مساهمة في حوار اسحاق الشيخ يعقوب .


غسان الرفاعي
2015 / 2 / 8 - 15:28     


بسرور ومتعة ، وبكثير من الافادة، تابعت حوار الصديق اسحق يعقوب لطروحات ا لكاتب المصري محمد سيد احمد . لقد حدد ابوسامر ، برقي المقتدر ، في مستهل حواره ، هوية " خصمه " فنعته " بالكاتب المثير للجدل والتأمل " .

اضيف ، من جانبي ، فكرة او فكرتين صغيرتين الى ما قدمه اسحق من فيض الافكار التي التقي معه فيها .

حين نقول ، او نتساءل ، فيما اذا كانت فكرة " التقدم " حسنة او سيئة، انما نقول ، ضمنا ، ان تساؤلنا يدور في " مجال الفكر ". اي وفق التقدير الذاتي للمفكر , او وفق " المنظور الفلسفي والاجتماعي للكاتب او القوة الاجتماعية " ، كما يطرح اسحق .... عندها يبر ز سؤال حقيقي يحتاج جوابا : هل ثمة من " معيار" موضوعي لقياس هذا " الحسن " إن وجد، او هذا " السيىئ " ؟

لا نطرح ضرورة هذا " الميزان " انطلاقا مما يتطلبه منطق المقاربة العلمية في محاكمة الامور وحسب ، بل كذلك ، وخصوصا ، انطلاقا من التساؤلين اللذين اقتبسهما محمد سيد احمد من صحيفة " اللوموند " الفرنسية التي كتبت تقول : " هل التقدم اصبح فكرة سلبية ؟" ... و " هل يجدر لنا التمسك بفكرة التقدم اصلا، التي باتت بحاجة الى اعادة النظر ؟ "

السؤالان يطرحان قضيتين " عموميتين "، لا بد من " ضامن " لكي يأتي الجواب عنهما معبرا عن هذه " العمومية " الواقعية ، لا ان يكون تعبيرا عن راي ذاتي ناتج عن التأمل وحسب . فالدعوة الى " ... اعادة النظر في الافكار... التي باتت بحاجة الى اعادة النظر " ، تضع المسالة امام محكمة التامل الذاتي لهذا المفكر او الفيلسوف او القائد السياسي ، اي انه يخرجها من دائرة " المحاكمة " وفق معيار موضوعي .

كشف صديقي اسحق سر هذه " الاحجية "، فشهر في وجهها شرطه القائل " ... دون ان ندفع الايديولوجيا ، بقضها وقضيضها ، الى المحرقة... او ننتكس بها الى النقيض ...او ان نسلمها الى الاعداء". لقد طالب ، بل انه اكد ضرورة الرجوع بصورة حكمية الى " سلطة العقل ". اي الى رصد " المتغير " في الموضوعي ( في الطبيعة والمجتمع ) ، والتعبير عنه " فكريا " ، لتحديد الخط العام للتطور ، للاستدلال به في رسم التوجه العملي ( النضالي ) ، لا اعتبار نتاج التامل الذاتي، الفردي ، هو " الحقيقة " ، وعلى المجتمع ... والناس جميعا ، ان يتبنوا هذه " الحقيقة " .

لم يكن اسحق اقل توفيقا ، او اقل نجاحا ، حين فنّد الفكرة – الاستنتاج التي خلص اليها محمد

سيد احمد من " ان وحشية الانسان المعاصر قد تعاظمت ، رغم الشائع والسائد عموما بان فكرة

التقدم الروحي والاخلاقي قد ارتبطت بفكرة التقدم المادي ". تعليقا على هذا الكلام ، يشير اسحق الى ان "... التقدم المادي لا يحقق فورا تقدما روحيا في السلوكيات ... لا يمكن تجريد وعزل التقدم المادي عن التقدم الاخلاقي والروحي " . وهذا الكلام يحمل نقدا لمقاربة محمد سيد احمد التي لم تاخذ بعين الاعتبار شمولية الحركة الاجتماعية التاريخية : المادية – الروحية ... علاقة التفاعل العضوي بين الانسان والتاريخ... فالانسان " جزء " من التاريخ : انه فاعل دائم فيه ... وهو منفعل دائم فيه !... بغياب هذه النظرة الشمولية ، تغيب حقيقة ان " وحشية " عصرنا الراهن هي " وحشية اجتماعية " اساسا ، وليست " فردية "




في سياق هذ1ا الطرح ،ووفق منطقه ،يبرز لدي بعض التحفظ على ما ابداه صديقي اسحق من ان " جديد الاقطاع خير من قديم العبودية.... وجديد الراسمالية خير من قديم الاقطاع ". سبب التحفظ الاساسي هو ان العبارة تحمل ايحاء بالاطلاق يضّيع النظرة النسبية في فهم الظاهرة التاريخية في اطارها الزماني والمكاني: اي في ملموسيتها . فالحقيقة ينبغي ان تحدد ، دائما ، بملموسية ، وليس بالعام وبالتجريد ! فالحقيقة دائما ملموسة !