اليونان: فوز “سيريزا”.. بين الفرحة والآمال

ضي رحمي
2015 / 2 / 15 - 11:40     

ترجمة ضي رحمي الناشر الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية


في هذا المقال، يقيّم بانوس جارجاناس، وهو عضو بارز في منظمة أنتارسيا اليسارية الثورية، المزاج العام في اليونان بعد فوز سيريزا.

في الليلة التي أُعلن فيها عن فوز سيريزا في الانتخابات العامة اليونانية، أقام اليونانيون احتفالات ضخمة، حيث توافدوا على الشوارع والميادين لسماع زعيم سيريزا أليكسيس تسيبراس وهو يعلن النصر. ورغم سرعة تشكيل سيريزا لحكومة ائتلافية مع اليمين (حزب اليونانيين المستقلين) إلا أن اليونانيون متفائلون.

ويعزز من هذا الشعور، البيانات الأولى الصادرة عن الوزراء اليساريون الجدد: لن تخصخص شركة الكهرباء، وستُستأنف المفاوضات حول عملية بيع ميناء بيرايوس الذي يعد أحد أكبر موانيء البحر الأبيض المتوسط، وستُتاح الفرصة أمام الجيل الثاني من المهاجرين للحصول على الجنسية اليونانية.

كانت هذه التصريحات بمثابة أوراق اعتماد لجناح الحكومة اليساري الجديد، ومصدر للسعادة والغبطة بين اليونانيين الذين أذلهم التقشف لفترة طويلة – لقد رحلت حكومة المحافظين السابقة، ومُنيت الأحزاب القديمة بهزيمة ساحقة، وتحولت الجماهير بشكل هائل نحو اليسار. والآن، هم يأملون أن تتمخض المفاوضات اليونانية الأوروبية عن صفقة أفضل فيما يتعلق بسداد ديونهم الضخمة. لكن، عقد مثل هذه الصفقة لا يزال أمرًا غامضًا جدًا، حيث يصرح سيريزا بأنه لا يزال على البلاد التفاوض مع الترويكا – المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي. لكن التفاوض مع الترويكا حتمًا سيتوقف لأنه “غير قانوني” وفقًا لمعاهدات الاتحاد الأوروبي الموقعة عليها اليونان. ولهذا، ستتعامل الحكومة مع ممثلي الاتحاد الأوروبي.

ويتشابه هذا الاقتراح، المطالب بإلغاء جزء من الدين، مع الصفقة التي أسقطت الديون في ألمانيا عام 1953. لكن، هذا الاقتراح غير قابل للتفاوض الفوري، فلقد تأجلت مسألة إلغاء الديون إلى حين التوصل إلى شكل من أشكال الإجماع على نطاق أوروبا. ولكن إمكانية تحقيق هذه الصفقة سيظل سؤالًا مفتوحًا، حيث أنه، وإلى الآن، مجرد اقتراح تقدمت به الحكومة اليونانية.

باختصار، على الحكومة التفاوض على جوانب أخرى من الدين بخلاف الإسقاط، مثل تمديد نطاق وقت السداد، ليكن مثلًا 50 بدلًا من 20عامًا. وحيث بدأ مؤخرًا البنك المركزي الأوروبي جولة أخرى من جولات التيسير الكمي، فإن مسألة إعادة النظر في أسعار الفائدة تعتبر مفتوحة أيضًا للتفاوض.

وهكذا، بدلًا من التركيز على إلغاء الديون، يمكن لسيريزا التفاوض حول شروط أفضل للسداد – دفعات صغيرة على مدى فترات أطول.

لكن، قبل أن يتمكنوا حتى من المناقشة حول هذا النوع من الصفقات، هناك عقبة في الطريق: ماذا سيحدث في ظل الأحكام والشروط السابقة؟ اليونان مأزومة، وبحاجة إلى خطة إنقاذ وإنعاش اقتصادي، والدفعة الأخيرة من الأموال التي تتعهد بها الترويكا، مشروطة بتنفيذ حزمة إجراءات جديدة من شأنها الدفع بالبلاد نحو المزيد من التقشف. وتصرح الحكومة الجديدة بأنها لن تقبل بهذا، حيث أنها وعدت بوضع حدٍ للتقشف، فيما سيتمسك الاتحاد الأوروبي بتنفيذ تلك الإجراءات، قبل الشروع في بدء أي محادثات جديدة بشأن الديون في المستقبل، لو إن كان لها أن تبدأ.

وسيكون هذا اختبارًا صعبًا أمام الحكومة الجديدة؛ فكلما تصاعد الضغط من جانب الاتحاد الأوروبي، كلما اشتدت الأزمة حول هذا الدين. ولكن الاتحاد الأوروبي أيضًا أمام مشكلة كبيرة، حيث لا يمكنه أن يثير أزمة مع سيريزا، لأن شن هجوم على الحكومة اليونانية سيثير مشكلة سياسية كبيرة، خاصة مع الحالة المزاجية المتصاعدة ضد التقشف في أوروبا كلها. وتلك ورقة قوية في يد الحكومة اليونانية؛ فالغضب الأوروبي المتصاعد ضد التقشف سيعزز ويدعم موقف سيريزا. ولهذا السبب كانت الانتخابات اليونانية تشكل صداعًا شديدًا للاتحاد الأوروبي؛ فلو أنه استسلم أمام اليونان، كان لزامًا عليه أن يفعل الشيء نفسه مع إسبانيا وإيطاليا والدول الأخرى.

أما داخل اليونان، فيأتي الضغط من أسفل، ليس فقط بسبب التقشف وشروط الترويكا، ولكن أيضًا من أجل استرداد ما انتُزع منهم، حيث تقلصت الخدمات وفُقدت الكثير من الوظائف، وأُغلقت الكثير من المصانع، إلخ. ومصدر الخوف هو أن يتعامل الناس مع النصر الانتخابي على أنه إشارة للتحرك دون انتظار لمباركة الحكومة. لذلك كررت الحكومة الإعلان عن خططها مع البيانات الوزارية الجديدة، ووعد الوزير المسئول عن الخدمة المدنية بإعادة تعيين جميع العاملين في الخدمة العامة ممن فُصلوا بشكل غير قانوني.

ولكن هناك الكثير من مثل تلك الحالات، بحيث يصبح من السابق لأوانه الحديث عن كيفية التعامل معها. وواحدة من تلك القضايا مصير هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية، حيث أوقفت عملها الحكومة السابقة كجزء من تدابير خفض التكاليف. الآن يطالب الصحفيون، الذين أعادوا الإرسال بجهودهم الذاتية، بالعودة إلى وظائفهم القديمة، وأن تتحرر الهيئة الجديدة من سيطرة الحكومة.

وحتى الآن، لا يبدو واضحًا كيف سيستجيب سيريزا لهذه المطالب، وفي الوقت نفسه، على نقابة الصحفيين أن تقرر ما إذا كان عليها الانتظار أو الأخذ بزمام المبادرة. ويرى الجناح اليساري داخل النقابة، أن على الصحفيين تنظيم مسيرة تضامنية، ردًا على طردهم من مبنى الهيئة من قبل على يد الشرطة، تنتهي بعودتهم إلى المبنى مرة أخرى.

تحديات وآمال
هذا يمثل تحديًا أمام اليسار الثوري؛ ففوز سيريزا يثير قضية اليسار الثوري واستراتيجيته خلال الفترة المقبلة. ويشكل الحزب الشيوعي اليوناني، وهو الحزب اليساري التقليدي، قوة هامة في السياسة اليونانية، وقد حظى 5,5% من إجمالي أصوات الناخبين. وحاليًا يحتفل قادة الحزب بإحرازهم زيادة تقدّر بنسبة نقطة مئوية واحدة عن انتخابات يونيو 2012.

يقدم الحزب نفسه بوصفه المعارضة اليسارية لسيريزا. وأي معارضة من على يسار الحكومة اليسارية الجديدة، لابد أن تدعم مطالب العمال، وأن تقف في وجه الحلول الوسط المحتملة فيما يخص التقشف. ولكن هذا سيكون صعبًا لأن الحزب يتسم بالعصبوية الشديدة، وسوف يصب جهوده على اجتذاب أولئك الذين ستصيبهم خيبة الأمل واليأس في حالة رضوخ سيريزا لمثل هذه التنازلات.

وهذا تحديدًا هو السبب في الأهمية الشديدة لأنتارسيا واليسار الثوري. صحيح، أن أنتارسيا لا تمتلك القوة التي لدى الحزب الشيوعي، لكنها تهيئ نفسها لأداء دور المعارضة اليسارية. هناك شريحة كبيرة من الناس يقفون في منتصف المسافة بين أنتارسيا وسيريزا. والكثير منهم سبق وأن صوّت لصالح اليسار الثوري في الانتخابات المحلية أو داخل النقابات، أو كانوا جزءًا من التحركات المناهضة للفاشية، وصوّتوا لسيريزا في يناير.

أمرٌ آخر يُبرِز جانبًا هامًا من جوانب ما على المعارضة اليسارية القيام به، وهو التحالف الذي أقامه سيريزا مع اليمين متمثلًا في حزب اليونايين المستقلين.

والمسألة خطيرة للغاية حين يتعلق الأمر بالعلاقات مع الشرق الأوسط. أيدت الحكومة السابقة ضربات التحالف الدولي على العراق وسوريا، والقاعدة الحربية الأمريكية الراسخة في جزيرة كريت تخدم هذا الغرض بشكل حاسم. والآن، وزير الدفاع الجديد ينتمي لجناح اليمين، وهو الرئيس السابق لحزب اليونانيين المستقلين. رجلٌ مثل هذا ماذا سيكون موقفه إذا ما شنت إسرائيل حربًا جديدة على غزة؟ كل هذه قضايا ملحة وهامة للغاية.

إن أكبر درس يمكن أن يتعلمه اليسار من تجربة اليونان، ليس مجرد إعادة نسخ برنامج سيريزا بهذه البساطة، أو العثور على زعيم شاب مثل تسيبراس. لقد صعد سيريزا واعتلى السلطة بفضل النضالات والتحركات الحقيقية، فغضب الجماهير لا يتحول تلقائيًا إلى تصويتٍ لليسار. فهل سيأخذ اليسار بمبادرات لمواجهة العنصرية والتقشف، وهل سيبادر بمعارضة الاتحاد الأوروبي؟ هذا هو ما سيُحدث فرقًا حقيقيًا.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية في مجلة “الاشتراكي” الشهرية البريطانية – عدد فبراير 2015