الولايات المتحدة والمملكة السعودية: شراكة مرضيّة من أجل البقاء

ضي رحمي
2015 / 2 / 5 - 08:24     

ترجمة ضي رحمي الناشر الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية


اشمأز الكثيرون من مشهد تنكيس الأعلام البريطانية، حيث أقدمت بريطانيا على هذا الفعل تكريمًا للملك عبد الله عاهل السعودية الذي توفي الأسبوع الماضي. فتكريم رأس النظام الذي يقطع الرؤوس علنًا في الميادين، ويجلد المعارضين، ويمنع النساء من قيادة السيارات، لا يتناسب مطلقًا مع ما تنادي به الحكومات الغربية من التزام بمبادئ حقوق الإنسان، لاسيما بعد حادث اغتيال صحفيي شارلي إيبدو. لكن العلاقة الحميمة بين الديمقراطيات الرأسمالية الأقوى على الإطلاق والاستبداد السعودي ممتدة وراسخة منذ أمد بعيد.

في عام 1945، حين أوشكت الحرب العالمية الثانية على وضع أوزارها، التقى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ونظيريه الروسي جوزيف ستالين والبريطاني ونستون تشرشل، في يالطا بشبة جزيرة القرم، لتسوية تقسيم أوروبا. وفي طريق عودته، توقف روزفلت في مصر ليلتقي بالملك بن سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، واثنين آخرين من الحكام العرب. وهذا دليل على أن أهمية المملكة السعودية كانت بالفعل حاضرة دائمًا في أذهان مخططي الولايات المتحدة الأمريكية.

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في مذكرة صادرة عنها أن احتياطيات النفط السعودية “تشكل مصدر قوة استراتيجية مذهلًا، وواحدة من أكبر الجوائز المادية في تاريخ العالم”. وعقد روزفلت العزم على أن تكون هذه الجائزة من نصيب الولايات المتحدة وحدها، والدفع بحليفه البريطاني جانبًا.

كتب لويد جاردنر في كتابه “ثلاثة ملوك”: “استاء السفير البريطاني اللورد هاليفاكس بشدة من التهديدات المحتملة للمصالح البريطانية بعد الحرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وطالب بمقابلة روزفلت في محاولة لتصفية الأجواء… حين وصل إلى البيت الأبيض، عرض روزفلت أمامه خريطة الشرق الأوسط، وقال له: النفط الفارسي (الإيراني)، لك. والنفط العراقي والكويتي نتقاسمه سويًا، أما النفط السعودي فهو لنا”. ومنذ ذلك الحين لم يتغير أبدًا الانحياز القائم بين واشنطن والرياض. ولو أن هناك شيئًا حدث، فهو أن العلاقات ازدادت أهميتها، واختلالها على حد سواء.

اضطرابات
وكلما تأججت الاضطرابات في الشرق الأوسط، كلما ازدادت أهمية الحفاظ على المملكة العربية السعودية كمصدر آمن للنفط. حيث لا يمكن التعويل على العراق، وإيران يحكمها الأعداء الإسلاميون، ولذلك اضطرت الولايات المتحدة لشن حرب كبرى في عام 1991، لتحرير الكويت من يد صدام حسين ولحماية السعودية. وفي الوقت نفسه، تحولت السعودية والممالك الخليجية الأخرى إلى مركز مهم للرأسمالية العالمية، حيث يستثمرون بكثافة في الاقتصادات المتقدمة وبقية دول الشرق الأوسط.

ومنذ اندلاع الثورات في تونس ومصر قبل أربع سنوات، أصحبت السعودية وهذه الممالك بمثابة القاعدة الرئيسية للثورة المضادة. في مارس 2011، غزت القوات السعودية إمارة البحرين المجاورة لإخماد الثورة هناك. وتعهدت كل من المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة بتمويل الديكتاتورية المصرية برئاسة المشير عبد الفتاح السيسي بما يقرب من 8 مليار جنيه إسترليني (ما يزيد عن 12 مليار دولار أمريكي).

وركيزة هذا الاستقرار هو الديكتاتورية الجماعية للعائلة المالكة السعودية. لقد حافظوا على انتقال الحكم من واحد إلى آخر من أبناء بن سعود، ورغم ذلك، الآن وفي خطوة جريئة، أُختير ولي العهد من بين أحفاد بن سعود. أسس هذا الوضع وشرعنه النسخة الأكثر تشددًا من الإسلام السني – الوهابية – التي وفرت الدافع الأيديولوجي لغزو بن سعود لشبه الجزيزة العربية. وفي الواقع، إن تأثير هذا الفكر المتشدد يجعل حتى أكثر المحاولات تواضعًا لتحديث المجتمع السعودي صعبة جدًا، إن لم تكن مستحيلة.

وبالتزامن، استغل السعوديون الحرب الأهلية في سوريا لتوسيع نفوذهم الإقليمي، وفي نفس الوقت لإضعاف منافسهم الأكبر – النظام الجمهوري الإسلامي في إيران. وكانت هذه صدمة أخرى جديدة رجت أرجاء الشرق الأوسط. أما المستفيد من ذلك الوضع، فقد كانوا الجهاديين السنّة (داعش) وتنظيم القاعدة، الذين يشاركون النظام السعودي في نفس الأيديولوجيا، ويحاكون الكثير من ممارساته، إلا أنهم يهدفون إلى الإطاحة به. لذا، حتمًا ستتجرع السعودية جزاء تدخلها في سوريا.

والعجيب، أن العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية فترت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. لكن الشراكة المختلة مستمرة، حيث لا هيمنة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بدونها، وبدونها أيضًا لا بقاء لسلالة آل سعود على قيد الحياة.

* المقال باللغة الإنجليزية منشور في 27 يناير 2015 في جريدة العامل الاشتراكي البريطانية