مجتمعاتنا بين التبعية الغربية والشرقية – ما هو الفرق - ؟ الجزء الثاني والأخير


شامل عبد العزيز
2015 / 2 / 27 - 15:33     

استحالة تحديد ماهية تخلفنا وفهمها . نحن ما زلنا في الوضع نفسه ، ولم يتغير شيء في اوضاع الوطن العربيّ ، بل قد زاد تخلفنا الفكريّ . جورج قرم .
قراءة بسيطة فيما كتبه جورج قرم حول كتاب الشهيد مهدي عامل ..
كتب صاحب المقولة أعلاه مقالاً بعنوان – في فكر مهدي عامل : لـ ” تتحالف” كل مناهج الفكر النقديّ - .. سؤاليّ : هل هناك أفضل من هذه الدعوة ؟ لماذا ؟ لأن عالمنا عالماً مأساويًا . يبدأ قرم فيقول :
{ إنّ إعادة قراءة أعمال المفكرين الذين مارسوا الفكر النقديّ مفيدة للغاية . وفكر مهدي عامل ، رغم القوالب الماركسيّة التي تصوغه ، ليس بالفكر الجامد ، بل هو يعبّر عن جوهر ممارسة الفكر النقديّ " سؤاليّ : هل هو اعتراض بصورة غير مباشرة من قبل قرم حيث يقول في مكان أخر - رغم انّ القالب الشكليّ الذي يستعمله أي مهدي عامل له صفة جامدة ، مستوحاة من الماركسيّة في مرحلة تاريخيّة معينة. " ؟ .} .. سوف نعلم ذلك لاحقاً ..
لو كان مهدي عامل حياً كان من الممكن أن يُعيد النقد الذي طرحه بكتابه على ضوء متغيرات العصر فلقد مرّ على كتابه 42 سنة .. النقد إذن هو الغايّة وهو المطلب .. الكتاب الذي تناوله قرم هو : " أزمة الحضارة العربيّة أم أزمة البورجوازيات العربيّة – " ..
صدر هذا الكتاب عام 1973 - في هذا العام كان هناك شعوراً عند الغالبيّة أننا قد حققنا شيئاً ما بعد النكسة – ..
الغريب في الأمر بأن تلك الأسئلة الي تناولها الشهيد مهدي عامل في كتابه والنقد الذي وجهه للنخب العربيّة كان نقداً حقيقياً وإلى اليوم لا تزال تلك الأسئلة مثار بحث عند بعض المفكرين فهناك من تناولها بعد النكسة مثل الدكتور حسن حنفي في كتابه - في فكرنا المعاصر - ومن بعد مهدي عامل جاء الجابري وطرح نفس الأسئلة في العديد من مؤلفاته .!
مهدي عامل في نقده للنخب العربيّة لم يترك لا صادق جلال العظم ولا أدونيس ولا انور عبد الملك ولا زريق ولا غيرهم ..
من أهم النقاط - سبق وأن ذكرنا بعضاً منها ولكن بعبارات مختلفة – الأمثلة تضرب ولا تقاس ؟ يقول قرم في معرض استرساله :
الفكر العربيّ المعاصر منذ عصر النهضة هو فكر عقيم " تناولنا ذلك في مقال مستقل - منذ رفاعة رافع الطهطاوي وصولاً إلى العصر الحديث " ، لأنه دائري الطابع يدور على نفسه بشكل مقفل ، فهو ليس منفتحاً فعلياً على المشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها المجتمعات العربيّة.
هذه النقطة في صميم الموضوع - ليس منفتحاً فعلياً على المشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها المجتمعات العربيّة - .
ذكرنا سابقاً نفس الفكرة بعبارات مختلفة .. حيث النخب العربيّة في واد والواقع العربيّ الذي نعيشه في واد أخر ولكنهم قالوا – يُهلهل للصهيونيّة ويُمجد للإمبرياليّة - !
يوعز مهدي عامل كذلك إلى أن تبعيّة الفكر العربيّ للعالم الغربيّ والهيمنة الاستعماريّة – الامبرياليّة بتعبير أجمل – سبب رئيسيّ ..
نطرح سؤالاً جديداً : هل التبعيّة للغرب فقط وماذا عن تبعيّة الفكر العربيّ للشرق أوليس التبعيّة واحدة مهما كانت - شرقيّة أو غربيّة ؟
كان مهدي عامل مُحقاً فيما قاله بحق النخب العربيّة ؟ لم يتغير شئ وهذا حقيقي ولكنّه هل كان مُحقاً بخصوص التبعية ؟ سنأتي على ذلك لاحقاً ..
كثيرة هي النقاط ولكنّها تصب في مصب واحد حتى وإن اختلفت صياغات الجمل :
منذ عام 1973 وإلى حد الآن هل هناك شئ يدعو إلى التفاؤل فيما يخص واقعنا الإسلاميّ عموماً والعربيّ خصوصاً ؟
{ نحن في حالة تفكك ، في حالة تغيرات عملاقة ، في حالة ضياع } .
لم يتوقف مهدي عامل عند نقطة واحدة بل تناول العديد من النقاط عدا الهجوم الكاسح على النخب العربيّة فهو على سبيل المثال تناول التراث ونظرته لهذا التراث يمكن أن تتجسد فيما قاله :
{ لذا وجب القول أن تماثل التراث بذاته ليس وليد حركة فيه هي حركة جموده أو تحنطه ، أو حركة تكرار منه تقوده بذاته إلى منافسة الفكر الحاضر أو المعاصر، بل أنه وليد هذا الفكر المعاصر الذي في معالجته التراث ينتج التراث، أو قل يعيد انتاجه في شكل يظهر فيه كأنه بذاته في جمود أو تحنط او تكرار” } .
بعبارة أخرى أوردها جورج قرم :
" إن المشكلة ليست “ تراثيّة” ، ليس التراث هو الذي يخلق مشكلة التراثيّة ، وليست هي عقبة العقبات ، بل ان العقبة تكمن في الطريقة التي يتعامل بها العرب المعاصرون مع تراثهم . وتالياً فإن التراث بحد ذاته ليس العقبة " .
إذن من يتعاملون مع التراث هم الذين يزيدون الطين بلّه من وجهة نظر مهدي عامل .. خصوصاً وأنه تعامل مقلوب وغير حقيقيّ ولا يقدم البديل أو الحلول الناجعة لمعاناة شعوبنا .. وهذا ذكرناه أكثر من مرّة ..
هؤلاء ينطبق عليهم قول الشاعر :
ما زاد حنون في الإسلام خردلة ولا النصارى لهم شغل بحنون .
لماذا ؟ قد يقول قائل :
{ لأنّ - هناك استنزافاً فكرياً عند المثقفين العرب الذين يناقشون باستمرار المواضيع نفسها والاشكاليات نفسها في تحليل التخلف وبتكرار رتيب لا يؤدي الى اي نوع من النتيجة } .
تكرار واجترار ... هذا هو بيت القصيد – شرح الشرح وشرح الحواشي ومختصر المختصر وعشرات العناوين وهذا كله تكرار واجترار يزيد التخلف وهم يعتقدون العكس - هنا تكمن المأساة ..
هناك سؤال يعيدنا إلى ما هو التخلف وكيف يتم إنتاجه ؟ .
الدائرة المغلقة :
{ لا أحد يعرف لماذا التخلف وكيف يُنتج التخلف. ومن ثم إلى أين نصل في هذه القضية ؟ لا نصل إلى مكان في الحقيقة ، فنحن متخلفون لأن عقلنا متخلف ! ولكن لماذا عقلنا متخلف ! لأن عقلنا ليس معاصراً ؟ ولماذا عقلنا ليس معاصراً ؟ لأن عقلنا متخلف } . هذا هو الطريق الدائري للتفكير المسدود أفقه ..
يسأل جورج قرم : هل مقولة التخلف هي المقولة الفعليّة التي ستسمح ليّ بالتقدم في فهم الواقع الذي أنا فيه ؟
أنا أكرر هناك إشكاليّة فظيعة ألاّ وهي بما أن السؤال ظلّ ويظل منذ عقود دون جواب لا بدّ أن تكون صيغته غير صحيحة أو طرحه غير منطقي ,, بمعنى أخر لا حلول - إذا كانت هذه المشكلة لا حلّ لها فهذا يعني أنّ المشكلة مطروحة بطريقة غير صحيحة ,, لماذا ؟ يأتي الجواب من قرم :
{ هذه ممارسة لا نزال نعمل بها حيث نغلق على أنفسنا لأننا نضع اشكاليات لا يمكن أن نجد لها حلاً أو حلولاً ، لأن معطيات الاشكاليّة هي أساساً غير صالحة وغير متجذرة في الواقع المجتمعيّ الذي نعيشه. إذاً هي معطيات “غيبيّة” الطابع . } ..
هناك من تناول العقل العربيّ وطالب بإعادة قراءة جديدة لهذا العقل وعليه أن يسأل نفسه كما سأل العقل الأوربيّ نفسه قبل النهضة – مهدي عامل لا يوافق على كلمة النهضة – ولكن عند عامل وكذلك قرم العقل العربيّ برئ من جميع ما نحن وكذلك الدين :
{ إن المشكلة ليست في العقل العربيّ - وكذلك ليست المشكلة في الدين نفسه ، لأنّه في ظل الدين نفسه في ظروف تاريخيّة معينة ، يكون المجتمع متحضراً ومتقدماً عن غيره من المجتمعات ، وبعد 500 سنة او 200 سنة او 100 سنة ، مع الدين نفسه ، نرى ان المجتمع قد اصبح في طور الانحطاط ومتخلفاً عن غيره. اذاً ، أية مناقشة للأمور الدينية تصبح هدراً للطاقات الفكريّة العربيّة. } .
أيّة مناقشة للأمور الدّينيّة تصبح هدراً للطاقات الفكريّة العربيّة .. هذه العبارة حقيقية وتلامس واقعنا حيث أنّ الأغلبية بعيدة عن هكذا فهم وبعيدة عن الواقع السياسيّ حيث ترى من منظور ضيق لا يقدم ولا يؤخر بل هو تكرار واجترار وتنفيس وهذا بعيد عن العلميّة من ناحيّة الطرح ويدخل في باب الإسهال الإنشائيّ .
صرخة مهدي عامل :
{ مهدي عامل يطلق صرخة قويّة يدعو من خلالها إلى درس هذا النمط الانتخابيّ الكولونياليّ ، درس نمط التبعيّة التي ما زلنا فيها ، وهو يندد بالبورجوازيّة التي تملكت التراث والتي تستعمله سلاحاً تتمترس خلفه ، كي لا تتقدم حركة التحرر الوطنيّ } .
هذا هو الحلّ عند شهيد الفكر حسب قراءتيّ المتواضعة له ..
نطرح بعض الأسئلة :
هل هناك برجوازيّة عربيّة ؟ هل دولنا دول توجد فيها بروليتاريا ؟
كثيرة هي الأسئلة التي من الممكن أن نطرحها حول الحلّ الذي يقول به مهدي عامل ؟
سؤال ؟
هل أعطانا مهدي عامل فعلاً أساليب الخروج من المحنة التي يتخبط فيها العرب ؟ هل الفكر الماركسيّ الذي يطبقه هو المنهج الصحيح لمعالجة أزمة الحضارة العربيّة ؟
على عكس مهدي عامل جاء المفكر التونسيّ هشام جعيط الذي قال بأن الحضارة الغربيّة هي الحلّ حيث يقول في كتابه – النزعات الماديّة في الفلسفة العربيّة الاسلاميّة - :
الحضارة الغربيّة نموذجاً في كل شئ فهي سقف التاريخ ونهايته - قدراً لا فكاك منه ... هي سيل لا يقاوم .. هذا رأي المفكر هشام جعيط .. وقد ذكرناه سابقاً ولكنّ المناسبة تستدعي التكرار ..
بينما قال الجابري لا هذا ولا ذاك بل عند الجابري أن يكون هناك توافق بين حضارتنا والحضارة الغربيّة لأنّ الحضارة هجين – .
نكرر السؤال مرّة ثانيّة حول التبعيّة الشرقيّة والغربيّة وما هو الفرق ؟
هل اعطانا مهدي عامل ... جاء الجواب من صاحب المقال الأصليّ كما يلي مع طرح بعض الأسئلة :
{ إذا لم يحصل تغير في المركز فهل يمكن أن يحصل تغير في الأطراف وهي أسيرة تبعيّة فكريّة مطلقة ؟ هل الأطراف لها قدرة كافيّة لكي تتحرر من علاقات التبعيّة الفكريّة والتبعيّة لبنية العلاقات مع المركز ؟ هل يمكن التغيير إذا لم يتغير الفكر الغربيّ وكل هذه المقولات التي نحن أسراها ؟ هل يمكننا نحن أن نفلت من هذه المقولات ونكوّن منظومة خاصة بنا } ؟
هذا أهم سؤال في الموضوع ولقد تناول الكثير من المفكرين هذا السؤال في نهايات القرن الماضي ولو بصيغ مختلفة إلاّ أن المراد واحد فعلى سبيل المثال قال الجابري – الاستقلالية وسأل أين الاستقلالية في الفكر العربيّ ..
هل يتمكن العرب من فعل ذلك أي أن نفلت من التبعية ؟
{ كل محاولات الفصل بين المركز الذي ينتج الثقافة ويمسك خيوط العولمة والنظام الاقتصاديّ العالميّ قد فشلت ، فهل يمكننا نحن كعرب ، أن نفلت من علاقات التبعية ودون الوقوع في قالب المنطق الماركسيّ الذي له أيضاً جوانبه الجامدة ؟ } .
هل هي البرجوازيّة العربيّة أم النخب وهل هناك برجوازيّة عربيّة على غرار البرجوازيّة الأوربيّة ؟
{ البورجوازيّة قد تكونت كطبقة واضحة المعالم في فترة زمنية محددة من التاريخ الاقتصاديّ للغرب ، إنما اليوم التنوع الطبقيّ أصبح من التعقيد بحيث لا يمكننا أن نستعمل مفهوماً واحداً، لا يمكننا القول هذه طبقة واحدة مسيطرة وهي التي تمنع التحرك. لهذا السبب افضّل استعمال مفهوم مطاط هو “النخب” ومكوناتها المختلفة } .
المثقفون العرب والتفرقة والتشتت والتجزئة :
{ الحقيقة أنّ المثقفين العرب تفرقوا لخدمة مصالح فئات عدة اجتماعيّة ، سياسيّة ، دينيّة ، نفطيّة ، عسكريّة. وهذا يعني ان الواقع معقد في شكل أنه لا يمكننا أن نختصر أزمة الحضارة العربيّة بأزمة فئة واحدة ، أي البورجوازيّة ، وهي غير موجودة أساساً كفئة متجانسة ومتماسكة على شكل البورجوازيّة الاوروبيّة في القرن التاسع عشر كما يصفها الادب الماركسيّ . ليس في العالم العربيّ طبقة مهيمنة واحدة تستغل طبقة بروليتاريّة ، أو يمكن أن يسمى البروليتاريا العربيّة، “المحرومون” في الطرح التراثي . } .
هل الامبرياليّة خاصة بالغرب أم أن الشرق أيضاً له نفس التسمية ولماذا التفريق والنتيجة واحدة ؟
{ معالم هذه الفئة الاجتماعيّة ليست واضحة - أليست الماركسيّة أيضاً، وكذلك فكر كارل ماركس بمحتواه النقدي، الذي لا شك في أن له محتوى ممتازاً، إنما أليست وصفات كارل ماركس للتحول إلى الاشتراكيّة ، هي ايضاً، نوعاً من التعبير الامبرياليّ يمارس على العالم الثالث ؟ } .
أليس الأحزاب الشيوعيّة أحزاب مهيمنة وتتعامل بنفس القدر إن لم يكن أكثر فيما يسمى الهيمنة وهنا تكون التبعية واضحة ولا شك فيها ..
{ الحزب الشيوعيّ الروسيّ الذي هيمن على كل الاحزاب الشيوعيّة وشلها، هو أيضاً جزء من الحضارة الاوروبيّة بمحتواها الامبرياليّ . إنّ الفكر الماركسيّ فكر غربيّ نرجسيّ الطابع لأن نرجسيّة الفكر الغربيّ كبيرة جداً } ....
هل النظام الرأسماليّ الذي تناوله ماركس هو نفس النظام الرأسماليّ الحاليّ وهل فكر ماركس فكر غربي أيضاً أم لا وهل القرن التاسع عشر هو القرن 21 ؟
{ من هذا المنظار الذي يجسّد لحظة تاريخيّة ، حيث بزرت الماركسيّة كدعوة لتطبيق الاشتراكيّة بعد القضاء على الرأسماليّة الصناعيّة ، ألم نتخطّ اليوم هذه المرحلة التاريخيّة ؟ هي مرحلة كانت لها بعض الميزات في اواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقد زالت اليوم هذه الميزات لأن النظام الرأسماليّ الحاليّ غير النظام الرأسماليّ الذي كان موجوداً أيام كارل ماركس. } ..
ختاماً :
يجب إرساء دعائم الحرّية وفي شكل خاص حرّية الإبداع . إنّ المجتمع الحيّ هو الذي يطور أساليب جديدة في الإنتاج ، في التحرر، في تحقيق العدالة الاجتماعيّة إذا توافرت الروح النقديّة وتعممت وانتشرت.
الرأي الذي أؤمن به :
لا حروب صليبيّة ولا سايكس بيكو ولا شرق أوسط قديم أو جديد .. لا نظريّة مؤامرة بالمجمل فالشرّ لا يكمن في طرف واحد – نحن لسنا ملائكة – فهم الأخر والتعامل معه في عصر أصبح فيه كل شئ واضحاً للعيان – بناء الدولة الحقيقية بمؤسسات حقيقية وعقد اجتماعيّ يكون فيها المواطن هو الغاية وليس الأمين العام – دولة عصريّة تعتمد على العلم ويكون لها دور حقيقي في بناء المجتمع وبعكسه لن يكون هناك أي تغيير .. مجرّد رأي .. ثمّ نعود ونقول " من يقوم بذلك " ؟
رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب – رحم الله الشافعيّ ! لو لم يقل سوى هذه العبارة لكفته ..
/ ألقاكم على خير / .