مصطفى محمود في حواره المُبْتَذَل مع صديقه الملحد!


جواد البشيتي
2015 / 3 / 1 - 10:49     

جواد البشيتي
في "حواره مع صديقه الملحد"، يقوم مصطفى محمود بـ "تأويل" النص القرآني في طريقة تسيء إلى "اللغة" و"العقل" و"العِلْم" مِنْ دون أنْ تفيد الدين ذاته.
"يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ". في هذه الآية مِنْ "سورة الزمر"، يرى "المؤوِّل" إشارة قرآنية إلى "كروية الأرض"، فلفظ "التكوير" يعني في "معجمه اللغوي" كروية الشيء!
و"المعنى الحقيقي" الذي لا لبس فيه هو أنَّ الخالِق يُدْخِلُ الليل في النهار، ويُدْخِلُ النهار في الليل، أو يُتْبِعُ الليل بالنهار، والنهار بالليل. وفي معنى "التكوير" جاء في تفسير القرطبي: معنى "التَّكْوِير"، في اللُّغَة, هو طَرْح الشَّيْء بَعْضه عَلَى بَعْض. يُقال كَوَّرَ الْمَتَاع أَيْ أَلْقَى بَعْضه على بَعْض. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس هذا في مَعْنَى الآية. قال اِبْن عَبَّاس: ما نَقَصَ مِنَ اللَّيْل دَخَلَ في النَّهَار وما نَقَصَ مِنَ النَّهَار دَخَلَ في اللَّيْل. وهذا هو معنى: "يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل". و"تَكْوِير اللَّيْل على النَّهَار" هو تَغْشِيَته إِيَّاهُ حَتَّى يَذْهَب ضَوْءُهُ. ومعنى "يُغْشِي النَّهَار على اللَّيْل" هو أنْ يُذْهِب النهار ظُلْمَة الليل. وَهَذَا قَوْل قَتَادَة. وَهُوَ مَعْنَى الآية: "يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبُهُ حَثِيثًا". وجاء في تفسير الجلالين: "يُكَوِّر"، أي يُدْخِل اللَّيْل عَلَى النَّهَار فَيَزِيد، ويُدْخِل النَّهار على اللَّيل فَيَزِيد. وجاء في تفسير ابن كثير: "يُكَوِّر اللَّيْل على النَّهَار، وَيُكَوِّر النَّهَار على اللَّيْل"، أَيْ سَخَّرَهُمَا يَجْرِيَانِ مُتَعَاقِبَيْنِ لا يَفْتُرَانِ كُلّ مِنْهُمَا يَطْلُب الآخر طَلَبًا حَثِيثًا، كَقَوْلِهِ "يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حَثِيثًا". هَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالسُّدِّي وَغَيْرهمْ. وجاء في تفسير الطبري: "يُكَوِّر اللَّيْل على النَّهَار وَيُكَوِّر النَّهَار على اللَّيْل" أي يُغَشِّي الليل على النهار, والنهار على الليل. كما قال "يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل". ومعناه، عن ابن عَبَّاس، يَحْمِل اللَّيْل على النَّهَار. ومعناه، عن السُّدِّي، يَجِيء بِالنَّهَارِ وَيَذْهَب بِاللَّيْلِ, وَيَجِيء بِاللَّيْلِ, وَيَذْهَب بِالنَّهَارِ.
هذا هو فحسب معنى "التكوير"، فأين في هذا المعنى نرى إشارة إلى "كروية الأرض"؟!
لفظ "التكوير" إنَّما اسْتُخْدِم هنا ليؤدِّي المعنى الذي نراه في ظاهرة "نمو" ظلمة الليل، و"نمو" نور النهار، فـ "نور النهار" يتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى "ظلمة الليل"، التي هي، أيضاً، تتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى "نور النهار". في هذا "التَدَرُّج" في "نور النهار" و"ظلمة الليل" يكمن "المعنى الحقيقي" لـ "التكوير".
ولكن دعونا نفترض أنَّ "التكوير" يعني أنَّ النهار والليل يشبه كلاهما "نصف كرة". فهل يترتَّب على هذا المعنى الافتراضي القول بـ "كروية الأرض"؟! كلاَّ، لا يترتَّب هذا على ذاك، فالأرض قد تكون في شكل "قطعة نقدية معدنية (مستديرة)"، تحيط بها، وتعلوها، سماء في شكل "نصف كرة". هذا يعني أنَّ القول بـ "نهار" أو "ليل" يشبه في شكله "نصف كرة" لا يكفي، وحده، دليلاً على "كروية الأرض".
"والأرضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا". وفي هذه الآية مِنْ "سورة النازعات"، يرى مصطفى محمود إشارة قرآنية أُخرى إلى "كروية الأرض"، زاعماً أنَّ "دحا" هي الكلمة الوحيدة في المعاجم العربية التي تعني "البسط والتكوير معاً". وفي زعمه أيضاً أنَّ الأرض تشبه "الدِّحْيَة"، أي "البيضة" كما يزعم، في "تكويرها"، فهي (أي الأرض) منبسطة في الظاهر، "مكوَّرة (كروية في زعمه اللغوي)" في الحقيقة.
إنَّني لا أعْلَم مِنْ أين جاء لكلمة "دحا" بهذا المعنى اللغوي الذي لا وجود له في كل معاجم اللغة العربية، التي تُجْمع على معنيين لهذه الكلمة، هما "بَسَطَ" و"دَفَعَ". وَيُقَال لِعُشِّ النَّعَامَة أَدْحَى-;- لأنَّه مَبْسُوط على وَجْه الأَرْض. وجاء في "لسان العرب": "الأُدْحِيُّ" و"الإِدْحِيُّ" مَبِيض النعام في الرمل، فالنعام تدحو الرمل برجلها ثمَّ تبيض فيهِ. ومَدْحَى النعام هو موضع بيضها. وليس لـ "الدِّحْيَة"، في كل المعاجم اللغوية العربية، مِنْ معنى "البيضة".
"وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ". في هذه الآية مِنْ "سورة النمل" يرى مصطفى محمود إشارة قرآنية إلى أنَّ "الأرض تسبح بجبالها في الفضاء"، فـ "الجبال التي تبدو جامدة ساكنة هي في الواقع سابحة في الفضاء". ويرى، أيضاً، أنَّ "تشبيه الجبال بالسحب فيه إشارة قرآنية إلى أنَّ المادة (أو الجبال هنا) تتألَّف مِنْ "ذرَّات"، فـ "السُحُب تتألَّف مِنْ قطيرات".
لقد قرَّر مصطفى محمود، في سبيل تثبيت هذا التأويل، أنْ يضرب صفحاً عن حقيقة أنَّ الآية تصف حال الجبال يوم القيامة. قال الْقُشَيْرِي: وهذا يَوْم الْقِيَامَة، أَيْ هي (الجبال) لِكَثْرَتِهَا كَأَنَّهَا جَامِدَة أَيْ وَاقِفَة في مَرْأَى الْعَيْن وَإِنْ كَانَتْ فِي أَنْفُسهَا تَسِير سَيْر السَّحَاب.
ولو كان مصطفى محمود ينشد الحقيقة لما ضرب صفحاً، أيضاً، عن الآية التي سبقتها والتي جاء فيها: "وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ".
ولو كان في الآية التي ذكرها مصطفى محمود إشارة قرآنية إلى أنَّ الأرض تسبح في الفضاء لذُكِرَت الأرض في عداد تلك الأشياء المذكورة في القرآن ضِمْنَ عبارة "وكلٌّ في فلكٍ يسبحون"، ففي "سورة يسن"، مثلاً، نقرأ الآية "لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ". وقد جاء في تفسير ابن كثير: "وَكُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ "، يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر كُلُّهمْ يَسْبَحُونَ أَيْ يَدُورُونَ فِي فَلَك السَّمَاء.
"لا الشمس ينبغي لها أنْ تُدْرِكَ القمر"، أي أنَّ الشمس، وعلى الرغم مِنْ جريانها (نهاراً) في السماء، لن تُدْرِكَ القمر، فتَظْهَر، من ثم، ليلاً. ونحن نعرف الآن أنَّ الشمس تجري في الفضاء، ولكنَّها لا تجري فيه حَوْلَ الأرض، فهي (أي الشمس) تدور حَوْل محورها، كما تدور، في الوقت نفسه، حول مركز مجرَّتنا (درب التبَّانة). ونحن لا نرى "المشْهَد الحقيقي" عندما نرى الشمس تجري (نهاراً) حَوْل الأرض.
وغني عن البيان أنَّ التفسير الصحيح لظاهرتي "الليل" و"النهار" لا تقوم له قائمة قَبْلَ اكتشاف حقيقة أنَّ الأرض تدور حَوْل محورها، فَقَبْلَ ذلك، يمكن فحسب أنْ نقول بتصوِّر مِنْ قبيل أنَّ الشمس تَظْهَر وتجري "في النهار"، ولكنَّها مهما أسْرَعَت في جريانها لن تُدْرِكَ القمر، وتَدْخُلَ، من ثم، الليل.
القمر يُرى نهاراً، ويضيء ليلاً، ولكنَّ الشمس لا تُرى أبداً ليلاً؛ لأنَّها، بحسب هذا التصوُّر، ينبغي لها ألا تُدْرِكَ القمر. وبحسب التصوُّر ذاته، يدور الليل والنهار في فلك السماء كما تدور الشمس ويدور القمر، ولكن "لا الليل سابق النهار"، فالنهار هو، دائماً، سابق الليل.
هل الليل سابق النهار، أم النهار سابق الليل؟ الأرض مُذْ وُجِدَت لم تعرف ليلاً يسبق النهار، ولا نهاراً يسبق الليل، فدائماً كانت نهاراً في أحد نصفيها، وليلاً في نصفها الآخر، فنهارها وليلها متلازمان؛ لأنَّها جسم كروي يدور حَوْل محوره، في سياق دورانه حول الشمس. أمَّا "التعاقُب" فلا نراه إلا في نصفها هذا أو ذاك، فالنهار عندنا يعقبه ليل، والليل يعقبه نهار. والنهار عندنا، ليل في الولايات المتحدة، مثلاً، والليل عندها، نهار عندنا.
"حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ". وهذه الآية مِنْ "سورة يونس" يؤوِّلها مصطفى محمود بما يخدم قصده وهو "اكتشاف" إشارة قرآنية إلى "كروية الأرض".
المعنى الحقيقي للآية هو الآتي: "حَتَّى إذَا أَخَذَتْ الأرْض زُخْرُفهَا"، أي بَهْجَتهَا مِنْ النَّبَات. "وَازَّيَّنَتْ"، أي تزيَّنت بِالزَّهْرِ. "وَظَنَّ أَهْلهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا"، أي مُتَمَكِّنُونَ مِنْ تَحْصِيل ثِمَارهَا. "أَتَاهَا أَمْرنَا"، أي قَضَاؤُنَا أَوْ عَذَابنَا "ليلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا" أَيْ جَعَلْنا زَرْعهَا "حَصِيدًا"، أي كَالْمَحْصُودِ بِالْمَنَاجِلِ. كَأَنَّهَا "لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ"، أي لم تَكُنْ بالأمس.
هذه الآية لا تنطوي على إشارة إلى "التزامُن"، أي تزامُن الليل والنهار في الكرة الأرضية، فهي إنَّما تشير فحسب إلى "تعاقبهما" في المكان ذاته، أي في نصف الكرة الأرضية الشرقي، أو في جزء منه، فـ "قضاء" الله، أو "عذابه"، يأتي بغتةً، في الليل أو النهار.
مصطفى محمود يقوم بإفراغ عبارة "ليلاً أو نهاراً" مِنْ معناها الحقيقي هذا، ليملأها مِنْ ثمَّ بمعنى "تزامُن الليل والنهار في الأرض؛ لأنَّها كروية". ويفعلُ الشيء ذاته في عبارتي "فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ"، و"رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ"، قائلاً: "لو كانت الأرض مسطَّحة لكان هناك مشرق واحد ومغرب واحد".
الشمس تشرق كل يوم في هذا البلد أو ذاك، ولكنَّها لا تشرق كل يوم مِنَ الموضع ذاته، فمواضع وأماكن شروقها (أو غروبها) تختلف في البلد الواحد يومياً باختلاف موضع الكرة الأرضية في مدارها حول الشمس. كما أنَّ المشرق هو، أيضاً، موضع "شروق" القمر (او هذا الكوكب أو ذاك) في هذا البلد أو ذاك.
قال ابْن عَبَّاس: "إِنَّ الشَّمْس تَطْلُع كُلَّ سَنَة في 360 كُوَّة. تَطْلُع كُلَّ يوم في كُوَّة". وجاء في تفسير الجلالين أنَّ المشارق والمغارب هي مشارق ومغارب الشمس والقمر والكواكب.
مِنْ الصفات القرآنية لـ "السماء" أنَّها "ذات الحبك"، و"ذات الرجع". عبارة "ذات الحبك" يفهمها مصطفى محمود على أنَّها إشارة قرآنية إلى "المسارات والطرقات والمجالات" في السماء. أمَّا عبارة "ذات الرجع" فيفهمها على أنَّها إشارة قرآنية إلى أنَّ السماء تُرْجِع إلى الأرض كل ما يرتفع مِنَ الأرض إليها، فهي تُرْجِع بخار الماء مطراً، و"تُرْجِع الأجسام بقوَّة الجاذبية الأرضية"، وتُرْجِع الأمواج اللاسلكية، فـ "طبقة الأيونوسفير" تقوم بإرجاع هذه الأمواج إلى الأرض. كما تُرْجِع الأشعة دون الحمراء، فتُدفئ الأرض ليلاً. وهي "ذات الرجع"؛ لأنَّها، بحسب تأويله، تحمي الأرض مِنْ القذائف القاتلة للأشعة الكونية والأشعة فوق البنفسجية.
لقد أجمعت تفاسير القرآن على أنَّ السماء وُصِفَت بأنَّها "ذات الحبك"؛ لأنَّها "حُبِكَت (أو زُيِّنت) بالنجوم"، فإذا نَسَجَ النسَّاج ثوباً يُقال "ما أحسن ما حَبَك". و"الحُبُك" مفردها "حبيكة". و"الحبيكة" هي "مسير النجم". وكلُّ مَنْ يَنْظُرَ إلى السماء يمكن أنْ يرى فيها ما يشبه ثوباً حُبِكَ بالنجوم. كما يمكنه أنْ يرى فيها مساراتٍ للنجوم.
أمَّا "ذات الرجع" فهي صفة للسماء، منشؤها "رجوع المطر، كل عام، إلى الأرض مِنَ السماء"، فـ "السماء"، في القرآن لا تُرْجِع بخار الماء إلى الأرض مطراً، فهي التي منها يُنْزِلُ الخالِق المطر، الذي ليس مِنْ إشارة قرآنية إلى أنَّ مَصْدَرَهُ هو مياه البحار والأنهار التي تبخَّرَت بحرارة الشمس. والسماء ليست هي التي تُرْجِع الأجسام وكل ما يرتفع إليها مِنَ الأرض، فـ "قوَّة الجاذبية الأرضية" هي التي تقوم بذلك. وهي تفشل في إرجاع الجسم إلى الأرض إذا كانت سرعته تتجاوز "سرعة الإفلات مِنَ الجاذبية الأرضية".
"لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ ولا فِي الأرْضِ ولا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ ولا أَكْبَرُ". في هذه الآية مِنْ "سورة سبأ" يكتشف مصطفى محمود إشارة قرآنية إلى "الجسيمات دون الذرية" كـ "الإلكترون" و"البروتون" و"النيوترون" و"الكوارك" و"النيوترينو"..!
يقول: "قديماً، كانوا ينظرون إلى مثقال الذرَّة على أنَّه أصغر مثقال. وكانوا ينظرون إلى الذرَّة على أنَّها مادة غير قابلة للانقسام، أي أنَّها لا تتألَّف مِنْ جسيمات أصغر. وها نحن نرى في هذه الآية إشارة قرآنية إلى ما هو أصغر مِنَ الذرَّة".
أوَّلاً، لا أعْرِف لماذا تجاهل مصطفى محمود الآية "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ"؟! لماذا اهتمَّ بـ "مثقال ذرَّة" وأهمل "مثقال حبَّةٍ مِنْ خرْدلٍ"؟!
"الذرَّة"، لغةً، هي "الهباء المنتشر في الهواء"، و"القدر الضئيل مِنَ التراب أو غيره". والقرآن في تعبيره عن "أقل شيء"، أو عن "ما لا قيمة له"، يَسْتَخْدِم عبارتي "مثقال ذرَّة"، و"مثقال حبَّةٍ مِنْ خردل". و"الذرَّة"، في تفسيري الجلالين والقرطبي، هي "أصغر نَمْلة".
إنَّ "الذرَّة القرآنية" ليست هي ذاتها "الذرَّة" Atom في الفيزياء والكيمياء. وعندما اكْتُشِفَت "الذرَّة" Atom حار اللغويون العرب في تعريب الكلمة إلى أنْ اتَّفقوا على اتِّخاذ لفظ "ذرَّة" تسميةً لـ"Atom" ؛ وكان ممكنا أنْ يتَّخِذوا لفظاً آخر تسميةً لها.
تخيَّلوا أنَّ اللغويين العرب اتَّخذوا لفظ "الطارق" تسميةً لـ "النجم النيوتروني". لو فعلوا ذلك لجاءنا مصطفى محمود مكتشفاً "إشارة قرآنية" إلى هذا النجم!
أمَّا "الأصغر مِنْ مثقال ذرَّة" والذي تضمَّنَتْهُ العبارة القرآنية "ولا أصغر مِنْ ذلك" فهو شيء أكبر مِنْ "جزيء الماء" بآلاف أو ملايين المرَّات، فأصغر "نَمْلة" تتألَّف مِنْ ملايين الجزيئات. فكيف يجرؤ مصطفى محمود على الادِّعاء بأنَّ "الأصغر مِنْ مثقال ذرَّة" هو "الجسيم دون النووي" كـ "الإلكترون" أو "البروتون" أو "الكوارك"..؟!