يوم الشهيد الشيوعي


زهدي الداوودي
2015 / 2 / 8 - 19:52     

حين يخطر ببالنا مفهوم "الشهيد" أو "يوم الشهيد الشيوعي" تنتابنا رعشة، تشبه تلك التي تأتيك بسبب لمسة خاطئة للسلك الكهربائي المشحون بالتيار المميت الذي حسب له حسابه من قبل الميكانيكي الذي يعرف متى تشلك ضرباتُه ومتى تلقيك جثة هامدة على قارعة الطريق.
إنك في الحالة الأخيرة، ستموت، ولكن دون أن تكتسب لقب الشهيد. ولما كان مصيرك غير واضح في يوم الحساب، لذا يهرع أقاربك إلى أقرب إمام مسجد للاستفسار ما إذا كان المرحوم قد مات شهيدا أم طبيعيا. ولما كان أحد شروط الاستشهاد هو التحقق من كون الميت قد مات فعلاً في سبيل الدين وإعلاء شأن الوطن، يكون قد أمّن الجنة.
وبعد التأكد من قرار الطبيب الذي يفحص الجثة بأن القلب قد توقف نهائياً عن الحركة، يرى الإمام الذي تسلم الجثة مع مبلغ محترم لمصاريف الدفن ومراسيم التعزية، بأن المرحوم قد أستشهد في سبيل إعلاء كلمة الله والدين، بدليل أنه قام بتصليح المرافق الصحية للجامع الفلاني التي انقطعت عنها المياه منذ ثلاثة أيام بسبب عطب. تصوروا يا ناس وضع الجامع الذي تنقطع عنه مياه الوضوء لمدة ثلاثة أيام.
إلى هنا وكل شيء مقبول، بيد أن الشيء غير المقبول هو أن يأتي إمام آخر ليطعن في قرار لم تحدد هويته المذهبية. أهي سنية أم شيعية؟ وكيف يمكن تحديد الهوية المذهبية إذا كان الشهيد، عفواً الميت ليس حاضراً؟
عدتم بنا من حيث شئنا أم أبينا إلى نظام المحاصصة والمذهبية والفساد، ما العمل الآن؟ إنها أمور طبيعية فالاولاد بحاجة إلى الأكل والملبس أيضا.
وأتفق الإمامان على أن المرحوم مات شهيداً. وجرت الأمور كما أرادا.

من هو الشهيد؟
هو الإنسان المقدام الذي يتحدى الموت في سبيل هدف سام مثل الدفاع عن القبيلة أو الدين ومساعدة الأطفال والنساء والشيوخ والكفاح حتى الموت من أجل بقائها. إن إحتكاكه اليومي بأفراد قبيلته ومساعدتهم، تمنحه صفة البطولة التي تتحول إلى قدسية تنطوي على نوع من السحر الذي يجعل من الإنسان قائداً وقديساً في نفس الوقت. ومثل هذا البطل الذي سواء أغتيل أو مات بشكل طبيعي، فإنه يعتبر شهيداً في عرف قبيلته ويبقى قبره رمزاً لوحدة القبيلة ومبرراً لترك حياة التنقل والركون إلى الإستقرار جنب القبر الذي سرعان ما يتحول إلى معبد. تتسامى هذه الثيمة إلى أعلى درجات الزقورة حيث ثمة غرفة إنفرادية، يتحول فيها الإنسان البطل إلى إله مقدس يربط السماء بالارض وتتسامى هذه الثيمة إلى أعلى درجات الزقورة حيث ثمة غرفة إنفرادية، يتحول فيها الإنسان البطل إلى إله. وفي جو من السرية التامة يتسلم قوانينه وأوامره من الاله الأعظم.
للشهيد إذاً أكثر من معنى، بيد أن تعدد المعاني لا يغير المعنى الأساسي لمفهوم الشهيد الذي بقي محتفظاً بمعناه الذي يؤكد على السمو والقدسية والتضحية والوفاء والإخلاص.
إن الشهيد حين يدخل محراب الخلود، يرتدي الملابس البيضاء التي لا تعرف الغنى والفقر، تصاحبه سمفونية الله الأزلية التي تطالب البشرية منذ نشوء الانسان بالثأر وتحقيق السلام الابدي. ليس الشهداء، بل الناس الذين صنعوا منهم أبطالا يطالبون بالثأر.