استغلال الدين من قبل الطغاة !


شامل عبد العزيز
2015 / 2 / 11 - 15:10     

مقدمة بسيطة قبل الدخول في الموضوع :
يظن البعض أنّ هناك مواقفاً متذبذبة أو متناقضة فيما أقدمه بالنسبة لموقفي من الأديان – أو يعتقدون بأنني أقف مع دين ضدّ دين أو أبرر لدين على حساب أخر .. هذا الفهم أو الظن أو الاعتقاد أنا لسُت مسؤولاً عنه بل المتلقي نفسه ..
موقفي واضح وسأكرر هنا بعض المقتطفات حتى نقطع دابر كل تفسير أو تأويل أو فهم في غير محله .
أنا لست ضدّ التدّين الشخصيّ لأي دين - أنا ضد التطرف والإقصاء وعدم قبول الأخر من أي مصدر كان – سماويّ أو ارضيّ – ضدّ الحركات الأصولية بجميع انواعها – وكذلك ضدّ الأحزاب الراديكاليّة الإقصائيّة الشموليّة المعروفة - أؤمن بأن الأديان مرحلة تاريخية وتطور الحياة ومسيرتها هي الكفيلة بأن تجعلها في مكانها المخصص ألاّ وهو دور العبادة كما هو في العالم الغربيّ حالياً .
التراث بمجمله روايات تاريخية – دون استثناء - لم نصل بعد لفهمه كأدب شعبيّ – هو حاضراً في كل شئ وهذا له أسبابه العديدة وأولها كما قال لينين – سنأتي على ذلك – إيمانيّ لن ينفع أحداً وإلحادي لن يضر احداً كذلك – هذه مسائل شخصيّة .. أنا لا اصدق بوجود الأنبياء من أوّل نبيّ او رسول إلى اخر القائمة وكذلك دون استثناء ودليليّ هو الاركيولوجيا والأبحاث والحفريات . قد أكون مخطئاً – من يدري ؟
في نفس الوقت عدما اطرح نصاً معيناً من أي دين او نقاش معين فهذا ليس معناه بأن هناك تضارباً مع ما سبق من مقالات .. أنا لا أفهم بهذه الطريقة – قد يفهم ذلك غيري وفهمه أنا لا يخصني ولسُت مسؤولاً عنه اكرر ثانية .
موقفي واضح ولا لبس فيه وهذا ما أؤمن به حالياً - قد اكون مخطئاً مرّة ثانية !!!..
ندخل في الموضوع – من أوراق قديمة ومبعثرة - :
الطبقات الحاكمة كلها تحتاج من أجل الحفاظ على سيطرتها إلى وظيفتين اجتماعيتين هما الجلاد والكاهن – فلاديمير لينين ..
أنا أفهم الدين هكذا – استغلال من قبل الطبقات الحاكمة وقلنا ذلك أكثر من مرّة .
وهناك من يقول بنفس معنى قول لينين :
إنّ الطبقات الحاكمة استعملت ولا تزال تستعمل الدين لمصلحتها وهي تتخذ منه قناعة لسياستها ومصدراً مهما لشرعيتها وكذلك وسيلة من وسائل القمع التي تستخدمها . أحدهم .
هذا هو واقعنا الحقيقيّ – الطغاة والبغاة ولا شئ غير ذلك . الحاكم ورجل الدين .
منذ ظهور الأديان وإلى اليوم عدا الغرب حالياً وبعض دول الشرق الأوسط لا يزال استغلال الدين من قبل السلطة الحاكمة .
ما يهمنا هو دولنا ولن نذهب للغرب فلقد انتهى الأمر عندهم منذ قرون والدين حالياً لا علاقة له بالسياسة بل هو في مكانه – دور العبادة - دون تفريق ..
حسب رأييّ طبعاً هناك خلط للأوراق في نقد الدين دون التطرق لاستغلاله من قبل السلطة الغاشمة .. هناك مهم وهناك أهم وأنا أبحث عن الأهم لأنّه هو الذي يعنيني وقد أكون مخطئاً طبعاً !!
هناك من يعجبه المهم وبدونه لا يحيا !!! من المحتمل أن تكون طريقته تنويرية وطريقتي ظلاميّة ! من يدري ؟ لا يوجد حقيقة مطلقة – يوجد رأي ورأي أخر .
بمعنى أخر يهمني استغلال الدين من قبل الحاكم الذي هو أس الفساد والبلاء ورجل الدين معه وبعض الخونة الذين يخافون الحاكم - بدون استثناء بين دولة وأخرى من دولنا العجيبة -.
الحاكم كذلك يضحك على الذقون .. لا أحد يمنعه من البطش والقتل والاقصاء .
بما أن دولنا ذات أغلبيّة مسلمة فسوف يكون حديثنا هنا عن استغلال الحاكم العربيّ للدين من أجل ديمومة حكمه ..
طبعاً المؤسسات الدّينيّة بجميع مسمياها كذلك تدخل في هذا التصنيف من الأزهر إلى اخر مؤسسة في عالمنا ..
الأمر ليس جديداً بل هو قديم ومنذ العصر الأموي إلى اليوم ..
موضوعي عن فقرة محددة - استغلال الدين - وليس صحة الروايات من عدمها لأنها ترسخت في العقول حكاماً ومحكومين ..
الغالبيّة تقول بالفصل أي فصل الدين عن المؤسسة الحاكمة أي الدولة وليس عن الحياة فهناك فرق كبير بين المفهومين ..
من شروط النهضة الفصل بين الدين والسياسة ..
في حقيقة الأمر أنا أرّ بأن هناك فصل حقيقي ومنذ البداية وخصوصاً عندما قال معاوية للقضاة بما معناه :
أجلسوا للناس في المساجد - حيض – نفاس – زواج – طلاق - مواريث – الخ وانفرد هو بالحكم وجعله وراثياً من بعده لأهل بيته واستمر الحال ..
لو كان هناك معارضة حقيقية بالمعنى الحاليّ لما استطاع معاوية أن يفعل ذلك ومن هنا بدأ مفهوم الوراثة للحكم العربي وللطغاة العرب في توريث الأبناء .
من يستطيع منع الحاكم من التوريث ؟ من يقف له ؟ من يعارضه ؟ من يتصدى له – من يقارعه - هناك حديث اعجبني جداً يقول بما معناه حول الشهادة : ورجل قام إلى إمام جائر فنهاه فقتله .. من المحتمل عدم وجود جور في منطقتنا من قبل الحكام وهم عدول !! ما أغرب هذه الحياة !!
حسب رأيي كان من الممكن أن يكون المذهب الشيعي معارضاً بالمعنى الحقيقيّ إلاّ أنّ السياسة مصالح ومنافع وفوائد .. طبعاً أقصد في العصر الأول وليس اليوم .
ساعدت الرواية في الاستكانة والخنوع والخضوع وهي رواية لا صحة لها موضوعة من قبل البغاة – رجال الدين – الذين يبررون للحاكم الفاسد ومنذ القدم .. سأذكر بعض الروايات لاحقاً .. هنا التصديق دون فهم ودون وعي .
لماذا تكاثرت الفرق الدّينيّة والشيع والطوائف ؟ من أجل ماذا ؟ من أجل الدين والعبادة والفوز بالجنة أم من أجل أشياء أخرى ؟
كيف يجب أن نقرأ ذلك ؟ كيف يجب أن نفهمه في نفس الوقت ؟ قبل أن نقول رأينا في نقد الدين ؟ كيف يجب أن نفهم التاريخ وكيف نفهم من كتبه ولماذا وفي أي عصر ؟
جميع الطوائف والفرق والشيع التي تكاثرت في صدر الإسلام وما بعده بدأت أصلاً على شكل أحزاب سياسيّة وصراع على السلطة والحكم ..
بماذا اختلف العصر الحديث ؟ في العصر الحديث ظل الدين أداة ميسورة للسياسة تستغله القوة لتشريع وجودها غير الشرعي مرّة ولتبرير مظالمها وابتزازها مرّة ثانية . سلطنة بني عثمان على سبيل المثال زادت الطائفية والطين بلّه ..
هناك نقطة مهّمة :
الطبقة الحاكمة أقامت شرعيتها على الانتساب إلى النبيّ محمد – السعديّة والعلويّة في المغرب العربيّ والهاشميّة في المشرق العربيّ ..
بعد ذلك الطغاة في العصر الحديث صدام وغيره انتسبوا للنبيّ محمد وحتى قاسم سليماني الإيراني من الممكن أن يكون سيد ومن آل بيت النبيّ ؟؟؟
لا أدري نوري المالكيّ كذلك أم لا ؟
توظيف النصوص لتأكيد الشرعيّة وترسيخ السيطرة :
يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ..
أولي الأمر هنا مختلف فيها فهناك من يعتبر ملوك السعودية اولي الأمر وهناك من يطالب بذبحهم بالسيف .. مع العلم ولي الأمر يجب أن يكون منتخباً من قبل اهل الشورى كما كان العصر الأول ولا شورى هذا اليوم بالمعنى الحقيقيّ .
إمام عادل خير من مطر وابل – إمام غشوم خير من فتنة تدوم - الحكام وسائل الله في عمله – الحاكم الظالم خيرً من انعدامه أصلاً – السلطة من الله يجب أن تطاع – الحاكم ظل الله على الأرض – الطاعة واجبة خوفاً من انقسام الأمة واضطراب الأمور – الحاكم ولو كان ظالماً لخير من الفتنة وانحلال المجتمع - على الرعايا طاعة الحاكم أدوا إليهم حقهم وأسالوا الله حقكم - ..
هذه أسخف روايات في التاريخ .. لا عقل لمن يصدق بها ..
إذن هناك تؤاطو بين الطبقات الحاكمة وبين رجال الدين أي بين الطغاة وبين البغاة . الفصل الحقيقيّ عندما يكون رجال الدين في مكانهم المخصص لهم وهو دور العبادة فقط دون تدخل في السياسة .. لا تبرير للحاكم ولا مساندة ولا معونة ..
لا مكان للدين في أروقة السياسة ولا مكان للسياسة في المعابد ..
التواطؤ أدى إلى إعاقة محاولات التغيير الاجتماعيّ لوجود مصالح فيما بينهم أي الحاكم ورجل الدين وهذا هو الأهم وليس المهم .. فك الارتباط فقط من ضمن عوامل النهضة .. طبعاً هناك نقطة أخرى مهمّة أيضاً :
هذه العلاقة بين الطبقة الحاكمة والمؤسسة الدّينيّة تُفسر لماذا يكون الدين في مرحلته التأسيسية الأولى ثورة شعبيّة – مفهوم ماديّ - ضدّ النظام القائم ولكنّه يتحول فيما بعد إلى مؤسسة مرتبطة بهذا النظام ...
من هنا أيضاً ومن خلال العلاقة بين الطغاة والبغاة يأتي التسويغ للفقر – المصيبة الكبرى - .. فكيف مع الجهل وكيف مع البطالة ؟
الفقر اليوم في دولنا لا مثيل له مع العلم أن ثرواتنا لا مثيل لها .. والأمية في كل مكان والبطالة تشهد لها المقاهي والشوارع .. وارتفاع نسبة الجريمة ..
كيف ذلك – أي كيف يم استخدام الدين ؟ ؟ من خلال الدعوة إلى الزهد ولكنّ هناك سؤال مهم جداً :
من ذا الذي يقدر على الزهد في عالم يكون فيه المال هو قيمة القيم – لا يظهر المروءة إلاّ المال ولا الرأي والقوة إلاّ بالمال ومن لا مال له فلا شئ له والفقر مسلبة للعقل والمروءة ومجمع البلايا كما قال أحدهم ..
الزهد يدعو للتقليل من أهميّة هذا العالم المُسمى الدنيا بروايات لا يصدقها عاقل وهي روايات موضوعة من قبل البغاة لمساندة الطغاة :
يدخل فقراء أمتي الجنة قبل اغنيائها بخمسمائة عام . أحب العباد إلى الله تعالى الفقير القانع برزقه . الجوع عند الله في خزائنه لا يعطيه إلاّ لمن أحبه ..
إذا رأيت الفقير مقبلاً فقل مرحبا بشعار الصالحين .
من هنا انتشرت و ازدهرت الصوفية في البلاد الإسلاميّة عموماً والعربيّة خصوصاً وأصبح للدراويش مكانة كبيرة عند العوام وما أكثر العوام ؟
حصل ذلك حين بدأت الطبقات النافذة تتمتع بالثروات التي نتجت عن الفتوحات الإسلاميّة فأقبل عامة المسلمين على الصوفيّة كبديل يشدد على الزهد والتنسك والتقشف في سبيل تطمين النفس – بل خداعها لمن لا حيلة له – وشددوا على أهمية المعاني الداخليّة والرموز والقلب والسعادة الروحيّة وحب الله من أجل ذاته وليس خوفاً من الجحيم أو طمعاً بالجنة ..
هذه مأساة كبيرة لا تزال موجودة في مجتمعاتنا .. المشكلة العويصة هي عدم وجود من يسأل بل يقبل دون تفكير .. من هنا تأتي مفارقة عجيبة – غريبة ألاّ وهي أنّ أصحاب الملايين كما هي الرواية من امثال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وطلحة والزبير والبقية الباقية من أصحاب النبيّ محمّد كانوا من المبشرين بالجنة ولكن في نفس الوقت الفقراء – أحباب الله - من أمثال أبو ذر وبلال وصهيب لم يكونوا من المبشرين .. كيف ؟ هل فكرنا في ذلك ؟ يقولون بأن أبو ذر هو أوّل اشتراكيّ في التاريخ صاحب الصرخة المعروفة :
عجبُت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه ..
المال معبود الأمم فعن أي جنة يتحدثون وعن أي عبادة وعن أي دين ؟
قال أحدهم :
هو الفصاحة لمن أراد الكلام والسيف لمن أراد القتال !!!
السلطة المستبدة تعمل على إفقار الأكثريّة اقتصادياً ثمّ عقلياً فالفقير لا يقرأ ولا يستطيع أن يقرأ ولأنّه اوّلاً لا يهجس بالقراءة وحقل الأرواح بل بالرغيف المستحيل الذي تحاصره السلطة من جهات متعددة . أحدهم .
سؤال بسيط : كم عدد الفقراء في عالمنا وكم عدد الأميين ؟
ما هو علاج الفقر ؟ الزكاة – اليس كذلك ؟
مفهوم الزكاة في الإسلام وتأثيره على الفقراء :
طبعاً الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة ولكنّ هل استطاعت أن تلغي التمايز الطبقي وتحقق العدالة الإجماعية وهل كان هناك حلّ لمشكلة الفقر ؟
الجواب قطعاً لا .. لماذا ؟ لأنّ الزكاة عنت لبعض المؤمنين أنّ التمايز الطبقي أمر شرعي .. وسُنّة ثابتة من سنن الحياة – هناك نصوص تؤيد ذلك - ..
ما حققته الزكاة أنّها ساعدت على تخفيف شعور الغني بالذنب أو أنّه يشعر حين يُعطي الزكاة بأنه قام بواجبه تجاه الله والمجتمع وربما رسخت في الفقير الذي يستهدف منها الشعور بالامتنان رغم ما قد تسبب للبعض الأخر من شعور بأنهم موضع تصدق وإحسان ..
الحلول التي نقرأها أو التي يصرخ ويصرح بها البعض للتخلص مما نحن فيه :
العّلمانيّة هي الحلّ – ويرافق العّلمانيّة الديمقراطيّة والدولة المدنيّة أو الدولة الليبراليّة وهناك من يصرخ بأن الاشتراكية هي الحلّ ويجب أن تتحقق ولا ندري تتحقق من ذاتها أم نقوم نحن بتحقيقها وهناك من يقول العودة للنبع الصافي – هؤلاء اليوم يقومون بمحاولات ولو أنها بائسة إلاّ انها أفضل من هؤلاء الذين يصرخون من وراء مكاتبهم وهناك - وهناك الخ ..
السؤال الأخير من يحقق كل ذلك ؟ من يستطيع هدم هذه الجبال من التراكمات وكيف وماذا يملك ومن هو وأين ؟
التصريح معروف والصراخ أسهل والكتابة لا قيود عليها وجميعنا نستطيع أن نصرح بالحلول ونصرخ كذلك ولكن من يقوم بها وفي أي دولة ومتى واين ؟
سأصرخ بالحلّ الذي ترضون عنه جميعاً ولكن من يسمعني ومن يلتفت إلى ما اقول ؟
بدون حلول فعلية حقيقية على أرض الواقع - ماذا يكون ؟ يبقى الوضع على ما هو عليه إلى امد غير معلوم .
/ ألقاكم على خير / .