شركات التنظيم الأفقي و ارتفاع الميل الحدي للإستهلاك


زكرياء بغور
2015 / 2 / 11 - 09:18     

ارتأيت أن أقدم في هذا المقال تحليلا نقديا علميا للسياسة الإقتصادية التي تنهجها الدولة المغربية و الأسطر التالية سوف تتضمن ذلك.
تقوم شركات التنظيم الأفقي في المغرب (الهولدينغ)، و التي يتحكم بها جهاز الدولة (و أنا هنا أتعمد عدم الإشارة للجهة المعنية) بنهج سياسة خطيرة و تعتمد هذه السياسة على خلق خلل في المعادلة المكونة من ثلاثة عناصر كان قد تحدث عنها الإقتصادي البريطاني جون مينر كينز في كتابه "النظرية العامة للفائدة و النقود و الإستخدام" (1936) و هذه العناصر هي كالتالي:
ـ الميل الحدي للإستهلاك
ـ الميل الحدي للإدخار
ـ الدخل
من بين المعطيات المتعارف عليها على المستوى الإقتصادي أنه كلما كان الدخل أقل كلما كان الميل الحدي للإستهلاك أكبر، و هنا يجب أن نفرق بين هذا الأخير و الذي يشير إلى نسبة استهلاك الفرد للضروريات و بين استهلاك الأمور الثانوية. عندما يكون الدخل أقل فإن الفرد يستهلك جزء كبيرا منه لسد حاجياته فينخفض بالتالي الميل الحدي للإدخار من الدخل. لنعتبر المثال التالي: إذا كان دخل شخص ما هو 3000 درهم و كان الميل الحدي لاستهلاكه هو 2500 درهم وهو ما يكفي لسد حاجياته فإن الميل الحدي لادخاره سيكون 500 درهم. في نفس السياق فلنعتبر أن دخل شخص آخر ينتمي لنفس الوسط هو 4000 درهم. سيكون الميل الحدي لاستهلاك هذا الشخص هو 2500 درهم باعتباره يكفي لسد حاجياته و بالتالي سيكون الميل الحدي لادخاره هو 1500 درهم أي أعلى من الشخص الأول. الغرض من هذا المثال هو شرح العلاقة بين انخفاض الدخل من جهة و ارتفاع الميل الحدي للإستهلاك و ما يقابله من انخفاض في الميل الحدي للإدخار من جهة ثانية.
اعتمادا على المعطيات أعلاه يمكننا الآن فهم السياسة الإقتصادية لمؤسسات التركيب الأفقي و التي يتحكم بها جهاز الدولة المغربية. تقوم هذه المؤسسات بنهج استراتيجيات فعالة ترفع من المستوى الإستهلاكي للفرد. حينما يرتفع استهلاك الفرد حيث قد يتجاوز دخله يضطر بالتالي للجوء للإقتراض و نحن نعلم بشكل جيد أن معظم المؤسسات المالية و البنكية في المغرب و التي يمكنها تقديم خدمات من هذا النوع تشكل جزءًا من هذه الشركات العملاقة، بالتالي فان الفرد يرتفع الميل الحدي لاستهلاكه و الذي يشمل المواد الأساسية كالمواد الغذائية و الملابس و غيرها و التي تنفرد أيضا بإنتاجها هذه الشركات فيدفعه ذلك إلى اللجوء نحو الإقتراض من هذه المؤسسات ليدور في حلقة مفرغة.
الخطير في الأمر أن هذه المؤسسات تسيطر على كل القطاعات الحيوية للإقتصاد المغربي فنجد جذورها تمتد نحو قطاع الصناعات الغذائية و صناعة الملابس و الإسكان و غيرها و هي قطاعات هامة تسد الحاجيات الأساسية للفرد و بالتالي فان هذا الأخير يستهلك ما تنتجه هذه المؤسسات و يرتفع استهلاكه لأسباب عدة تتحكم فيها الدولة كرفع الضريبة على الدخل مثلا مما يخفض الأجور و هذا ما يدفع الأفراد من الطبقتين المتوسطة و الفقيرة للجوء نحو الإقتراض من هذه المؤسسات لتعويض الفارق بين دخله و الميل الحدي لاستهلاكه مما يرفع نسبة الفقر في أوساط هاتين الطبقتين.
نتيجة هذه السياسة هي تركز رؤوس أموال أكبر في أيدي الدولة و كبار ملاك رؤوس الأموال و الذين نجد معظمهم من أعضاء الحكومة و البرلمان و تفقير أعضاء الطبقتين المتوسطة و الفقيرة و الذين يعانون من محدودية الأجور خصوصا في القطاع العام و تبعيتهم لهذه المؤسسات و بالتالي لجهاز الدولة التي بامتلكاها لعنصري الإستهلاك و الإنتاج تستطيع تحديد الأسعار بطرق قانونية تتمثل في قرارات الحكومة بالرفع من أسعار المواد الأساسية. و هنا يمكن الإجابة عن سؤال هام: لماذا لا ترفع الحكومة أسعار المواد غير الأساسية في استهلاك المواطن؟ الجواب أصبح واضحا... لأن المواطن يوجه استهلاكه بشكل أساسي نحو المواد الساسية و هي مواد لا استغناء عنها مهما ارتفع سعرها بينما ان ارتفع سعر المواد الثانوية فإن الفرد و بكل بساطة لن يقدم على استهلاكها. في حقيقة الأمر فإنه من صالح الدولة عدم رفع أسعار المواد الثانوية لتشجع استهلاكها و الإستفادة من مداخيلها و الضرائب المفروضة عليها. هذه التبعية تتجاوز المعطى الإقتصادي لتشمل مجالات أخرى كالسياسة و الفكر فتصبح تبعية شاملة.