتطرق في هذه العجالة إلى الأحداث والكوارث التي نالها الشعب السوري ولا لتفاصيل عذاباته من قتل واعتقال وتعذيب وتشرد وجوع وبرد.. ولا لما زج به في خندق ثورته من قوى معادية لأهداف تلك الثورة ومتنكرة لأسبابها المادية، ولا لكل تلك القوى التي استجلبت لتحمي النظام من السقوط الأكيد فحوّلته الى دمية دموية بيد النظام المافيوي في طهران وحرسه "الثوري" (ومن ورائه النظام العالمي كله). ولو إنه من باب الوفاء لمئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين والناشطين والأطفال المشردين يفترض بنا أن ننحنى لتضحياتهم العظمى التي لم نكن لنتوقع أن تبلغ هذا الشأو.
مئات، بل آلاف الصفحات تكتب في ذلك، آلاف المطولات تتحدث وتحلل وتتوقع... ولكن ما يحتاجه الواقع قد يكون خلاف ذلك كله.
لم يكن الشعب السوري أبدا في وارد ما آلت إليه الأمور اليوم. كل ما طلبه بعض من الحرية والكرامة ليس غير. فكان له أن يتحول إلى أمثولة لسائر الشعوب في الطاعة والخضوع لطغيان المستبدين. ولكنه اليوم، وبعد كل هذه التضحيات أكثر إصرارا على نيل حريته كاملة، إذ لا يعقل أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل آذار 2011 مهما كانت التوافقات والمشاريع التي ترمي اليها القوى العالمية والتي لم تكن يوما لتصب إلا ضد مصالح الشعوب وطموحاتها المشروعة.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد أعلنت صراحة يوم الذكرى الرابعة لانطلاقة الثورة السورية، وعلى لسان وزير خارجيتها أنها ستكون مضطرة للتفاوض مع نظام الأسد من أجل عملية سياسية تنهي الصراع في سوريا، فإن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي آي إيه) كان قد سبق كيري الى التأكيد على حرص الولايات المتحدة وحلفائها جميعا (أي ما سمي سابقا: اصدقاء الشعب السوري!) على استمرارية مؤسسات النظام السوري بذريعة عدم خلوّ الساحة أمام القوى المتطرفة.
وهكذا، وبعد اربع سنوات كاملة على انطلاقة الثورة تتساقط المشاريع والأجندات والحلفاء والقوى الجهادية والمعارضات، داخلية وخارجية، يتساقطون جميعا بعد أن تركوا الشعب السوري وحده في مواجهة الجلاد، بل بعد أن حاصروه ومنعوا عنه ليس فقط كل دعم بما في ذلك الدعم الانساني الفعلي: غذاء، دواء، طبابة، تدفئة .. بل حتى دعم الشعوب والقوى الحية حول العالم من خلال حملات التضليل المتواصلة طيلة الأربع سنوات بدون توقف وعبر جميع وسائل الاعلام والتواصل.
لقد حقق النظام انجازه الأبرز في مواجهة الثورة باعتقال وقتل وتشريد عشرات آلاف الناشطين الذين كان لهم أن يصونوا الثورة من مزالق كثيرة من خلال بلورة قوة ريادية تؤكد على أهداف الثورة والتفاف الشعب كله من حولها، وأطلق من معتقلاته مئات العناصر الظلامية التي أعلنت عداءها لأهداف الثورة وزرعت في خندقها الأفخاخ الطائفية كما يشتهي هذا النظام.
بعد اربع سنوات، آن لنهر الدماء المتدفق أن ينتفض لمجراه، أن يقرر طريقه للخلاص والحرية، أن ينبذ كل المشاريع والأجندات التي تنكرت للأهداف الأولى وللهتافات الأولى وللراية الأولى.