لبنان: حين يتوحد الآذاريان


عديد نصار
2015 / 2 / 4 - 19:11     

من بين كل الأحداث التي شهدها لبنان في النصف الأخير من شهر يناير كانون الثاني المنصرم، تبقى عملية إقصاء حنا غريب عن رئاسة رابطة التعليم الثانوي، وبالتالي عن قيادة هيئة التنسيق النقابية القضية الأهم من زاوية كونها أكدت على طبيعة القوى السياسية المسيطرة كافة حيث توحدت جميعها لإسقاط أحد أبرز رموز العمل النقابي في لبنان.
هذه القوى السياسية المسيطرة، التي تَظهر في خندقين آذاريين متقابلين تتناوشان في السياسة وتتناتشان في المغانم، لم يسبق لها أن أظهرت توحدا إلا على الاغتصاب المتكرر للسلطة من خلال التمديد لولاية مجلسها النيابي مرتين متواليتين، وعلى تقاسم مغانمها من خلال تشكيل ائتلافها الحكومي الذي أريد له أن يشغل مهام منصب رئيس الجمهورية الشاغر عمدا منذ أكثر من ثمانية أشهر، وعلى معاداة أبسط الحقوق المطلبية لمختلف الفئات الشعبية وقواها النقابية. من هنا كان ائتلاف هذه القوى من جانبي الرابع عشر من آذار والثامن منه في لائحة مسيسة استهدفت إزاحة النقابي حنا غريب المشهود له بصلابة المواقف حيال المطالب النقابية، من موقعه في رابطة التعليم الثانوي وفي هيئة التنسيق النقابية واستبداله بمن يلتزم بتوجيهات تلك القوى المسيطرة التي رفضت إقرار الحقوق التي لا يجرؤ أحد على نكران أحقيتها.
وحين نتذكر أن هيئة التنسيق النقابية استطاعت أن تخترق الحواجز السياسية-الطائفية التي يسعى ائتلاف القوى السياسية-المافيوية المسيطر الى تعزيزها بين اللبنانيين، وأن تدفع كافة المتضررين من سياسات النهب والفساد الى الخروج الى الشارع على مدى سنوات ثلاثة، متجاوزين الاصطفافات الطائفية والمذهبية التي أريد لهم أن يتخندقوا فيها، وأن مشاريع هذا الائتلاف المافيوي ستضاعف من أعداد المتضررين ما يقلص باضطراد القواعد الشعبية الممسوكة من تلك القوى، ندرك مدى خطورة وجود هيئة التنسيق النقابية على نظام سيطرة هذا الائتلاف واستمرارها على نهجها الذي يوحد المواطنين في وجه دولته، دولة النهب والفساد المتعاظم.
وبرغم أن أحداثا عديدة أخرى برزت في نفس الفترة وكان لها النصيب الأكبر من التغطية الاعلامية والمناقشات السياسية والمداخلات الاقليمية والدولية، من المواجهات العسكرية بين الجيش اللبناني ومسلحي داعش في جرود رأس بعلبك على الحدود السورية، إلى اغتيال الطيران المروحي الاسرائيلي لمجموعة من قادة حزب الله والحرس الثوري الإيراني في القنيطرة في الجولان السوري، إلى الرد الذي أطلقه حزب الله على جيش الاحتلال في مزارع شبعا ... الى خطاب السيد حسن نصرالله الأخير والردود التي أطلقت بالمقابل، فإن قضية إزاحة حنا غريب عن قيادة المشهد النقابي تبقى الأهم، كونها ليست فقط قضية مطالب محقة، وليست فقط قضية تعرية لمواطن النهب والفساد المستشري في كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، بل أكثر واخطر من ذلك: كونها حققت الانجاز الأهم في بث روح من الوحدة بدأ المواطنون يستشعرونها في حركتهم ووجودهم في الساحات والشوارع، وهذا الكم من الحرية والشعور بالقوة الذي إذا ما تعاظم فإنه سوف يجد لنفسه التعبير السياسي المناسب الذي سوف يهدد بالتأكيد سيطرة هذا الائتلاف المافيوي في مدى منظور.
في حين أن كل تلك الأحداث والتي تخللها سقوط العديد من الضحايا والقادة العسكريين لا تعدو أكثر من مشهدية كبرى لصراع مشاريع الهيمنة التي تغطي بغبارها على حقيقة الصراع الاجتماعي وتدفع القواعد الشعبية المسحوقة نفسها، وعن طيب خاطر، لتمارس دور الجنود والوقود الذي يحترق كي تستمر وتتوسع سيطرة أعدائها الطبقيين. وهكذا نرى كيف انقلب بين ليلة وضحاها جموع من المنددين بسلوك حزب الله حيال النقابي حنا غريب إلى الهتاف لحزب الله ومقاومته الاسلامية بعد عمليتي القنيطرة ومزارع شبعا يرددون: لبيك نصرالله!!!
لم تكن قضية إزاحة حنا غريب من موقعه النقابي بالنسبة لائتلاف مافيات السلطة في لبنان مسألة نقابية أبدا، بل سياسية بامتياز. وهي له من حيث أهميتها السياسية بحجم تشكيل حكومة تمام سلام الائتلافية وبحجم تمديد ولاية البرلمان، إن لم تكن أكبر وأهم.