التجنيد الإجباري المصري .. رأس مال القوات المسلحة


أحمد محمد منتصر
2015 / 2 / 18 - 08:41     

إننا في العام الرابع من ذكري ثورة 25 يناير و قد تبلّد الصف الثوري و إمتد سوط الثورة المضادة و لعل هذا السوط بدأ يُطلق العنان لصوته عند هتاف - الجيش و الشعب إيد واحدة - و لكنه كان هتافاً نقياً نابعاً من حسن نية أو بالأحري عدم فهم للدور التاريخي للجيش النظامي في وأد الثورات و الإنتفاضات الكبري , و نقف اليوم عند نقطة لم يدركها الكثير و هي التجنيد الإجباري لنستشف الدور السلطوي الذي تمنحه فكرة التجنيد الإجباري ليس فقط للقوات المسلحة بل للمنظومة الحاكمة منذ إنقلاب الضباط الأحرار 1952 حتي الآن , و قد جرت هذه العادة منذ أول وميض لنواة الجيش النظامي الذي شرع محمد علي في تكوينه عام 1820 بمساعدة الكولونيل - سيف - أميرلاي فرنسي قاتل في حروب نابليون , و أخذ محمد علي في تجنيد السودانيين في البداية و لكنها لم تصادف النجاح المرغوب , فلما شرع محمد علي في تجنيد المصريين قابل الفلاحون هذا المشروع بالنفور والسخط ، ولم ينتظموا في صفوف الجندية الا مكرهين، فكانت الحكومة تقبض على المجندين وتسوقهم قسراً إلى المعسكرات و ما زالت كراهية التجنيد باقية في نفوس معظم طبقات الشعب الى عصرنا هذا ، فالمتعلمون يكرهون التجنيد ويفرون منه، والسواد الاعظم من الأمة يتحاماه ويمقته، وكل من يُطلب للتجنيد يود أن يفتدى نفسه بما يستطيع من المال , لذلك فوجب النضال بشتي الطرق ضد التجنيد الإجباري الذي يجعل من المجندين المُجبرين رأس مال سائغة تجعل المؤسسة العسكرية تخوض فيما ليس لها به شأن من إستثمارات و شركات و نوادي و قري سياحية و مزارع , فتتمثل مصالح الجيش التجارية في أقدم المصانع التي تديرها وزارة الإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية , كما يشرف الجيش على العديد من الشركات التابعة للشركات القابضة المملوكة للدولة، ويملك أسهماً في مشاريع القطاعين العام والخاص. في كثير من الحالات، كما تعتبر هذه العمليات الصغيرة جزء لا يتجزأ من مجموعات الشركات العابرة للقارات، والتي تشمل قطاعات اقتصادية عدة، من البناء والشحن البحري إلى تصنيع الأسلحة , كما يضاف لكل ذلك نشاط المؤسسة العسكرية في الأراضي حيث للقوات المسلحة قانوناً الحق وضع اليد على أية أراضي مملوكة الدولة - تنفيذاً لخطة الدفاع عن الدولة - لكن تستخدم قيادات الجيش هذا الحق لاستخدام الأراضي العامة في أغراض تجارية بغرض التربح وليس في أغراض أمنية , فنجد أن القوات المسلحة المصرية تمتلك ما يقرب من 40 بالمائة من إقتصاد الدولة و يديره لواءاتها و عقدائها بأنفسهم مع إفتقارهم للخبرة لذلك , فنجد أن الحدود المصرية الليبية التي تُقدر بحوالي 1000 كم يُخصص لكل دورية حراسة عدة كيلو مترات !! نعم لكل نوبة حراسة تتألف من عدة مجندين عدة كيلو مترات تؤمن من قِبلهم , فالتساؤل الآن أين تقبع الأعداد المهولة من المجندين ؟
إنها تقبع داخل المشروعات الرأسمالية للقوات المسلحة , فنجد مجند وظيفته سائق لسيادة اللواء , و آخر عامل بنزية , و مجند حِرفي يعمل من أجل القوات المسلحة , و مجند آخر عامل في مصانع القوات المسلحة ,و يا لوقاحتهم يجعلونك تترك عملك أو حرفتك و تعمل في مؤسساتهم كمجند آسف بل كمُسخر و تنتج لهم و يرمون لك قدر بخس في النهاية و هذا لأنك تؤدي واجب الخدمة الوطنية !! ناهيك عن معسكرات الأمن المركزي و قوات الحماية المدنية المشتبكة ليل نهار بالشارع و المدنيين , فعن طريق التجنيد الإجباري توفر القوات المسلحة لنفسها و فقط الحماية و نمو إستثمارها و تضخم خزائنها , فالقوات المسلحة لا توفر أعداد كافية لتأمين الحدود بل توفر لتأمين قناة السويس و السد العالي و شركات البترول الكبري و بعض البنوك و ما يسمونه بأهداف السيطرة القومية أو الأهداف الحيوية , بمعني آخر هم يقومون بتوفير التأمين لما يُدر بالدخل القومي لطبقتهم و حاشيتهم فقط لا غير أما الحدود فمن الممكن وضع بعض من المجندين حتي بدون واقي للرصاص , كم من مجند ما زال في مقتبل العمر ذهب لتأدية واجب الخدمة العسكرية و رجع لذويه في تابوت !!
الدفاع عن البلاد أم الدفاع عن أسياد البلاد !! التجنيد من أجل مصر أم من أجل جنرالات مصر !! فكما ذكرنا سابقاً هذا العدد المهول من المطلوبين للتجنيد سنوياً يُزج بهم في مشروعات القوات المسلحة مُقتطعين من ذويهم و أعمالهم و حرفهم و إلتزامات حياتهم ليؤدوا إلتزامات القوات المسلحة , ليزيدوا عائد أرباح القوات المسلحة حتي تستطيع الرُتب و الجنرالات أن تحصل علي آلاف الرواتب , فالتجنيد الإجباري هو العمود الفقري الذي يقوم عليه توحش رأس مال القوات المسلحة , هو اليد الباطشة التي تستخدم لسحق قوي الشعب , هذا العدد المهول من التجنيد الإجباري يتيح للقوات المسلحة إمتيازات غير مستحقة من التنافسية التجارية و العديد من الإمتيازات الأخري علي سبيل المثال لا الحصر كان سيد مشعل وزير الانتاج الحربي قبل الثورة نائبا في مجلس الشعب، نجح في البرلمان عن طريق توظيف أصوات عشرات الآلاف من العمال بمصنع "٩-;---;--٩-;---;-- الحربي" والكائن بدائرته "حلوان" , بعد كل ما تم سرده يؤكد أن فكرة التجنيد الإجباري ليست من أجل حماية الدولة و حدودها و شعبها بل فقط لحماية طبقة معينة , فقط لزيادة أرباح طبقة معينة , طبقة معينة و لا شيء سواها .
و يا للعجب فمن صاحوا و اعتبروا – الإخوان المسلمين – دولة داخل الدولة غفلوا الآن و أُغشيت أعينهم و هم يرون المؤسسة العسكرية دولة فوق الدولة , مؤسسة تقبع فوق عرش البلاد تستنفذ من ثروات الحياة الطبيعية و البشرية , مؤسسة لها ميزانية لا يُسمح لأي أحد أن يسألهم من أين لكم هذا ؟؟
و لا يغفل عني يوماً ما سمعته من - مُقدم جيش - حينما وجه سؤالاً لطالب و قال له " كم تساوي أنت عندك أهلك لكي أساوي أنا عند أهلي و بلدي ؟؟ "
فالإجابة بسيطة لكل طالب و لكل شاب بعد فترة من الزمن سيكون مُجبراً لتأدية التجنيد الإجباري , فنجد أن الدية التي تُدفع لأهل الميت هي 5000 جنيه للجُثة !! فإذا افترضنا أنه تم تقطيع الجُثة لقطع و بما أن متوسط الأوزان 75 كجم , فنجد أن ثمن الكيلو من المتوفي المصري 67 جنيه !! بالمقابل ثمن كيلو - اللحمة الشمبري - وصل إلي 80 جنيه !!
هكذا قيمتنا سيادة المقدم , هكذا قيمة الإنسان في زمن بخُست فيه الإنسانية , و لكن كم تساوي قيمتك سيادة المقدم أنت وسيادة الجنرالات ؟؟
ستعرفون قيمتكم في نظرنا يوم قصاص يجمعكم بنا ,
فاتقوا يوماً تُعلقون فيه علي المشانق ,
فيا أيها الجنرالات , يا من تقبعون اليوم مُنعمين مُرفهين لا يشغلكم سوي زيادة أرباحكم و إستثماراتكم , فمثلما أسقطت العبودية و الإقطاعية و الملكية بمفهومها المطلق إلا أننا نعيش في ظل الرأسمالية عبودية بمفهوم ضمني و حتماً ستسقط رأسماليتكم و لن نسقطها إلا بعد القضاء علي مؤسسات الدولة القديمة - الجيش و القضاء و الشرطة - و إن كانت حركة الجماهير اللاواعية قد أسقطت الشرطة في 28 يناير 2011 فإنه عمًا قريب و بفهم الدور التاريخي للجيوش النظامية ستُفني الرأسمالية بمؤسساتها