مجتمعاتنا بين التبعية الغربية والشرقية – ما هو الفرق - ؟ الجزء الأول


شامل عبد العزيز
2015 / 2 / 24 - 13:10     

ما هو السبيل لدخول عالمنا الإسلاميّ عموماً والعربيّ خصوصاً باب الحداثة والمساهمة مع البشريّة جمعاء في تقديم ما ينفعها علميّا – فكريًا – الخ بعد النهوض بمجتمعاتنا ؟
هذا السؤال سبق وأن نشرناه على صفحة الفيس بوك ..
هل ذلك ضرباً من المستحيل ؟ هل هناك عوائق ؟ ما هي هذه العوائق ؟
هل التاريخ بمجمله هو العائق على سبيل المثال ؟ مع العلم بأن هناك من يقول بأن التاريخ عامل من عوامل النهضة ولكنّ في نفس الوقت هناك دول وأمم ساهمت وتساهم في تقديم أفضل ما لديها لخدمة البشريّة وهي على راس الحداثة و بدون تاريخ طويل ولا حضارة عريقة – أميركا – على سبيل المثال وهناك دول حديثة العهد وبدون تاريخ أيضاً مقارنة مع غيرها وهي أمة راقية – نيوزلندا – مثالاً ..
الغرب أخذ من أبن رشد فما المانع أن نأخذ نحن من الغرب ؟ هذه إشكاليّة كبيرة حسب رؤيتي المتواضعة ..
هل يجب علينا أن ننبذ أو نتخلى عن تاريخنا من أجل الولوج للحداثة وهل من الممكن أن نتحدث عن مشروع حضاري نهضوي لأمتنا بدون تراثنا وتاريخنا وأن نتبع خطى الغرب خطوة بخطوة من أجل تحقيق ذلك ؟
هل هذه هي الراديكاليّة ؟ اعتقد بأن الرفض المطلق ليس من الثقافة في شئ كما القبول المطلق لا يدخل تحت بند الثقافة .
من يستطيع الموازنة وكيف ؟ كيف نأخذ ما ينفعنا ويتلائم مع مفاهيمنا وكيف ننبذ ما لا يتوافق وقيمنا وحضارتنا ومفاهيمنا ؟
هناك 3 أراء حول الموضوع :
الأول إتباع الغرب – الشرق خطوة بخطوة .. هشام جعيط – مهدي عامل .
لا أدري لماذا خطر ببالي حديث النبيّ محمّد الذي يقول :
عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً- شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا : يا رسول الله، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ ". [رواه البخاري].
الثاني الاعتماد على ماضينا وحضارتنا وتراثنا . الإسلاميون .
الثالث التوفيق بين الرأي الأول والثاني . الجابري وغيره .
الغريب في الأمر أن الجميع فشلوا - لا الذين قالوا بالأفكار المستوردة الغربيّة والشرقيّة ولا الذين قالوا بالاعتماد على ماضينا وقيمنا وتراثنا ولا الذين حاولوا التوفيق بينهما استطاعوا أن يقدموا لهذه الأمة أي شئ ينفعها ولم يستطيعوا السير ولو لخطوة واحدة نحو مفهوم الحداثة . بل على العكس كلما تقدم الزمن كلما زاد التخلف .
الرأي الأول :
هناك من يقول نعم يجب أن ننبذ ونتخلى عن كل شئ حيث لا خصوصية ولا تاريخ ولا تراث ومنهم على سبيل المثال المفكر التونسي هشام جعيط حيث يقول وهذا ما أورده تركي علي الربيعو في مقاله قراءة نقدية لفكر هشام جعيط :
{ من الغلط أن نتحدّث عن « مشروع حضاريّ عربيّ » فهذا وهم وكلام فضفاض، ونحن لسنا أكثر من « عابر سبيل »، والحديث عن الخصوصيّة ليس أكثر من « نفاق كبير وتضليل عظيم »، والوضع العربي ميؤوس منه.
إنّه وضع مجموعة من الضّالين الذين يتخبّطون في جملة من التناقضات وعلى مسار تاريخ طويل ، وخصوصاً أنّ بلادنا العربية والإسلاميّة عموماً لا تزيد عن كونها « صحراء ثقافيّة في كلّ المجالات ، في التراث كما في استيعاب الثقافة الغربيّة ، في الكتاب كما في الرسم أو الموسيقى أو المسرح ، في المعرفة كما في الأدب . وبما أنّ جهاز الدولة قتل المجتمع المدنيّ وأنّ هذا المجتمع أعطى رقبته للذبح والتذّ بموته ، فلا أرى الآن خروجاً من المأزق » }. انتهى الاقتباس .
إذن جهاز الدولة والنخب الخانعة والخاضعة والسلطة الغاشمة وطريقة الحكم والرضوخ والخنوع من قبل الجميع – بدون استثناء - سبب من أسباب التفكير بإتباع خطى الغرب من اجل التخلص من كل ما نحن فيه وهذا ما اطلق عليه برهان غليون – الحداثة الحثالة – أو عميل لحضارة غير حضارته يقصد المثقف العربيّ وهو يروج لبضاعة فاسدة ويتصرّف على أنّه مالك الحقيقة التي يجهلها قومه ، لأنّهم من دون المستوى الفكريّ له. الفكر المستورد غربيّ أو شرقي لا فرق بينهما ..
ولكن هناك سؤال ما هو الفرق بين العميل الغربيّ وبين العميل الشرقيّ ؟
إذا كنتُ عميلاً للغرب فبماذا يختلف عني العميل للشرق ؟
لماذا جنات الخلد للعميل الشرقيّ والجحيم والعذاب للعميل الغربيّ مع العلم أن الواقع يقول بأن العميل الشرقيّ ينقل لنا أفكار راديكاليّة سلطويّة ؟
عند جعيط محرج وهو الاتباع بالكامل للحضارة الغربيّة ..
الحضارة الغربيّة نموذجاً في كل شئ فهي سقف التاريخ ونهايته - قدراً لا فكاك منه ... هي سيل لا يقاوم .. على غرار ما قاله فوكوياما .. تركي علي الربيعو .
لنقرأ ما يقول :
« لا جدال في أنّ قيم الحداثة رفيعة ، وأنّ علينا أن نأخذ بها ، أي أن نقوم بتحوّل ثقافيّ كبير، ولا نقيم أيّ اعتبار لأصلها الجغرافيّ بل فقط لوجه الخير فيها ».
شرط دخولها أن يتخلّى المرء عن ثقافته وخصوصيّته وهويّته ، فجنّة الحداثة الغربية لا تقبلنا إلا إذا كنا عراة ، لكنّها قدرنا وعلينا أن ندخلها ولو بضربات الهراوة ، مع أنّ النّاس لا تريد أن تدخل جنّة الحداثة بضربات الهراوة كما كتب لينين ذات مرّة .
حداثة تجبُّ ما قبلها ، لا أمل لنا بأكل الأناناس في الظلال الوارفة لجنة الحضارة الغربية كما كان يسخر فوكوياما من أحلام الجنود الروس ، فنحن «عاجزون عن المشاركة في إبداع التكنولوجيا» وعاجزون أيضا عن تبني قيم الحداثة والديمقراطية ،« نحن أقدر على المجابهة منا على الإبداع وعلى البحث عن السّعادة والدّعة». «المسألة في الحقيقة لها عروق فلسفيّة وثقافيّة». بهذا يرتد تخلّفنا الحضاريّ إلى أسباب تراثيّة وبنيويّة ...
هناك من قال بنفس فكرة هشام جعيط – طه حسين مثالاً – إذا لم تخوني الذاكرة حيث قال بما معناه :
كل شئ يأتينا من الشرق لا خير فيه وإن كان فيه بعض الخير .
كل شئ يأتينا من الغرب فيه الخير الكثير بالرغم من وجود بعض الشر .
هذا هو الرأي الأول وسناتي على الرأي الثالث ونتجاوز الثاني لأنّ الاعتماد على قيمنا وحضارتنا ومفاهيمنا فقط ضرب من الخيال في الولوج لعالم الحداثة والنهوض بالمجتمعات فالحضارة هجين والعلم لقيط لا أب له ولقد نال الأديب العربيّ نجيب محفوظ جائزة نوبل عن روايته أولاد حارتنا حيث البطل – عرفة – من المعرفة والعلم وكان عرفة بلا أب – أي لقيط – هذه هي الرمزية في الرواية .
حسب رؤيتي فإن المفكر التونسيّ هشام جعيط لجأ إلى التأكيد على إتباع الحضارة الغربيّة دون قيد وشرط لعدة أسباب ومنها على سبيل المثال تلك الأسئلة المصيريّة التي لم نجد عنها جواباً والتي يتناول قسماً منها محمد عابد الجابريّ مع ملاحظة أنّ الجابريّ من ضمن الذين يقولون بالرأي الثالث المطروح اعلاه :
مهدي عامل على العكس من هشام جعيط حيث يعتبر مهدي عامل أنّ التخلص من التبعية الغربيّة هو الحلّ ..
المأزق الوحيد هو العقل العربيّ والثقافة العربيّة ولا يوجد مأزق أخر مهما أدعى البعض بعكس ذلك ومن هنا كيف يمكن أن نتجاوز هذا المأزق – العقل العربيّ – الثقافة العربيّة ؟ كيف يمكن بعث الحياة في هذا العقل ؟ كيف يمكن إعادة الاستقلال التاريخيّ للذات العربيّة بدل اللجوء إلى الحضارة الغربيّة بالكامل بعد أن نتخلى عن كل شئ يمت لنا بصلة ؟ كيف يمكن جعل الفكر العربيّ قادراً على الإبداع ؟
يقول مهدي عامل بأن العقل العربيّ برئ مما نحن فيه من تخلف وضياع ونكوص وتردي ولا يوافق على أن التراث عائق بحد ذاته بل يذهب إلى أكثر من ذلك حيث يقول أنّ الذين يتعاملون مع التراث هم الذين يزيدون الطين بلّه وينتجون الخلف .. هناك مقال مستقل عن مهدي عامل وسيكون الجزء الأخير من هذه السلسلة .
هي أسئلة عديدة لقضية واحدة ولا يوجد غيرها ..
جميع الأسئلة المطروحة تدخل تحت باب – بناء الذات العربيّة – من أجل مجابهة تحديات العصر والاستجابة لمتطلباته ولا يوجد غير ذلك ..
عندما نقارن أنفسنا مع الأخر نجد البون الشاسع وهذا هو السؤال الوحيد والمصيريّ - بون شاسع من الممكن أن يتجاوز البون بين السماء والأرض وبين المشرق والمغرب ..
حسب الجابريّ :
إعادة بناء الحاضر يجب أن تتم في آن واحد مع عملية إعادة بناء الماضي .
أي أن يكون الماضيّ أرضاً لأقدام المستقبل لأنّ من شروط النهضة لا بدّ أن تنطلق من تراث بعيد تعيد بناءه من أجل تجاوزه .
الجابريّ لا يؤمن بنهضة بالاعتماد على الماضي فقط وفي نفس الوقت لا يمكن أن يكون هناك نهضة بالإعراض الكلي عن ماضيها ومن الخطأ الجسيم الارتماء في أحضان حضارة وحاضر يتقدمها بمسافات شاسعة ..
المصيبة هناك من يريد إعدام التاريخ !!
الإنسان لا يبدع إلاّ من داخل ثقافته وانطلاقاً من تراثه .
الإبداع والذي هو التجديد لا يتم إلاّ على انقاض قديم وقع تجاوزه بأدوات فكريّة معاصرة تتجدد بتجدد العلم وتتقدم بتقدمه .
من هنا تأتي الإشكاليّة الأكبر في هذا الموضوع وهذا ما أؤمن به ,, لماذا ؟
لأنّ الأمي ونحن أكبر أمة امية لا يبدع في عصر كله علم وتقنية .
ليس الأميّ فقط لا يبدع بل حتى المثقف الذي لا يعرف سوى لغة واحدة ينقصه الكثير ومن هنا يجب التركيز على العلم والتعليم قبل اللجوء إلى أي محاولة والحديث عن النهضة ..
نحن نستهلك العلم ولا ننتجه وهناك فرق كبير بين الإنتاج وبين الاستهلاك .
يجب نشر العلم – هناك من يرفض هذه المقولة - وهذا من شأن الحكومات فقط ولكن على النخب أن لا تنتظر أي شئ من هذه الحكومات فمن صالحها افقار العقول قبل افقارها اقتصاديًا .
ماذا كان واجب النخب العربيّة ؟ هو مجرّد سؤال ؟ انا هنا – متأكد – أنه لا جواب ؟ في غير أمكنة – أنا اعتقد - ؟
في الغرب استطاعت النخب أن تتجاوز حكوماتها وأن تعمل على نشر العلم وهذه النخب هي التي حملت هم الحاضر والمستقبل – بمعنى أخر هي التي كانت تستقطب النشاط الفكريّ ..
لا بدّ من معرفة عربيّة جديدة تنتظم في التراث وتنتظم في الفكر العالميّ .
بدون ذلك سيبقّ الفكر العربيّ سجين وستزداد سجونه ..
إلى أن يحين ذلك الوقت وهو ليس في المنظور القريب أقول لكم :
/ ألقاكم على خير / ..